“الأزمة الخليجية التي فرّقت بين العوائل، ومنعت الزيارات بين الأهل وحرمت الأم من أبنائها، لماذا لم تمنع العسكريين من الاجتماعات؟ لماذا لم يسع الشعوب ما وسع قادة الأركان؟”.

بهذه الكلمات تساءل الأكاديمي الكويتي عبد الله بن عازب متعجبًا في تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر”، بعد مشاركة قطر في الاجتماع التشاوري للجنة العسكرية العليا لرؤساء أركان الجيوش الخليجية، الذي شهدته العاصمة العُمانية مسقط مطلع مايو/ أيار الجاري.

ولم يكن الاجتماع العسكري رفيع المستوى، الذي حضره جميع رؤساء أركان دول الخليج الستة، الأول من نوعه، منذ بداية الأزمة الخليجية التي شهدت قطيعة تامة بين الفرقاء الخليجين على كل المستويات.

وبعد أن أوشكت الأزمة الخليجية على إتمام عامها الثاني؛ يبدو أن الأسر هي الخاسر الأكبر بعد أن تشتت شملها، وأصبحت تواجه ما يشبه “عقوبة على الهوية”.

وفي يونيو/ حزيران 2017، قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها “إجراءات عقابية” بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة.

وقالت منظمات حقوقية بينها “منظمة العفو الدولية”، (مقرها لندن)، إن التدابير التي اتخذتها كل من السعودية والإمارات والبحرين في أعقاب إعلان قطعها العلاقات مع قطر تسببت في تفريق الأسر.

وعقب اندلاع الأزمة مباشرة وقطع العلاقات، أمرت الدول الخليجية الثلاث، الرعايا القطريين بمغادرة أراضيها خلال 14 يومًا، وأعلنت آنذاك أيضًا أن على جميع مواطنيها العودة من قطر، مهدّدة بفرض عقوبات على أي شخص لا يعود خلال هذه المهلة.

ويعيش ما يربو على 11 ألفًا و387 من مواطني البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة في قطر، بينما كان يُقيم ألف وتسعمائة وسبعة وعشرين مواطنًا قطريًا في تلك الدول.

وبحسب تقارير اللجنة الوطنية لحقوق الأنسان في قطر، تضرر هؤلاء في نواح وقطاعات مختلفة، وبشكل متفاوت وصلَ في بعض الحالات أن تقوم بعض دول المقاطعة بالفصل بين الأم وأولادها.

 

** تشتت الأسر

ومن بين الحالات التي رصدتها اللجنة الوطنية لحقوق الانسان في قطر لمنع بعض أفراد الأسر المشتركة من مغادرة الإمارات، مواطنة إماراتية اسمها شقراء محمد عبيد.

وبحسب تقرير اللجنة الذي اطلعت عليه الأناضول، فإن شقراء “متزوجة من قطري يدعى فهد عبد الله ذياب، وكانت هذه السيدة قد غادرت قطر بتاريخ 23 يناير 2019 برفقة طفليها الذين يحملان الجنسية القطرية، لزيارة أسرتها في الإمارات”.

وأضافت أنها الآن “ممنوعة من مغادرة الإمارات مع طفليها (ذياب يبلغ من العمر سنتان، وعبد الله يبلغ من العمر 4 أشهر) لدولة قطر”.

ووثّقت اللجنة القطرية عدد 87 حالة انتهاك للحق في لمِّ شمل الأسر في ذات التقرير.

وأشارت اللجنة في إحدى تقاريرها إلى أن “سيدة قطرية متزوجة في البحرين منذ 35 سنة، جرت إعادتها من دون عائلتها إلى قطر”.

وأيضًا “جرى فصل سيدة أخرى عن رضيعها ابن الثلاثة أسابيع، وتسفيرها من الإمارات إلى قطر”.

كما منعت السلطات السعودية “مرور سيارة على الحدود تحمل لوحة قطرية”، فضلًا عن أنها “تمنع القطريين من السفر لأداء العمرة ومناسك الحج”.

 

** اجتماعات ومناورات عسكرية مستمرة

لكن هذه القطيعة شهدت أول استثناء بعد عام تقريبًا من الأزمة الخليجية حين شاركت قطر في تمرين “درع الخليج المشترك 1″، الذي استضافته السعودية في مارس/ آذار 2018، وحضره رئيس أركان القوات المسلحة القطرية، غانم بن شاهين الغانم؛ تلبية لدعوة تلقاها من نظيره السعودي، فياض بن حامد الرويلي.

فيما كانت المشاركة الثانية لقطر في تمرين “درع الجزيرة المشترك 10″، الذي عُقد بالسعودية في الفترة ما بين في 20 فبراير/ شباط حتى 9 مارس/ آذار 2019.

و”درع الجزيرة”، قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، أنشأت عام 1982 “بهدف حماية أمن الدول الأعضاء بالمجلس، وردع أي عدوان عسكري”، ويوصف في وسائل إعلام سعودية بأنه “الأضخم” في المنطقة.

كما شاركت قطر ممثلة في رئيس الأركان الغانم في أبريل/ نيسان 2018 في اجتماع عسكري أمريكي عربي في الرياض، بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي، وقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل.

وعُقد خلال العامين الماضيين عدد من الاجتماعات التي حضرها رؤساء أركان دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت مشاركة قطر لأول مرة فيها في سبتمبر/ أيلول 2018 بالكويت.

وبعدها شاركت قطر في عدد من الاجتماعات العسكرية لدول التعاون الخليجي في العديد من التخصصات والمستويات.

 

** قمتان خليجيتان

بعد الأزمة كانت الأعين تتجه نحو القمة الخليجية، عسى أن تكون مناسبة لحلحة الامور؛ لكن كان انعقاد القمة الخليجية الـ38 يوم 5 ديسمبر/ كانون الأول 2017 بالكويت مخيبًا للآمال.

لكنها كانت الأقل تمثيلًا من بين القمم التي عقدها المجلس منذ أول قمة له في أبوظبي عام 1981، فلم يشارك فيها من قادة الخليج سوى أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.

أما القمة الـ39 التي عقُدت في الرياض لمدة يوم واحد، فغاب عنها أمير قطر وسط تكهنات بمشاركته آنذاك؛ وكان تمثيل قطر في القمة على مستوى “وزير دولة”.

وانتهت القمة أيضًا دون أي نتائج تخص استئناف العلاقات الدبلوماسية مع قطر، أو التطرّق إلى الأمر على الإطلاق.

وتقود الكويت وساطة لإنهاء الأزمة الخليجية، على أمل وضع نهاية لأسوأ أزمة في تاريخ منطقة الخليج، إلا أن الوساطة متوقفة منذ عدة شهور بسبب تمسك جميع أطراف الأزمة بمواقفها.

 

** أول تمثيل سعودي وبحريني في الدوحة

ولأول مرة منذ اندلاع الأزمة، شهدت الدوحة في مايو/ أيار الحالي مشاركة رسمية سعودية وبحرينية بفعالية في قطر.

وشارك ممثلان عن السعودية والبحرين في الاجتماع السادس عشر لـ”حوار التعاون الآسيوي”، الذي انعقد في قطر، وذلك في أول تمثيل رسمي للرياض والمنامة بفعالية بالدوحة منذ اندلاع الأزمة الخليجية صيف 2017.

ومثّل السعودية في الاجتماعات، مدير إدارة المنظمات الدولية في وزارة الخارجية، مهنا صالح أبو الخيل‎، في حين مثّلت البحرين، منى عباس رضي، مديرة الشؤون الأفرو آسيوية في وزارة الخارجية، حسب مراسل الأناضول.