العدسة – ربى الطاهر

لم تتوقف ردود الأفعال لما دعا إليه الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، من المساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات عند حدود الشعب التونسي باعتباره شأنًا داخليًّا، فقد فتحت دوائر النقاش وأثير الجدل في كل الدول العربية بما فيها تونس نفسها، وعلى وجه الخصوص في مصر.

وكان الرئيس “السبسي” قد صرح أثناء خطابه في اليوم الوطني للمرأة التونسية، أن هناك العديد من الإجراءات القانونية لصالح المرأة لابد من مراجعتها، فيما يخص المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، إضافة إلى السماح لها بالزواج من غير المسلم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن دار الإفتاء التونسية قد أيدت ما قاله “السبسي”!.

إلا أن هذه التصريحات المخالفة بشكل صريح للشريعة لم تكن لتمر كذلك دون تعليق من رجال الأزهر الشريف، الذين  انتقدوا تلك الدعوات التي لا تمت للإسلام بصلة، وقال عباس شومان وكيل الأزهر، إن تصريحات “السبسي” تتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية، ونشر بيانا على الصفحة الرسمية بموقع فيس بوك لمكتب وكيل الأزهر، قال فيه: “المواريث مقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد، ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان، وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة”.

وأضاف في البيان أن “هناك العديد من المسائل التي تساوي فيها المرأةُ الرجلَ أو تزيد عليه، وكلها راعى فيها الشرع بحكمة بالغة واقع الحال والحاجة للوارث أو الوارثة للمال، لما يتحمله من أعباء، ولقربه وبعده من الميت، وليس لاختلاف النوع بين الذكورة والأنوثة كما يتخيل البعض”.

إلا أن ما أورده وكيل الأزهر أثار بدوره الكثير من التعليقات، والتي انقسمت ما بين مؤيد ومعارض ورافض؛ ففريق اعتبر أن هناك ثوابت دينية لا يمكن المساس بها، وفريق آخر اعترض على ما رآه استغلال النصوص الدينية لقمع المرأة واستعبادها، أما الفريق الثالث فقد تطرف في رفضه، وطالب بتجفيف المنابع الدينية باعتبارها هي الأصل في قهر المرأة وقمعها!.

وعبر معارضون آخرون عن رأيهم، من خلال تدشين وسم على تويتر بعنوان “يا_الأزهر_خليك_في_العسكر”، وشارك فيه منتقدون لتصريحات وكيل الأزهر من عدة دول، وعلى رأسها تونس ومصر كذلك، معتبرين أن الأزهر صمت في الكثير من القضايا الأساسية، والتي كان ينتظر منه إطلاق التصريحات الرافضة لها باسم الدين، ولكنه لم يحدث، والآن يعلق على شأن داخلي لدولة أخرى.

ردود الأفعال التونسية

أما فيما يخص ردود الأفعال التونسية، فقد طالب فاضل عاشور، الأمين العام للأئمة التونسيين، المفتي العام التونسي عثمان بطيخ، بالاستقالة، موجها إليه تهمة تحويل المؤسسة الدينية إلى منبر سياسي.

فيما جاء رد فعل الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي مختلفا؛ فقد نظر إلى تلك التصريحات المطالبة بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة من زاوية سياسية بعيدة عن الدين، إذ اعتبرها تصريحات سياسية، الهدف منها هو التغطية على السياسات الفاشلة التي اتبعها الباجي قائد السبسي وحزبه.

في حين ذهب محمد حمدي رئيس تيار المحبة، المنشق عن حركة النهضة، إلى المطالبة بسحب الثقة من رئيس الجمهورية معتبرا أنه قد خالف المادة الأولى من الدستور التونسي، والتي تنص على أن الديانة الإسلامية هي ديانة الدولة الرسمية.

أما نزيهة العبيدي، وزيرة المرأة في حكومة “السبسي”، فقد تعاملت مع تلك التصريحات بقدر من محاولة إمساك العصا من وسطها؛ فعبرت عن أن ما حدث هو شيء إيجابي، خلق حالة من الحراك والتفاعل في المجتمع التونسي، ومن خلال ما صرحت به لوسائل الإعلام، فقد أرجعت الأمر إلى البرلمان التونسي الذي سيناقش دعوة الرئيس على أنها مشروع قانون يتناقش فيها لأخذ قراره النهائي.

تداول شائعة قيام الأزهر بحذف تونس من الدول الإسلامية

وكانت إحدى المقالات التي انتشرت على الإنترنت تحت عنوان “الأزهر يحذف تونس من لائحة الدول الإسلامية”، والتي نفى الأزهر أن يكون ما ورد بها صحيحا، من خلال المركز الإعلامي التابع للأزهر الشريف، الذي قال: “تابعنا بغرابة ما أثير مؤخرا من شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مفادها أن الأزهر قرّر حذف اسم تونس من قائمة الدول الإسلامية”.

موضحا أنه لا يوجد من الأصل قائمة تحمل هذا التصنيف، وأشار إلى أن الأزهر لم يعلق على تصريحات خاصة بدولة تونس، وطالب بتحري الدقة فيما يخص تصريحات أو تعليقات الأزهر، مشيرا إلى أن التواصل في ذلك يكون من خلال المركز الإعلامي الذى يتوفر به كل ما يصدر عن الأزهر من تصريحات.

ولكن التونسيين تناولوا تلك الشائعة التي وقف وراءها مطالب الحقوقيات النسويات في تونس، لإطلاق الحرية في الزواج من الأجنبي غير المسلم، والمساواة في الإرث، وإلغاء المهر، وإعطاء الأم اسمها إلى الأبناء، وتحولت الشائعة إلى مادة للجدل والنقاش والصراع أحيانا أخرى، وفتح من جديد النقاش فيما يخص قضية هوية الدولة.

ويرجع نشأة هذا الخبر لإحدى الصحف الإلكترونية التونسية المجهولة التي نشرت تقريرا يفيد غضب الأزهر حول تلك المطالب والتصريحات التي ذكرها رئيس الجمهورية التونسية، وقد انتقل هذا التقرير إلى موقع الفيس بوك على أنه خبر مؤكد.

واحتوى هذا التقرير الذي نشرته الصحيفة، على دعوة الأزهر بتنظيم حملات توعية لمواجهة ووقف الفتاوى الشاذة التي يطالب بها النسويات في تونس ويقرها دار الإفتاء هناك، ورغم أن ما ورد به لم يتطرق إلى حذف تونس من قائمة الدول الإسلامية فقد نسب ذلك إلى المقال.

وصرح الأزهر أنه لا يختص بوضع قوائم أو تصنيفات للدول الإسلامية، وأنه لا يوجد أصلا ما يسمى بتلك القائمة، وهو ما يهدم تلك الشائعة من أساسها.

ورغم نفي الأزهر، انقسمت ردود الأفعال حول هذا المقال؛ فالبعض تعامل معه على أنه ليس شائعة، واعتبر ما جاء فيه تدخلا سافرا في شؤون دولة أخرى، وانتقد رأي الأزهر فيما يخص القوانين المدنية.

وطالب آخرون باحترام الدستور، الذي ينص على مدنية تونس، واعتبروا أن هذا مكسب لا ينبغي التراجع عنه، أو السماح لأي موقف أو شخص للتراجع عن تلك المكاسب التي حصلوا عليها حسب توجهاتهم .

وعلى صعيد أخر، أيد فريق من التونسيين موقف الأزهر، ودافعوا عن انتقاده لمشروعات تلك القوانين التي سنتها تونس مؤخرا، والتي تسمح برفع كل المحاذير التي وضعتها الشريعة، وأكد هذا الفريق أن من خلال التغريدات أن موقف الأزهر هو موقف أغلبية التوانسة الذين يتمسكون بثوابت الإسلام والأعراف والتقاليد التونسية.

وقال مغردون آخرون، إن تونس تحولت إلى مرتع لكل التجاوزات الدينية والأخلاقية، ودعوا لوقفات صارمة في وجه تلك المحاولات التي تسعى لتغريب البلدان العربية.

نبذة عن القوانين الخاصة بالمرأة في تونس

حصلت المرأة في تونس على قانون يمنع تعدد الزوجات، وكان ذلك منذ عام 1956، كما منح هذا القانون المرأة حق تطليق زوجها، وحصلت كذلك على حقوقها في المساواة مع الرجل في العمل وعلى الصعيد السياسي.

إلا أن المنظمات النسائية هناك تطلعت إلى المزيد مما اعتبرنه حقوقا للمرأة، دون أدنى اعتبار لاعتناق عدد كبير من الشعب التونسي للدين الإسلامي، والذي قد يرفض تلك المطالبات المخالفة للشريعة؛ ففي عام 2011، بعد قيام الثورة التونسية، قامت منظمات المجتمع المدني برفع دعوى قضائية لإلغاء المادة 73 التي تمنع زواج المسلمات بغير المسلمين.

وكان البرلمان التونسي قد قدم منذ عام مشروع قانون لتمرير تعديلات خاصة بقوانين الإرث، تتساوى فيها الأنثى مع الذكر، إلا أنه قوبل بالرفض من مفتي البلاد في ذلك الوقت.

وأفاد تقرير خاص بمنظمة العفو الدولية لعام 2016/2017، أن المرأة في تونس لازال أمامها العديد من الخطوات للحصول على المزيد من الحقوق؛ إذ عبر التقرير عن أن قانون العقوبات لا يجرم صراحةً الاغتصاب في إطار الزواج، فهل سننتظر من تونس في الأيام القادمة استصدار قوانين لسجن الزوج الذي اغتصب زوجته؟!.