محطات تاريخية فارقة في نبذ العنف والاتهام به، مرت بها جماعة الإخوان المسلمين، في مفارقة باتت تلازم تاريخها الذي تجاوز عمره التسعين عاما منذ التأسيس عام 1928 بمصر والمنتشرة عبر أطر فكرية وخيرية وحزبية بعشرات الدول في العالم.

إخوان مصر، التي تاريخيا لا تقر بارتكاب أي أعمال عنف، واجهت عدة قرارات بالحل وآلاف المحاكمات لآلاف القيادات والكوادر، والتي أودت بحياة بعض أبرز قياداتها وفاة بمقرات الاحتجاز أو إعداما أو سجنا بالأعوام.

ولم يسلم المؤسس حسن البنا (1906: 1949)، رغم إدانته للعنف، فتم اغتياله عقب شهور قليلة من واقعة اغتيال شهيرة في الأربعينات تنفي الجماعة مسؤوليتها عنها وتدينها.

وبرزت في تاريخ الجماعة وقائع عدة للآن لا تزال محل جدلية مستمرة بين الأنظمة الحاكمة لاسيما في مصر والتنظيم، حول انخراطها في العنف أو رفضها له، رغم بيانات كثيرة انحازت لخيار رفض العنف، لاسيما منذ صيف 2013، عقب الإطاحة بمحمد مرسي، المنتمي للجماعة من رئاسة مصر، عقب عام من توليه الحكم.

وأمام بيانات مستمرة للجماعة تنفي ارتكاب العنف أو الإيمان به، يرى المفكر المصري، كمال حبيب، في حديث للأناضول، أن “جدلية اتهام الجماعة بالعنف ونفيها ستبقى مستمرة طالما لم يتخذ الإخوان إجراءات واضحة”.

كمال حبيب، وهو أحد أبرز المحللين في شأن التيارات الدينية، دعا في هذا السياق الجماعة إلى “أهمية تغيير الخطاب والانفتاح على تجارب أخرى، والتخلص من الجانب الغامض، وعدم جعل الباب مواربا في مسألة العنف ورفضها بشكل واضح، عبر وثيقة”.

ويشير إلى أن كتاب “دعاة لا قضاة” الذي صدر من جانب الجماعة، الذي صدر في الستينات، كان حاسما واضحا وقطع دابر التكفير، ويدعو لاصدار وثيقة مماثلة.

موجات الصدام والاتهام

عاشت الجماعة بمصر، منذ نشأتها في النصف الأول من القرن الماضي، في صراع شبه دائم مع السلطة واتهامات لا تصمت بارتكاب العنف في مقابل نفي متكرر، كان أشدها في أحكام بالإعدام والسجن بعهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (يونيو/ حزيران 1956: سبتمبر/ أيلول 1970)، وشهدت محنة كبيرة وقتها وهجرة بعض القيادات للخارج.

واستطاع نظام الرئيس الراحل أنور السادات (سبتمبر/ أيلول 1970 إلى 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1981)، استيعاب الجماعة وأعادها للحياة العامة من خلال قرارات بالعفو والدمج ظهرت في عام 1971.

واستمرت الجماعة تحت سقف منخفض مع وصول الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981 – 2011) وسط محاكمات عسكرية على خلفية اتهامات متكررة بمحاولة قلب نظام الحكم.

ظهرت الجماعة بقوة عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت بمبارك، وعادت مرة أخرى للخفوت بعد الإطاحة بمرسي من رئاسة البلاد في 2013.

ووفق مراجع تتبع الجماعة وتقارير خصومها، ترصد الأناضول أبرز الاتهامات والردود والنتائج على النحو التالي:

الأربعينيات

مقتل قاضي ورئيس وزراء (1948) ومحاولة نسف محكمة (1949) بمصر، من أبرز التهم التي واجهت جماعة الإخوان حيث تأسست في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر (1882- 1956) وتواجدت حركات شبه عسكرية معلنة مواجهة هذا الاحتلال، من بينها عناصر للجماعة شاركت في حرب فلسطين عام 1948.

قتل القاضي أحمد الخاندار، الذي كان يحكم في إحدى قضايا المنتمين للجماعة، 22 مارس/ آذار 1948 أثناء توجهه من حلوان جنوبي العاصمة لمقر عمله القضائي على يد اثنين من المنتمين للجماعة، وفق الاتهامات المتكررة تاريخيا.

الجماعة أدانت تلك العملية، وقالت إنها فردية ولم تكن بعلم الجماعة ولا توجيهها.

قتل رئيس الوزراء محمود النقراشي، على يد أحد أفراد التنظيم الخاص للجماعة، في 28 ديسمبر/ كانون الأول 1948، عقب 20 يوما من إصداره قرارا بحل الجماعة ومصادرة أموالها، وتلا ذلك محاولة تفجير محكمة حوت أوراق قضايا اتهم فيها الإخوان بأعمال عنف.

ورد البنا في بيانات شهيرة آنذاك قائلا: “وقعت أحداث نُسبت إلى بعض مَن دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها؛ مما ألقى عليها ظلاً مِن ‏الشبهة”.

وأضاف: “لما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافى مع العنف، بل تنكره (..) فنحن نبرأ إلى الله ‏مِن الجرائم ومرتكبيها (..) وأعلن أن مرتكب (…تلك) الجرائم، لا يمكن أن يكون مِن الإخوان ولا مِن المسلمين؛ لأن الإسلام يحرمها، والإخوان تأباها وترفضها”.

ولم يسلم البنا رغم أنه كان الصوت الأبرز بالجماعة في رفض العنف، من دفع الثمن، الذي جاء مع اغتياله في 12 فبراير/ شباط 1949، في أحد شوارع العاصمة، بطلق ناري مجهول وحتى الآن لم يعرف من الجاني ولم يقدم للمحاكمة.

وفي مقابل استمرار استدعاء خصوم الإخوان لتلك الأحداث كاتهامات، عجّ التاريخ بردود نفي لعلاقة الجماعة بتلك الأحداث سطرت عبر موقعها التاريخي “إخوان ويكي”، أو في كتاب رموزها السابق مثل الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه “الإخوان المسلمون ردود على تساؤلات واتهامات”.

الخمسينيات

حادثة المنشية (بالإسكندرية شمالي مصر) هي أشهر اتهام في تلك الفترة للجماعة، حيث أطلق الرصاص على رئيس مجلس الوزراء آنذاك جمال عبد الناصر، في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1954 أثناء إلقائه خطابا هناك، وفورا اتهمت جماعة الإخوان.

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 1954 صدرت أحكام أبرزها إعدام 6 من أبرز قيادات الإخوان، بينهم الفقيه الدستوري الشهير عبد القادر عودة، بعد نحو شهر من توقيفات طالت مئات، بخلاف حل الجماعة.

وفندت مواقع الجماعة تلك الحادث التي نفت مسؤوليتها عنها، مؤكدة أنها “تمثيلية” لإزاحة الإخوان، أكبر تنظيم معارض لعبد الناصر.

الستينيات

في 1965 شهدت الجماعة أسوأ المواقف مع عبد الناصر للمرة الثانية مع توقيف الآلاف باتهام إحياء فكرة التنظيم، انتهت بإعدامات طالت أبرز مفكري الجماعة ومنظريها الأديب المصري الشهير آنذاك، سيد قطب، مع استمرار المحاكمات بحق المنتمي للجماعة.

وقالت مراجع الجماعة، إن تلك الفترة شهدت “تنكيلا غير مسبوق بها” بأنصارها وقيادتها في السجون، مما أحيا فكرة التكفير، في ظل حل الجماعة، ما دفعها للرد بكتاب شهير بعنوان “دعاة لا قضاة”، نسب لمرشدها العام الثاني حسن الهضيبي (1891 م – 1973 م).

والكتاب الذي تقول تقارير محلية إنه تداول سنة 1968 وطبع للمرة الأولى عام 1977 في سنوات، تناول بالتفاصيل والحسم توضيح عدم جواز تكفير أحد، ورفض الجماعة أي موقف خلافه.

وتتركز اتهامات خصوم الإخوان في تلك الفترة على أن الإخوان أخرجت من رحمها جماعات تكفير وعنف.

ما بعد التسعينيات

رغم أن تلك الفترة أبرز فترات المشاركة السياسية للجماعة في الحياة السياسية إلا أن اتهام “خروج جماعات التكفير” من رحمها لم يغادرها.

واتهم مبارك الجماعة في حوار لصحيفة ألمانية عام 2004 بتدبير اغتيالات أربعينيات القرن الماضي، وقدم قيادات لمحاكمات عسكرية في 1995 و1999، و 2001، و2006 بتهم بينها إعادة إحياء جماعة محظورة، وشهدت هذه المحاكمات انتقادات حقوقية دولية متوالية.

ونشطت بيانات الجماعة في تلك الفترة للرد ومنها بيان 30 أبريل/ نيسان 1995، الذي قالت فيه: “الإخوان يعلنون – في غير تردد ولا مداراة – أنهم براء من شتى أشكال ومصادر العنف والإرهاب (..) ملتزمون بأحكام الدستور والقانون”.

ما بعد مرسي

عقب الإطاحة بمرسي، من وزير الدفاع آنذاك والرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، استمر اعتصامان شهيران للجماعة ومؤيديها بميداني رابعة والنهضة بالقاهرة الكبرى، ومع الفض الأمني لهم في 14 أغسطس/ آب 2013، عادت أجواء الستنينيات مجددا، مع التوسع في توقيفات طالت القيادات والكوادر والأنصار، قالت الجماعة إنها طالت عشرات الآلاف منهم.

وأعلنت السلطاتُ الجماعةَ تنظيما محظورا في ديسمبر/ كانون الأول 2013، وشكلت لجنة لمصادرة أموالها، ويرفض النظام أي خطوة لإدماج الإخوان مجددا بالسلطة وينعتهم دوما بالإرهاب والعنف.

وفي العام 2014، اعتبرت السعودية الجماعة تنظيما إرهابيا، وفي 2015، قالت بريطانيا إنها لن تستطيع وصم الجماعة بالإرهاب ولكن حذرت من ارتباط بعض أفرادها بالعنف، وحاليا يدرس البيت الأبيض وصمها بالإرهاب.

الجماعة التي تتمسك بوجود قيادة داخل مصر، تنفي ارتباطها بأي حركات مسلحة ظهرت في مصر وقامت بأعمال عنف في الأعوام الأخيرة مثل حركتي “حسم” و”لواء الثورة”، اللتين تعتبرهما واشنطن إرهابتين في 2018، وقالت الجماعة إنها ترفض أي أعمال عنف مهما كانت من أي أفراد أو منشقين عنها.

واعتراضا على أسلوب إدارة الجماعة، شكل عناصر بالجماعة في 2016، قيادة موازية رفضتها الجماعة في تكرار لانشقاق أفراد ومجموعة عرفت باسم “شباب محمد”، في أربعينيات القرن الماضي.

وردا على توجه البيت الأبيض لاعتبار الجماعة “إرهابية”، قال الأمين العام للإخوان المسلمين “محمود حسين” في تصريحات في مايو/ آيار 2019، إن “كل من اختار طريقَ العنفِ أو التَكفيرِ أو التطرف الفكريِ خرجَ من الجماعةِ أو أخرجته”.