كشفت صحيفة الإندبندنت -من خلال مقابلات صحفية- عن صدمة نشطاء بحرينيين من قيام حكومة المملكة المتحدة باستخدام أموال دافعي الضرائب البريطانيين من أجل تمويل مؤسسة حكومية بحرينية متهمة بـ “التستر” على تعذيب واغتصاب المدافعات عن حقوق المرأة.

وبحسب تقرير تم الحصول بناء على طلب مقدم إلى هيئة “حرية المعلومات”، فإن الحكومة البريطانية تقوم بتقديم دعم سري بملايين الجنيهات الإسترلينية لعدد من دول الخليج العربي، من بينهم البحرين التي استلمت أموالاً لدعم عدد من المؤسسات المتهمة بإخفاء أدلة على اغتصاب وتعذيب ناشطين في عام 2017.

في لقائهما مع الإندبندنت، قامت كلا من نجاح يوسف وابتسام الصائغ، الناشطتان اللتان زعمتا أنهما تعرضا لاعتداء جنسي من قبل السلطات البحرينية، بمهاجمة حكومة المملكة المتحدة بشدة لقيامهما بتمويل هيئة حقوق الإنسان في البحرين، والمعروفة باسم “أمين المظالم” التابع لوكالة الاستخبارات الوطنيّة البحرينية.

وكانت السيدة نجاح يوسف قد اعتقل في أبريل/نيسان 2017 على خلفية احتجاجها على إقامة سباق السيارات الفورميولا 1 في المملكة بسبب الظروف الاقتصادية، ونتيجة لذلك تم فصلها من وظيفتها الحكومية ولم يفرج عنها إلا في أغسطس/آب 2019.

في حديثها إلى الإندبندنت في أعقاب نتائج التقرير الأخير، قالت السيدة نجاح، التي تزعم أنها تعرضت للاغتصاب والمعاملة المهينة والسيئة في السجن “لا توجد كلمات يمكن أن تصف المحنة التي عانيت منها داخل سجون البحرين على أيدي الأجهزة الأمنية. كانت صدمة بالنسبة لي أن المملكة المتحدة هي من قامت بتدريب وتمويل الهيئات التي قامت بالتستر على الانتهاكات التي تعرضت لها”.

وتابعت “بالنظر إلى حجم التمويل الذي تلقته تلك الهيئات من المملكة المتحدة ومقارنتها بتصريحات عدد من المسؤولين الحكوميين مثل وزير الخارجية البريطاني وغيره حول مكافحة العنف الجنسي ضد المرأة واحترام حقوق المرأة، فإن هذه التصريحات تصبح دليل على النفاق الذي يحتم عليهم الخجل الشديد من مواقفهم”.

يُذكر أن السيدة نجاح سبق وأجرت مقابلة حصرية مع الإندبندنت بعد إطلاق سراحها، قالت فيها إنها تفكر في الانتحار بعد تعرضها للاغتصاب وسوء المعاملة على يد سلطات الدولة. وأضافت أنها استُدعيت إلى مركز الشرطة مع ابنها البالغ من العمر 14 عاماً -آنذاك-، وأجبرها أحد أفراد المخابرات البحرينية على فتح هاتفها المحمول قبل استجوابها.

وأضافت “كنت خائفة على سلامتي وسلامة ابني. طُلب مني العمل مع السلطات كمخبر لكنني رفضت، لذلك أصبحوا عدوانيين للغاية، وخلال الأيام الأربعة التالية، كانوا يسمحون لي بالنوم في منزلي شريطة أن أعود إلى قسم الشرطة في المحرق كل يوم، وهناك كان الضباط يقومون بضربي وتهديدي بالاغتصاب. كما هددوني بقتلي وقالوا لي إنهم سيقتلون أطفالي عن طريق حادث مدبر – قائلين “كل شيء سيبدو طبيعيًا. يمكننا أن نفعل هذا لك”.

“أثناء استجوابي في حجز الشرطة، تعرضت أيضاً للاغتصاب. لقد دمرت كرامتي”، مشيرة أنها فكرت في قتل نفسها بإلقاء نفسها من النافذة من أجل “إنهاء المعاناة”، مضيفة “لقد صُدمت لأن الشخص الذي كان رئيس قسم الشرطة حيث تعرضت للاعتداء الجنسي والتعذيب كان أحد المستفيدين من التمويل البريطاني”.

وبحسب التقرير، فإن حكومة المملكة المتحدة أمين المظالم عبر “صندوق الخليج الاستراتيجي”، حيث تم توفير 4 مليون جنيه إسترليني لخمس دول خليجية في عام 2021 وحده، وبينما يقول الوزراء إن الصندوق يعزز العلاقات التجارية والدبلوماسية بين المملكة المتحدة ودول الخليج، يحذر نشطاء من أن جزء كبيراً من هذه الأموال يتم استخدامه لتدريب المسؤولين في أمين مظالم وكالة الاستخبارات الوطنية البحرينية.

أما ابتسام الصائغ، المدافعة البارزة عن حقوق الإنسان، قالت في حديثها “في صيف عام 2019، قمت شخصياً بسرد الانتهاكات البشعة التي تعرضت لها لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية، لهذا فإن نتائج التقرير الأخيرة كارثية بالنسبة لي… معرفة أن حكومة المملكة المتحدة تدعم أمين المظالم التابع لوكالة الاستخبارات الوطنية بعد أن عرفت بالدليل تواطؤهم في الإساءة لي يعد خيانة مدمرة”.

تقول السيدة ابتسام، المعروفة بـ “صوت السجناء السياسيين في البحرين”، إنها تعرضت للإيذاء الجسدي والجنسي، وتعرضت لتهديدات بقتلها هي وأطفالها عندما تم احتجازها في مبنى جهاز الأمن الوطني في البحرين في مايو/أيار 2017 .

تقول الناشطة إنها عانت من التعذيب لمدة سبع ساعات تقريباً، وقالت سابقاً للعفو الدولية -التي تدعمها بشدة- “لقد ضربوني على أنفي وركلوني في بطني، مع العلم أنني أجريت عملية جراحية في أنفي وأنني كنت أعاني من القولون. تعرضت للإغماء مرتين واستيقظت بسبب الماء البارد”.

في وقت سابق، كانت السيدة نجاح والسيدة ابتسام بتقديم شكاوى إلى صحيفة ذا ناشيونال كانتا قد قدمتاها إلى أمين المظالم التابع لوكالة المخابرات، قالا فيها إنهما تعرضا للتعذيب والاعتداء الجنسي من قبل ضباط من جهاز الأمن الوطني البحريني، والذي يسمى الآن وكالة المخابرات الوطنية، داخل مركز شرطة في البحرين يعرف باسم مجمع المحرق الأمني​​من أبريل/نيسان إلى مايو/أيار 2017.

من جانبه، قال سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، لصحيفة الإندبندنت إن أمين المظالم البحريني “لم يقدم شيئًا سوى فتح تحقيق هزيل الهدف منه كان تبييض صحيفة الأجهزة الأمنية”.

وأشار الوداعي إلى أن حكومة المملكة المتحدة لا تزال تدعم الهيئة التنظيمية لحقوق الإنسان المثيرة للجدل، وأضاف “مرة أخرى، استخدمت الحكومة أموال دافعي الضرائب لدعم الهيئات التي قامت بالتستر على أدلة مروعة على الاغتصاب والتعذيب من قبل قوات الأمن”.

وأضاف الوداعي “تدعي حكومة المملكة المتحدة أن دعمها بملايين الجنيهات للنظام الديكتاتوري في البحرين الهدف منه مساعدة المملكة على الإصلاح، لكن في الواقع، هذا الدعم لا يساعد على تحسين الأوضاع، بل يمكّن المعتدين ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب المتفشية بصورة مرعبة في البلاد. يجب أن ينتهي هذا التمويل على الفور”

وتابع “هذه العلاقة السامة بين المملكة المتحدة والبحرين يدفع ثمنها الشعوب. لقد وقفت الناشطات الشجاعات اللواتي عانين من أفظع الانتهاكات وكشفن العلاقة الفاسدة بين هذه الحكومات “.

ووصف الوداعي البحرين بأنها “واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط قمعاً”، وفقاً لمنظمة فريدوم هاوس الأمريكية غير الحكومية، مضيفاً “إنه لأمر مروّع أن تقوم حكومة المملكة المتحدة بتمكين المؤسسات التي تتستر على التعذيب وسوء المعاملة… هذا مثال نموذجي على النفاق لأن المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة يدعون أنهم يتصدون لانتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.”

يأتي ذلك بعد أن اتهم تقرير برلماني صدر الشهر الماضي “صندوق الخليج الاستراتيجي” الحكومة البريطانية بأنها “مضللة” و “خادعة”، وقامت بتسليم حوالي 53.4 مليون جنيه إسترليني لدول الخليج التي قامت باستخدامها في قمع حقوق الإنسان.

حكومة المملكة المتحدة كانت تفصح باستمرار عن الجهات التي تتلقى هذه الأموال حتى عام 2016، بعد ذلك أحاطت بياناتها بالسرية على الرغم من مطالبة النشطاء والنواب مرارًا بهذه المعلومات عبر طلبات حرية المعلومات وفي الاستجوابات البرلمانية، كما حث النواب، بمن فيهم السير بيتر بوتوملي والنائب برندان أوهارا، الحكومة على وقف التمويل وإجراء تحقيق مستقل في القضية بعد التقرير المشار إليه.

من جانبها، رفضت الحكومة البريطانية اتهامها بالتواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين الدولة التي تحكمها عائلة آل خليفة منذ أكثر من قرنين من الزمان.

الجدير بالذكر أن المملكة المتحدة قامت ببيع تراخيص ما قيمته 105 مليون جنيه إسترليني من الأسلحة للبحرين منذ اندلاع انتفاضة الربيع العربي المؤيدة للديمقراطية في فبراير/شباط 2011، وفقاً لحملة مناهضة تجارة الأسلحة.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا