يفسر علماء السلوك سلوك الإنسان بأنه ناتج عن أسباب قد تكون داخلية وقد تكون خارجية وحيث أن النشاط البشري والإنساني متداخل فإن علماء السياسة دائما لا يشغلهم الفعل بقدر ما يشغلهم أسبابه ( لماذا حدث) حيث من يعرف أسباب السلوك تمكن من التعامل معه وتفسيره واختيار ما يناسبه من وسائل.

يُعرف التكفير اصطلاحا بأنه: من الكفر، والكفر معناه الجحود والنكران، والكفر في الإسلام وصف قد يوصف به المسلم وقد يوصف به غير المسلم فالمسلم يجب أن يؤمن بالله الواحد ويكفر بكل معبود سواه، وفي الديانات الأخرى يؤمن غير المسلم بعقيدته ويكفر بنبوة محمد، هكذا وإن كان المعنى المنتشر لكلمة الكفر هو الكفر بدين الإسلام.

والتكفير موجود في عقيدة المسلمين إذا بني على ضوابطه وانتفت موانعه وصدر من ذي علم واختصاص، والتكفير بشكل عام أمر لا تكتمل عقيدة المسلم إلا به (فمن يكفر بالطاغوت  ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) فكلمات لقد كفر والكافرون التي ذكرت في القرآن لابد أن يعتقد بها المسلم اعتقادا جازما فمن أشرك مع الله غيره كافر ومن لم يحكم بما أنزل الله كافر، ولكن هذا ما يعرف بالحكم والحكم مطالب به كل مسلم فلا يصح مثلا أن يقول المسلم على غير المسلم أنه مسلم والله تعالى  قال (لقد كفر الذين…).

 إذا فالقضية لا تكمن في الخوف من التكفير ولكن تكمن في كيف نفهمها حتى لا نخطئ ولا نغالي فيها حتى وصل الأمر بالبعض أن يتعرضون بالحكم على الناس بالكفر كما يتعرضون للحكم على الألوان هذا أبيض وهذا أسود وهذا مسلم وهذا كافر وكثير ممن يفسرون الظاهرة يرجعونها لأسباب عقائدية او فكرية (انحراف في الفكر و الاعتقاد) والحقيقة أنه إن صحت  هذه الأسباب إلا أنها ليست الوحيدة بل وليست الاكثر تأثيرا وشيوعا في الظاهرة بل أن هناك أسبابا أخرى لعل من أهمها أسباب وعوامل نفسية وعوامل سياسية.

 أما العوامل النفسية فلا شك ان الانسان اذا تعرض لقهر وظلم فإن ذلك يؤثر بشكل كبير على سلوكه والذي سيميل حتما إلى العدوانية والهجوم والعنف والرد.

والعنف إما عملي كالقتل والضرب وأما لفظي كالسب والاتهام بالخيانة والتكفير وغيره وحيث أن ظواهر المغالاة في التكفير دائما ما تخرج من بين ثنايا القهر والتعذيب في السجون كما حدث في العديد من البلدان التي احتوت هذه الظاهرة، والمجتمعات التي ينعدم فيها احترام الرأي وحرية التعبير وانتهاك كرامة الإنسان.

 فالاضطهاد والقمع والاستبداد السياسيين والتنكيل بالمعارضين والمخالفين في الرأي ووصفهم بالخونة والإرهابيين  وامطارها بوابل من الاتهامات والتنكيل والحبس والاعتقال والتعذيب والقتل فمثل هذه المعالجات تؤدي إلى نشأة هذه الظاهرة  فلكل فعل رد فعل والشخص الذي يكفر أو يغالي في التكفير ما هو إلا ضحية لمعالجات متطرفة وحيث أن  يداه مكبلتان عن النيل ممن قهروه فإنه لا يقوى على شيء سوى تكفيرهم.

 عوامل سياسية

 لا شك أن الصراعات السياسية لا تنتهي وأن أساس ظاهرة التكفير هو الخلاف السياسي حيث أن القوة من طرق حل الخلافات السياسية والقوة تعني السيف واستحلال الدماء والأموال ولكن كيف سيقوم أطراف الصراع بشهر سيوفهم واستحلال دماء وأموال مخالفيهم وحديث النبي يقول (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمد رسول الله فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها).

فبعض القادة يلجأون إلى تأويلات فاسدة لقمع معارضيهم ليستحلوا دماءهم وأموالهم عبر إخراجهم من دائرة عصمة الدماء، أي بتكفيرهم ولنا في التاريخ عبرة حيث قامت معظم الدول بتكفير مخالفيها حتى تنال منهم فالأهداف في النهاية تكون سياسية اضطر أصحابها لإبراز جانب العقيدة فيها.