تتسارع التطورات في الشرق الأوسط على وقع تصعيد عسكري غير مسبوق بين إيران و”إسرائيل”، وسط قلق خليجي متزايد من انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة تتجاوز حدود البلدين وتُهدد البنى التحتية الحيوية، وعلى رأسها أمن الطاقة والملاحة الدولية.

الخليج في مرمى التوتر

رغم أن دول الخليج ليست طرفًا مباشرًا في المواجهة الحالية، إلا أن الجغرافيا والدور الاقتصادي الحيوي الذي تلعبه هذه الدول، خاصة في ملف الطاقة، جعلاها في موقع حساس وعُرضة لانعكاسات التصعيد. فمع أولى الضربات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، صدرت تحذيرات خليجية رسمية، وتحرّكت قنوات دبلوماسية عاجلة خشية تحول الأزمة إلى حرب إقليمية شاملة.

التحذيرات بدأت من قطر التي حذرت عبر المتحدث باسم خارجيتها، ماجد الأنصاري، من أن الاستهداف غير المحسوب لمنشآت الطاقة – مثل حقل الشمال/بارس الجنوبي – “يشكّل قلقًا للجميع”، خاصة أن الشركات العاملة فيه متعددة الجنسيات. وبحسب مصادر مطلعة لوكالة رويترز، أصدرت قطر للطاقة تعليمات لناقلات النفط بتأجيل دخول الخليج عبر مضيق هرمز، كإجراء احترازي في ظل التوتر.

أما الإمارات، فكانت الأكثر صراحة في التعبير عن خشيتها من توسّع الحرب، حيث دعا وزير خارجيتها عبدالله بن زايد إلى “تحرّك عاجل ومُنسّق لتفادي انزلاق المنطقة إلى كارثة غير محسوبة”، محذرًا من “خطوات متهورة قد تتعدى حدود إيران وإسرائيل وتضرب استقرار المنطقة بأكملها”.

وفي تحرك لافت، أجرى الرئيس الإماراتي محمد بن زايد اتصالًا مباشرًا بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، عبّر خلاله عن تضامن الإمارات مع طهران في مواجهة العدوان الإسرائيلي، في موقف يُظهر محاولة واضحة لتبريد المشهد وتحييد الإمارات عن أي تداعيات محتملة.

دول الخليج تتحصن وتتحرك دبلوماسيًا

من جانبها، كثّفت الكويت تحركاتها الدبلوماسية عبر استضافة الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، والذي شدد على العودة للمسار الدبلوماسي ودان الاعتداءات الإسرائيلية على إيران. كما أعلن الأمين العام للمجلس، جاسم البديوي، عن تفعيل مركز إدارة الطوارئ التابع للمجلس لاتخاذ تدابير بيئية وإشعاعية تحسبًا لأي طارئ.

وترافق ذلك مع إجراءات احترازية داخل الكويت، حيث شهدت الأسواق إقبالًا متزايدًا على المواد الغذائية والماء، في ظل مخاوف من تفاقم الوضع. وخرجت رئاسة الأركان العامة للجيش ببيان تطميني ينفي اختراق صواريخ المجال الجوي الكويتي، مشددة على جاهزية القوات المسلحة لمواجهة أي تطور.

الطاقة والملاحة في قلب الأزمة

الخطر الأكبر الذي تواجهه دول الخليج يتمثل في احتمال تعطيل الملاحة عبر مضيق هرمز، وهو شريان رئيسي لصادرات النفط والغاز عالميًا. ومع تزايد التهديدات الجوية والاستهدافات المتبادلة، ترتفع احتمالات تعرض السفن التجارية والمنشآت الساحلية للضرر، مما قد يؤدي إلى اضطراب كبير في أسواق الطاقة وأسعارها العالمية.

التهديد الإقليمي يتجاوز السياسة

التحركات الخليجية تعكس إدراكًا عميقًا بأن المواجهة بين إيران و”إسرائيل” لم تعد نزاعًا تقليديًا بالوكالة أو مواجهة استخباراتية محدودة، بل باتت مواجهة عسكرية مباشرة بين قوتين كبيرتين، قد تنزلق إلى مشهد أكثر تعقيدًا إذا ما انخرطت فيه قوى كبرى، خاصة الولايات المتحدة، التي تلوّح بالدعم الكامل لتل أبيب.

وفي ظل هذا الوضع، تصبح المنشآت الحيوية، المدن الساحلية، وخطوط الإمداد الحيوية في الخليج في مرمى نيران أي توسّع محتمل للصراع، ما يجعل الحاجة لتحرك دبلوماسي فوري وجماعي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

الخليج اليوم أمام مفترق طرق حساس، بين سعي للحفاظ على التوازن الاقتصادي والأمني، ومخاطر متزايدة نتيجة غياب الحلول السياسية الفاعلة. فبين نيران تتطاير فوق المضيق ورسائل دعم من العواصم الخليجية لإيران، يبدو أن المنطقة تتجه نحو معادلة جديدة عنوانها: “إما التهدئة… أو الهاوية”.

اقرأ أيضا: من زنازين الكفالة إلى رفوف السوبرماركت: غضب بريطاني من صفقة استيراد دجاج من الخليج العربي