العدسة: محمد العربي

تمثّل التغيرات السياسية والأيدولوجية التي تشهدها المملكة العربية السعودية على يد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أزمةً كبيرةً على مستوى التيار السلفي الوهابي المنتشر حول العالم، وخاصةً بمصر، حيث يُعتبر هذا التيار بها امتدادًا للتيار الوهابي المحافظ بالسعودية، وبالتالي فإنَّ التغيرات التي يقودها ولي العهد أثارت المخاوف لدى السلفيين المصريين وتحديدًا الدعوة السلفية وحزب النور، المرتبطين بالسعودية ماديًا وفكريًا.

دعم متواصل

وطبقًا للمتابعين لتطوُّر الدعوة السلفية بمصر فإنّها اعتمدت على الدعم السعودي، وخاصةً في ظل وجود الراحل عبد الله بن عبد العزيز، سواءٌ عندما كان وليًا للعهد أو ملكًا، وقد تكشّف هذا الدعم المادي واللوجسيتي بعد ثورة 25 يناير 2011، وما تلاها من أحداث..

وكانت الدعوة السلفية التي مثّلها حزب النور السلفي فيما بعدُ سياسيًا، تمثل أزمة وإشكالية للتيار الإسلامي بشكل عام ولجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص.

كما كشفت الانتخابات البرلمانية التي جَرَت في مصر طبقًا لنظام القائمة نهاية 2011 وبداية 2012، ملاحقة حثيثة من حزب النور لجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث شكلوا في انتخابات مجلس الشعب 18% من عدد الأعضاء، وفي انتخابات مجلس الشورى 23%، ليكونوا مع الإخوان أغلبية وصلت لـ 66% بالغرفتين التشريعيتين، بينما توزَّعت النسبة الباقية على أنصار التيارات اليسارية والعلمانية والليبرالية.

ورصد المتابعون للانتخابات وقتها تدفُّق الدعم المادي غير الطبيعي الذي حصلت عليه الدعوة السلفية ممثلة في رأس حربتها ياسر برهامي، والذي لم يجد أي حرجٍ في أن يعلن أنَّ الدعم كان عن طريق المملكة السعودية، إلا أنَّ الأهم من ذلك هو ما تمّ رصده من وجود شخصيات أمنية سابقة وحالية كانت تدير المشهد الانتخابي لحزب النور، لتكسير حزب الحرية والعدالة الذي مثّل جماعة الإخوان في هذه الانتخابات.

مسمار جحا

وقد مثل سلفيو حزب النور أزمة كبيرة للتيار الإسلامي الذي صعد بقوة الصاروخ في كل المحافل الانتخابية التي تَلَت ثورة يناير، سواء المتعلقة بالاستفاءات الدستورية أو الأخرى المتعلقة بالانتخابات التشريعية والبرلمانية، وكان لهم دور في تفتيت الأصوات ضد مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي في الجولة الأولى، كما أنهم عقدوا صفقة ضده في الجولة الثانية حيث ناصروه ظاهريًا بينما ذهبت أصواتهم في الصناديق لصالح منافسه أحمد شفيق.

ويرى المختصون أنَّ الدور الذي قامت به الدعوة السلفية في تقديم نماذج سيئة للتيار الإسلامي وإلصاقها بالإخوان المسلمين كان مقصودًا وليس بسبب عدم خبرتهم السياسية، حيث اعتبروا أنَّ أي خصم من رصيد الإخوان هو زيادة في رصيدهم، وهو ما كان سببًا في الدعم الذي قدَّمته السعودية بشكل موسَّع لهم، بما يمكنهم من أن يكونوا بديلًا للإخوان مع الشعب المصري الذي كان هواه إسلاميًا.

كما أشارت العديد من الكتابات المتابعة لنشاط الدعوة السلفية عن دورهم في إسقاط محمد مرسي، سواءٌ من خلال تصدير الأزمات له ولجماعته أو من خلال الاصطفاف مع جبهة الإنقاذ ضد مرسي، ثم مشاركتهم في الانقلاب العسكري ودعمهم اللامحدود لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وصمتهم المُخْزي على جرائمه في رابعة العدوية وما قبلها وكذلك ما بعدها.

ترقب وحذر

ويشير تعامل الدعوة السلفية مع التغيرات التي شهدتها المملكة خلال العامين الماضيين إلى أنهم تعاملوا بحذرٍ وترقبٍ شديدين مع تصريحات وخطوات ولي العهد السعودي الذي قدَّم نفسه للولايات المتحدة وللغرب، بالمُصلِح الجديد لخطوات المملكة الغنية بالنفط، ولذلك لم يعلِّق السلفيون كثيرًا على تصريحات بن سلمان المنتقدة للحركة الوهابية، كما لم يتحدثوا من قريب أو بعيد عن الاعتقالات التي طالت العشرات من العلماء والمصلحين بالمملكة، وابتعدوا بأنفسهم عن الحديث عن حفلات الرقص وفتح دور السينما في البلد الذي كان يريد السلفيون تطبيق تجربته المحافظة في مصر.

ولذلك فقد دفعت التغيرات الفكرية التي شهدتها المملكة قيادات الدعوة السلفية بمصر للبحث عن مبرِّرات تنقذهم من النقد الذاتي الذي بدأ ينتشر بين أوساطهم، ولذلك لجئوا إلى الحل الأسهل وهو تحميل المسؤولية للإخوان المسلمين الذين أثاروا الغرب على المشروع الإسلامي، وبالتالي حوَّل الغرب حربه ضد باقي الدول ذات النمط الإسلامي وفي مقدمتهم السعودية.

وطبقًا لوصف أحمد نادر الأمير، العضو بالدعوة السلفية في القاهرة، فإنَّ التيارات التي تتبنّى الصدام مع الحكّام مثل الإخوان في مصر وجماعة جهيمان والسرورية في السعودية هم الذين عمّقوا الفجوة بين العلماء والقصر، وأدَّت تصرفاتهم لريبة الحكام تجاه التيار الإسلامي بسبب هواجس السعي إلى الانفراد بالسلطة واستخدام العنف، وهو ما أسفر عن سيطرة العلمانيين على مشهد النخبة، وهي المقدمة الطبيعية لمحو ما رسَّخه التيار السلفي من مفاهيم. حسب وصفه في تصريحات صحفية متعددة.

ويرى المختصون أنه انطلاقًا من منهج الدعوة السلفية الانتهازي، فإنهم يرفضون الصدام مع الأنظمة المستبدة سواء في مصر أو السعودية، وطبقًا لوصف أحد مشايخهم أنهم يتعايشون مع الوضع القائم بطريقة لا توصِّلهم إلى نتائج كارثية، كما فعل الإخوان.

ومن هنا اختارت الدعوة السلفية السير في الطريق السهل والمَرِن، وتعاملوا مع التغيرات الفكرية التي يفرضها ولي العهد السعودي، إمَّا بالتأييد أو الصمت تقليلًا للخسائر وعدم الخوض في معركة خاسرة.

هل يحب السيسي السلفيين؟!

ربما يظل هذا السؤال مطروحًا في ظل محافظة السيسي على بقاء الدعوة السلفية وحزبها النور داخل المشهد المصري ولم يصبهم ما أصاب شركاءه سواء من المدنيين أو العسكريين، فهل يعود الأمر إذن إلى تأييد الدعوة السلفية للسيسي في الانتخابات الأخيرة وإعلان قادتهم أنه نعمة من الله للشعب المصري والعربي، أم أنَّ للموضوع أبعادًا أخرى.

ويجيب على هذا السؤال إحدى الروايات التي تُدار في الغرف المغلقة عن طريقة اختيار الرئيس محمد مرسي للسيسي، ومن كان السبب في أن يضع أقدام الجنرال أمام طريق الرئيس المدني، وتشير الروايات التي استمع إليها “العدسة” من مصادر متعددة، إلى أنَّ أحد أقارب السيسي المحيطين به كان عضوًا بارزًا في الدعوة السلفية، وأنَّ هذا الأخير (الذي تشككت المصادر في مدى قرابته من السيسي وهل هو شقيقه أم ابن عمِّه)، هو الذي قدَّم السيسي للإخوان قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر وديسمبر 2011 ويناير 2012، باعتباره شخصية ملتزمة وتريد تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو ما تعامل معه الإخوان بترحاب، خاصةً وأن الجنرال كان يرتبط بصلة نسب قوية مع الشيخ عبد الخالق الشريف مسؤول قسم نشر الدعوة في الإخوان وقتها، وفي حالة ثبوت هذه الرواية فإنَّ السلفيين ربما يكونون سببًا رئيسًا في وصول السيسي لبداية الطريق الذي انتهى اليه.

وما يعزِّز متانة العلاقة بين السيسي والسلفيين أنه في الوقت الذي قدّم فيه انتقادات للأزهر الشريف وباقي المؤسسات الدينية عن موقفها الجامد من الخطاب الديني، فإنَّ سهامه لم تصل للتيار السلفي في أي مرة تحدث فيها عن الخطاب الديني، وهو ما يشير إلى أنَّ السيسي يعتبر السلفيين صمام الأمان لعدم عودة الإخوان، كما أن استمرارهم يدحض كل الدعاوى التي تشير لمعاداته للتوجهات الإسلامية.

ولذلك يرى الخبراء أنَّ تدخل السيسي في إنهاء الحرب التي جرت بين الدعوة السلفية ووزير الأوقاف المصري حول اعتلائهم المنابر لصالح السلفيين يصبّ في تأكيد الرأي السابق، ليس حبًّا في السلفيين بقدر أنه عمل بسياسة المصالح المشتركة بين الطرفين.

ومن هنا تجاوز السيسي عن أكثر من 500 مليون ريال حصلت عليها الدعوة السلفية من جميعات وشخصيات سعودية لتمويل أنشطة الدعوة بمصر، خلال الأعوام الأربعة الماضية، في الوقت الذي يشنّ حربًا شرسة على أموال الإخوان سواء كانوا هيئات أم أشخاصًا.

ولذلك يرى المختصون في الحركات الإسلامية أنَّ هناك توافقًا بين السيسي وبن سلمان في استبعاد الدعوة السلفية بمصر عن مرمى نيران الحرب الدائرة على الحركة الوهابية بالمملكة، باعتبار أنّ سلفيي مصر أصبحوا مثل الخاتم في أصابع المؤسسة العسكرية التي تُدير الأمور بمصر.