العدسة – ياسين وجدي:

هي الحكومة الثالثة ليوسف الشاهد في تونس ، ولكنها القاصمة للعلاقة بينه وبين الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ، والتي تذهب إلى توسيع الأزمة بينهما في ظل إعلان حركة النهضة الانحياز إلى الشاهد في التعديل الوزاري.

المشهد مقلق بحسب البعض ، ولكن يبدو أن معركة تكسير العظام بين السبسي والشاهد مستمرة حتى أبعد حد ، فهل ستدفع ثورة “بوعزيزي” الثمن أم أن الشاهد قادر على المرور بتونس الخضراء إلى بر الأمان؟!.

الشاهد يكمل المواجهة!

لم تكن التصريحات الصادرة من القصر التونسي برفض إجراءات الشاهد ذات قيمة فيما يبدو ، حيث أكمل رئيس وزراء تونس يوسف الشاهد مواجهته المفتوحة مع السبسي ونجله ، حيث أفاد مصدر من رئاسة الحكومة التونسية بأن رئيس الوزراء يوسف الشاهد وجه يوم الثلاثاء مراسلة إلى مجلس نواب الشعب، لطلب منح الثقة لتعديل وزاري شمل 13 حقيبة وزارية و5 كتاب دولة.

 

الشاهد أعلن بوضوح أنه قام بالتعديل الوزاري ، وتحمل مسؤولياته فيه وفقا للصلاحيات الممنوحة له دستوريا بحسب الفصل 89 من الدستور التي تنص على التشاور فقط مع الرئيس في حالة تعديل وزيري الدفاع والخارجية ، مؤكدا أن التعديل جاء لإضفاء مزيد من الفعالية على العمل الحكومي.

لكن حزب “حركة نداء تونس” في المقابل لم يصمت وطالب الباجي قايد السبسي بالتدخل وحسم الأزمة التي وصفتها بأنها “انقلابا شبيها بانقلاب سابق، كما هددوا بالتوجه إلى تنظيم انتخابات مبكرة قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة العام 2019، ويبدو أن الحزب ماض في تعقيد الأزمة خاصة بعد أن أطاح بالشاهد من مناصبه القيادية في الحزب وجمد عضويته.

الأمر الذي يشكل مرارة خاصة ، ويلقي بظلاله على المشهد هو أن” السبسي” ، هو من دفع يوسف الشاهد (43 عاما) فجأة في المشهد السياسي التونسي، وقدمه إلى الصفوف الأمامية ليخلف رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، حيث لم يكن الشاهد اسما سياسيا معروفا، وينسب لقايد السبسي وبعض قادة النداء “الفضل” في وصوله إلى منصب رئيس الحكومة، وهو ما يتردد في كواليس إدارة الأزمة مع الشاهد ويلقي بظلاله في استمرار المواجهة معه من داخل الحزب الذي قدمه.

ولكن في المواجهة جاء التعديل بحسب المتابعين للشأن التونسي ليؤكد التوازنات السياسية الجديدة للشاهد سواء في المشهد السياسي أو في البرلمان بعد فك الارتباط بين “حركة النهضة” الإسلامية و”نداء تونس” والتحالفات الجديدة التي تشمل “حركة النهضة” و”مشروع تونس” و”كتلة الائتلاف الوطني”، كما تميز التعديل كذلك بدخول “مشروع تونس” إلى الحكومة، بينما حافظت حركة النهضة على الحقائب ذاتها ، في حين أكد “الائتلاف الوطني” أنه غير معني بالتعديل الوزاري ولكنه سيدعمه عند عرضه أمام البرلمان، وهو ما يعني أن صفوف “الشاهد” في المواجهة المفتوحة قد تبدو أقوى حتى الآن.

الأزمة المتوقعة

ورغم ذلك يتحدث البعض عن أن  الأزمة قد تتعقد  أكثر لو رفض السبسي التوقيع على الأمر الرئاسي لتعيين الوزراء الجدد، أو قام بتأجيل أداء القسم دون تحديد لموعده، خاصة أن أعضاء الحكومة مطالبون بأداء اليمين أمام الرئيس عملا بأحكام الفصل 89.

 

الأزمة متوقعة إلى حد كبير في ظل تصريح الناطقة الرسمية باسم الرئاسة التونسية سعيدة قراش، بأن الرئيس الباجي قايد السبسي غير موافق على ما قام به رئيس الحكومة لما اتسم به من تسرع وسياسة أمر واقع بحسب وصفها .

ورغم ذلك قد يحدث تغييرا مفاجئا بقدر التغيير المفاجيء في تصريحات “قراش” التي عادت وأكدت في تصريحات أبرزتها وكالة الأنباء الفرنسية أن الرئيس “يحترم الدولة” ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخذ خطوة لتعطيل هذا التعديل.

أبعاد الأزمة قد تتوسع في ظل تربص الاتحاد العام التونسي للشغل وهو ذراع يساري بارز في تونس بحكومة الشاهد  ومطالبته في وقت سابق بإقالتها ، بينما ترفض حركة النهضة ذو التوجه الإسلامي إقالة الشاهد معتبرة أن مثل هذا الخيار سيقوض مسار الإصلاحات الاقتصادية التي يتعين الإسراع في تنفيذها ، وهو ما وثقته بالموافقة على تعديل الشاهد.

 

وبجانب الاتحاد العام التونسي للشغل، يركز المراقبون على التحريض الصادر من حزب نداء تونس ضد حركة النهضة الذي وصل بعد التحالف إلى الاتهام بالمشاركة في “عملية انقلابية”، ومحاولة”عزل رئيس الجمهورية” ، بعد أن أعلنت حركة النهضة دعمها للتعديل الوزاري، وهو ما يعني مواجهة مفتوحة مع النهضة بجانب المواجهة مع الشاهد وهو ما يلقي بظلاله على المشهد التونسي ككل .

هل تدفع الثمن؟!

وبحسب المتابعين للشأن التونسي فإن الأزمة ليست وليدة اليوم ، والصدام الذي حدث كان لابد أن يحدث لعدم شل الثورة التونسية تحت ستار الأزمة السياسية ، وهو ما لفتت الانتباه له حركة النهضة في أسباب دعمها للتعديل الوزاري بشكل واضح.

 

 

النهضة بحسب التصريحات الأولية من عماد الخميري، المتحدث الرسمي باسم الحركة، ترى أبعادا لمؤامرة على الثورة التونسية ، وبالتالي تتحرك لمواجهتها بدعم بقاء الحكومة مع تطويرها للاتجاه بشكل شبه مستقر نحو الانتخابات المقبلة ، حيث أكدت أن التعديل انطلق من أسس دستورية ورغبة في إنهاء الأزمة السياسية من أجل بدء إجراء الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ووضع الاقتصاد الوطني على نسق النمو، ومعالجة مشكلة التوازنات المالية العمومية وتدهور القدرة الشرائية، وإنجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في 2019.

ما تقرأه النهضة وفق المراقبين له سيناريو مقابل ظهر منذ فترة معسكر السبسي ، عندما طالب الأخير الشاهد بالاستقالة أو طلب ثقة البرلمان، منضما بذلك إلى نجله حافظ الذي يدعو من مدة إلى تغيير الحكومة ، وهو المقصود برفع سقف الأزمة السياسية للتغطية على التقصير الواضح في أداء حزب حركة نداء تونس في الفترات السابقة لكن لازال البعض يعتقد أن هناك “أجندة خفية” بين يوسف الشاهد وحركة النهضة لدعم ترشحه بالانتخابات الرئاسية، لكونها دافعت عن استمرار بقائه على رأس الحكومة بحجة حماية الاستقرار السياسي، رافضة مطالب إقالته التي تؤججها حركته نداء تونس ونقابة اتحاد الشغل ومنظمات وأحزاب معارضة وظهرت في فاعليات غضب في الفترات الماضية.

 

س 

رأي آخر مطروح وله وجاهته فيما يدور ، وهو أن الشاهد لديه طموحات سياسية للترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، وأن من مصلحته البقاء مدة أطول في الحكومة قبل الاستقالة منها نهاية هذا العام على الأقل، حتى لا يقع بطي النسيان، حيث يستغل الدعم المبكر لحكومته في نيل الدعم في سباق الرئاسة المقبل بعد أن يحرق كل أوراق السبسي ونجله ويطيح بهما من المشهد، وهو ما يخدم مصالح أطراف عدة.

ويرى متابعون للشأن التونسي أن ثورة الياسمين والديمقراطية التونسية على المحك، ولكن يحسب لها أنه بعد سنوات من الفوضى والفشل السياسي، قد تكون حكومة يوسف الشاهد قد خطت خطوة جدية في اتجاه مكافحة المنتفعين الفاسدين من هذا النظام عندما اعتقلت في مايو السابق شفيق جراية، أحد أكثر رجال الأعمال نفوذا في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي والحليف المقرب من الرئيس الحالي السبسي، وهو ما قد يتواصل مع استمرار حكومة الشاهد بفضل التحالفات المستمرة والحماية المتوقعة تحت قبة البرلمان.