يشير مصطلح “الإسلاموفوبيا” إلى التحامل والكراهية تجاه المسلمين، أو الخوف منهم، ويرمز إليه بالممارسات العنصرية ضد المسلمين في الغرب، في حين يُعَرفه البعض على أنه شيطنة المسلمين من أجل اتخاذ سلوك متحيز ضدهم والتعبير عنه بصور وأشكال لا تحترم الأديان والقيم الإنسانية العالمية.

ترتبط ظاهرة “الإسلاموفوبيا” بنظرة اختزالية للإسلام، فهم يحصرونه في مجموعة من الأفكار المحدودة والجامدة والبعيدة عن جوهر الدين الإسلامي، منها، ما يحض على العنف والنظرة السلبية للآخر ورفض العقلانية والمنطق وحقوق الإنسان، ويحمل العاملون على نشر هذه الأفكار والممارسات –الخالية من الصحة والمليئة بالمعلومات السامة- العداء للإسلام والمسلمين ويعتبرون أن التحيز ضدهم أمر طبيعي ورد فعل تلقائي على ما يمتلكه المسلمون من شرور، لذلك، هم يساندون التمييز ضد المسلمين ويعملون لحشد قوى الغرب في حرب ضد الإسلام وأتباعه.

مما يثير الانتباه هو وجود مثل هذه الظاهرة في العالم الغربي الذي ينادي بالتعددية الثقافية واحترام الأديان وقبول الآخر، الأمر الذي يضع جميع مبادئه على حافة الانهيار، فكيف تقنع الجار أن جاره هو عدوه، وتقنع الطالب في المدرسة أو الطالب في الجامعة أن زميله هو عدوه؟، إن الإجابة بكل تأكيد ستحمل هزيمة كبيرة للمبادئ الإنسانية والقيم الحضارية التي يدعي الغرب الإيمان بها.

أوقفوا “الإسلاموفوبيا”

أطلقت نحو خمسين شخصية دعوة للتظاهر في 10 نوفمبر، في العاصمة الفرنسية باريس، لقول “أوقفوا الإسلاموفوبيا” و”وصم المسلمين”، وذلك بعد الهجوم على مسجد ونقاشات جديدة حول مسألة ارتداء الحجاب، حيث كتب الموقعون على هذه الدعوة التي نُشرت في جريدة “ليبراسيون”،  يوم الجمعة “على مدار سنوات، يتم إلقاء كرامة المسلمين والمسلمات في المراعي المخصصة للانتقام وذلك بفعل أكثر جماعات عنصرية وتشغل الآن المجال السياسي والإعلام الفرنسي”.

يطالب الداعون للمظاهرات التوقف عن اللامبالاة ووضع حد للعنف والتعديات المتزايدة ضد المسلمين الذين يتم تجريدهم تدريجيًا من إنسانيتهم ووصمهم بالعنف دون مبرر، إذ أن الهجوم الأخير على مسجد “بايون”، وإذلال الأم وطفلها من قِبل عضو منتخب في المجلس العام ل”برغندي-فرانش كونته” والخطب العنصرية التي تتدفق على المحطات الفرنسية طوال اليوم، أظهر الحملة الشرسة ضد الإسلام.

احتجاج ضد “وصم المسلمين”

وقع على الدعوة عدد كبير من الشخصيات الفرنسية، من بينها، الصحفي الفرنسي جان لوك ميلونشون، ورئيس الاتحاد العام للعمل فيليب مارتينيز، والصحفية والمخرجة رقية ديالو، والمحامية أرييه عليمي، والصحفية عايدة الطويهري، والمؤرخة والأستاذة الجامعية إستير بنباسا، وذلك في العاشر من نوفمبر الجاري في باريس.

تقول الدعوة، ” أوقفوا التمييز ضد النساء اللاتي ترتدين الحجاب، ويتم استبعادهن بشكل تدريجي من جميع مجالات المجتمع، ندعو جميع المنظمات والجمعيات  للانضمام الينا”، وأفادت الدعوة أن، “الأمر يتعلق بوحدتنا وتقبلنا للجميع، وضد العنصرية بكل أشكالها التي تهدد فرنسا اليوم مرة أخرى”.

يذكر أنه في 27 أكتوبر المنصرم، تجمع مئات الأشخاص في باريس للتنديد بـ “رهاب الإسلام” و “وصم المسلمين” من قبل السياسيين ووسائل الإعلام الفرنسية، إذ يقوم الإعلام بدور كبير في زيادة مشاعر الفوبيا من الإسلام بتضخيم الأحداث وتكبير الأمور واستقاء المعلومات من مصادر غير حيادية.

الإعلام يغذي “الإسلاموفوبيا”

تجدر الإشارة إلى أن مضمون التغطيات الإخبارية ولغة التقارير الإعلامية تميل غالبًا إلى التركيز على الأمور التي تطبع مفاهيم سلبية عن الإسلام، مثل الصراع في الشرق الأوسط، والقضايا المرتبطة بالإرهاب والتطرف، ويسهم كل هذا في تكوين الآراء السلبية عن الإسلام والمسلمين في العالم الغربي، وهو ما يقود إلى الخوف المرضي من الإسلام أو “الإسلاموفوبيا”.

يقول المحللون أنه عندما يعجز بعض السياسيين عن إيجاد حلول لبعض مشاكل بلادهم كمشكلة البطالة أو بعض الاخفاقات السياسية والاقتصادية أو هواجس المجتمع من المستقبل فإنهم يبحثون عن كبش فداء، لإلهاء الجماهير والتغطية على إخفاقهم، فيوجهون سهامهم باتجاه المسلمين بتحميلهم مسؤولية المشاكل التي تتخبط فيها بلادهم وللأسف هذا النوع من الخطاب يجد صدى لدى بعض الجماهير المخدوعة، مما ينجم عنه انشغال الإعلام كله بالقضية المفتعلة وزيادة جرعة “الإسلاموفوبيا” وربما يؤدي ذلك لأعمال عنصرية ضد المسلمين.

لإزاحة هذا الضباب وإذابة جبال الجليد بين المجتمعات في مناخ من التفاهم والتعايش ويبتعد عن الاحتقان والتربص والتصادم، لابد من استثمار وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال الحديثة في معالجة ظاهرة الخوف من الإسلام، وتصحيح المفاهيم الخاطئة من خلال تعزيز وتفعيل سبل الحوار الحضاري مع الغرب.