خان يعلن أوامر الاعتقال

عندما تولى كريم خان رئاسة مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في يونيو/حزيران 2021، ورث التحقيق الذي قررت فاتو بنسودا فتحه فيما يتعلق بجرائم الحرب المرتكبة على الأراضي الفلسطينية

وعندما تولى منصبه، تنافست تحقيقات أخرى – بما في ذلك الأحداث في الفلبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان وبنجلاديش – على جذب انتباهه، وفي مارس/آذار 2022، بعد أيام من شن روسيا غزوها لأوكرانيا، فتح تحقيقًا رفيع المستوى جرائم حرب ارتكبتها روسيا ضد الأوكرانيين.

قالت مصادر مطلعة على القضية إن فريق المدعي العام لم يعامل التحقيق الفلسطيني الحساس سياسيا كأولوية في البداية، وقال أحدهم إن التحقيق كان “على الرف” – لكن مكتب خان كان يصر على رفض هذه الاتهامات، ويقول إنه أنشأ فريق تحقيق مخصصًا للمضي قدمًا في التحقيق.

وفي إسرائيل، اعتبر كبار محامي الحكومة كريم خان – الذي دافع في السابق عن أمراء الحرب مثل الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور – مدعيا عاما أكثر حذرا من بنسودا، وقال مسؤول إسرائيلي كبير سابق إن هناك “الكثير من الاحترام” لخان، على عكس سلفه، وقالوا إن تعيينه في المحكمة اعتبر “سببا للتفاؤل”، لكنهم أضافوا أن هجوم 7 أكتوبر “غير هذا الواقع”، والذي تبعه عدوان إسرائيلي على قطاع غزة بأكمله خلف حتى الآن أكثر من 35 ألف قتيل من المدنيين، ودفع القطاع إلى حافة المجاعة بسبب عرقلة إسرائيل للمساعدات الإنسانية.

وبحلول نهاية الأسبوع الثالث من القصف الإسرائيلي على غزة، كان خان على الأرض عند معبر رفح الحدودي، وقام بعد ذلك بزيارات إلى الضفة الغربية وجنوب إسرائيل، حيث دُعي للقاء الناجين من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر وأقارب الأشخاص الذين قُتلوا من الجانب الإسرائيلي.

وفي فبراير/شباط 2024، أصدر خان بيانًا شديد اللهجة فسره المستشارون القانونيون لنتنياهو على أنه علامة مشؤومة، وفي منشوره على موقع  X، حذر في الواقع إسرائيل من شن هجوم على مدينة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، حيث كان يأوي أكثر من مليون نازح في ذلك الوقت.

وكتب: “إنني أشعر بقلق عميق إزاء القصف المزعوم والتوغل البري المحتمل للقوات الإسرائيلية في رفح… أولئك الذين لا يلتزمون بالقانون يجب ألا يشتكوا لاحقًا عندما يتخذ مكتبي الإجراءات اللازمة”.

وأثارت هذه التصريحات قلقا داخل الحكومة الإسرائيلية حيث بدت وكأنها تحيد عن تصريحاته السابقة بشأن الحرب والتي اعتبرها المسؤولون حذرة بشكل مطمئن، وقال مسؤول كبير: “تلك التغريدة فاجأتنا كثيراً”.

وتصاعدت المخاوف في إسرائيل بشأن نوايا كريم خان الشهر الماضي عندما أطلعت الحكومة وسائل الإعلام على أنها تعتقد أن المدعي العام يفكر في إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين مثل يوآف غالانت.

من جانبها، قامت المخابرات الإسرائيلية باختراق رسائل بريد إلكتروني ومرفقات ورسائل نصية من خان ومسؤولين آخرين في مكتبه، وقال مصدر استخباراتي: “إن موضوع المحكمة الجنائية الدولية تسلق سلم أولويات المخابرات الإسرائيلية”.

ومن خلال الاتصالات التي تم التجسس عليها، أثبتت إسرائيل أن خان كان يفكر في مرحلة ما في دخول غزة عبر مصر ويريد مساعدة عاجلة للقيام بذلك “دون إذن إسرائيل”.

تقييم استخباراتي إسرائيلي آخر، تم تداوله على نطاق واسع في مجتمع الاستخبارات، استند إلى مراقبة مكالمة بين اثنين من السياسيين الفلسطينيين، وقال أحدهما إن خان أشار إلى أن طلب إصدار أوامر اعتقال بحق زعماء إسرائيليين قد يكون وشيكاً، لكنه حذر من أنه “يتعرض لضغوط هائلة من الولايات المتحدة”.

في هذا السياق، أدلى نتنياهو بسلسلة من التصريحات العامة التي حذر فيها من أن طلب إصدار أوامر اعتقال قد يكون وشيكًا، ودعا “قادة العالم الحر إلى الوقوف بحزم ضد المحكمة الجنائية الدولية” و”استخدام كل الوسائل المتاحة لهم لوقف هذه الخطوة الخطيرة”، وأضاف: “إن وصف قادة وجنود إسرائيل بمجرمي الحرب سيصب وقود الطائرات على نيران معاداة السامية”

وفي واشنطن، بعثت مجموعة من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الأميركيين بالفعل برسالة تهديد إلى خان مع تحذير واضح: “استهدف إسرائيل وسوف نستهدفك”.

وفي الوقت نفسه، عززت المحكمة الجنائية الدولية أمنها من خلال عمليات تفتيش منتظمة لمكاتب المدعي العام، وعمليات فحص أمني للأجهزة، ومناطق خالية من الهواتف، وتقييمات أسبوعية للتهديدات، وإدخال معدات متخصصة. وقال متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية إن مكتب خان تعرض “لعدة أشكال من التهديدات والاتصالات التي يمكن اعتبارها محاولات للتأثير بشكل غير مبرر على أنشطته”.

وكشف خان مؤخراً في مقابلة مع شبكة CNN أن بعض القادة المنتخبين كانوا “صارمين للغاية” معه بينما كان يستعد لإصدار مذكرات اعتقال: “هذه المحكمة بنيت من أجل أفريقيا ومن أجل البلطجية مثل بوتين، هذا ما قاله لي أحد كبار القادة”.

وعلى الرغم من الضغوط، اختار خان، مثل سلفه في مكتب المدعي العام، المضي قدمًا، وفي وقت سابق من الشهر الماضي، أعلن خان أنه يسعى لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى جانب ثلاثة من قادة حماس بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقال إن رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين متهمان بالمسؤولية عن الإبادة والمجاعة وحرمان إمدادات الإغاثة الإنسانية والاستهداف المتعمد للمدنيين.

وقال خان، وهو يقف على المنصة وبجانبه اثنان من كبار المدعين العامين – أحدهما أمريكي والآخر بريطاني – إنه طلب من إسرائيل مرارا وتكرارا اتخاذ إجراءات عاجلة للامتثال للقانون الإنساني، حيث قال “لقد أكدت على وجه التحديد أن التجويع كوسيلة من وسائل الحرب والحرمان من الإغاثة الإنسانية يشكلان جرائم بموجب قانون روما… لا يمكنني أن أكون أكثر وضوحًا… كما أكدت مرارًا وتكرارًا في تصريحاتي العامة، لا ينبغي لأولئك الذين لا يلتزمون بالقانون أن يشتكوا لاحقًا عندما يتخذ مكتبي إجراءً… لقد حان وقت اتحاذ الإجراءات اللازمة اليوم.”

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا