بمرور الأيام تتكشف تفاصيل جديدة عن العملية الأسطورية التي قام بها ستة أسرى فلسطينيون، حين حرروا أنفسهم من أحد أعتى سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأشدها حراسة، وهو سجن جلبوع. حيث حفروا نفقًا من داخل زنزانتهم إلى خارج السجن باستخدام أدوات بدائية للغاية، كالملاعق وأدوات الطهي.

وبالتأكيد، فإن الرواية لم تكتمل بعد، وربما لن تكتمل إلا بعد أن يتحدث المعتقلون الستة بشكل مباشر في الإعلام، وهو ما يتعذر الوصول إليه الآن، نظرًا للإجراءات الأمنية المشددة، بل والتعذيب التي يتعرض له الأسرى بعد إعادة أسر 4 منهم، وهم محمود العارضة، ومحمد العارضة، وزكريا الزبيدي، ويعقوب قادري، بينما لا يزال كل من أيهم كممجي ويعقوب نفيعات مطاردين حتى الآن.

فعلى سبيل المثال، اشترطت مخابرات الاحتلال الإسرائيلي أن يترافع محام واحد عن كل أسير، ومنعت المحامي الواحد أن يترافع عن أكثر من أسير، بزعم خشية الأجهزة الأمنية الصهيونية من قيام المحامي بنقل الرسائل وتنسيق المواقف والإفادات بين الأسرى الأربعة، في وقت ما زالت هي تحاول انتزاع أصح المعلومات عن العملية من كل أسير منهم على حدة، باستخدام أدوات التعذيب.

ورغم صعوبة معرفة التفاصيل الدقيقة بشكل موثوق للظروف السابق ذكرها، فقد أتيحت الفرصة مؤخرًا لمعرفة بعض المعلومات التي قد تشكل النواة الرئيسية للرواية الفلسطينية عن ملحمة “نفق الحرية”، بعد زيارة بعض المحامين للأسرى الأربعة. لكن ما يجعل المعلومات الواردة على لسان الأسرى ليست أقوالهم النهائية التي تشكل كامل الرواية هو أن زيارة المحامين للأسرى وحديثهم معًا لم يكن حرًا بشكل كامل، بل كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تسمع كل ما يقال، لأن التواصل كان عبر هاتف بين الطرفين، وإن كانوا يجلسون أمام بعضهم البعض.

 

مهندس العملية يروي تفاصيلها

وبعد تواصل المحامين مع الأسرى، أصدرت هيئة “شؤون الأسرى والمحررين” بيانًا قالت إن محاميها، رسلان محاجنة، زار بعد منتصف الليلة الماضية (ليلة الأربعاء) الأسير محمود العارضة، الذي يصفه البعض بمهندس النفق. ووفق نقل المحامي، فإن العارضة قد كشف أنه بدأ مع رفاقه في حفر النفق في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي (2020)، مما يعني أن العملية استغرقت نحو 9 أشهر على الأقل. ونقل محاجنة في البيان عن العارضة قوله “لم يكن هناك مساعدة من أسرى آخرين داخل السجن، وأنا المسؤول الأول عن التخطيط والتنفيذ لهذه العملية”.

وأضاف العارضة: “كان لدينا خلال عملية الهرب راديو صغير وكنا نتابع ما يحصل في الخارج”. واستعرض العارضة مراحل عملية الهروب قائلًا “حاولنا قدر الإمكان عدم الدخول للقرى الفلسطينية في مناطق 48 (المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل) حتى لا نعرض أي شخص لمسائلة”.

وتابع: “كنا الأسرى الستة مع بعضنا حتى وصلنا قرية الناعورة (في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة) ودخلنا المسجد، ومن هناك تفرقنا كل اثنين… حاولنا الدخول لمناطق الضفة ولكن كانت هناك تعزيزات وتشديدات أمنية كبيرة”. وأردف: “تم اعتقالنا (مع زميله يعقوب قادري) صدفة ولم يبلغ عنا أي شخص من الناصرة، حيث مرت دورية شرطة وعندما رأتنا توقفت وتم الاعتقال”.

وقال العارضة: “أطمئن والدتي عن صحتي، ومعنوياتي عالية، وأوجه التحية لأختي في غزة”، واصفًا ما حدث بأنه “إنجاز كبير”.

 

اعتقال بالصدفة!

من جانبه، زار المحامي، خالد محاجنة، بعد منتصف الليلة الماضية الأسير، محمد العارضة. وقال محمد العارضة: إنه “تعرض للضرب والتعذيب ولم يسمح له منذ الاعتقال بالنوم سوى 10 ساعات، كما أكد أنه حُرم من الطعام، وأن الاحتلال يحتجزه حاليًا داخل زنزانة صغيرة تخضع لمراقبة كبيرة”.

ونقل المحامي عن العارضة، البالغ من العمر 39 عامًا، والمعتقل منذ 2002 والمحكوم عليه بالمؤبد أن عملية اعتقاله مع زميله زكريا الزبيدي “تمت بالصدفة”، موضحًا أنه “عندما اقترب بحث قوات الاحتلال من الانتهاء في مكان احتماء محمد العارضة وزكريا الزبيدي، تم العثور عليهما بالصدفة عندما مد أحد عناصر الاحتلال يديه وأمسك بمحمد”.

ورغم التعذيب والتنكيل فإن الأسير محمد عارضة لديه معنويات عالية، كما نقل محاميه الذي قال: “يتمتع بمعنويات عالية، خاصة عندما علم الأسرى بالدعم والإسناد الشعبي الذي يحصلون عليه، وكيف وحدت عملية الهروب من جلبوع الشعب الفلسطيني، وأعادت الحياة للحركة الأسيرة”. وأشار إلى أن محمد يعيش نشوة الانتصار وهو على قناعة بأنه سينتزع حريته يوما ما.

 

تعذيب الأسير زكريا الزبيدي

بدوره، زار المحامي أفيغدور فيلدمان، الأسير زكريا الزبيدي بمعتقل الجلمة، وفق بيان هيئة شؤون الأسرى والمحررين. وأضافت الهيئة في بيانها أنه “تبين أن الأسير الزبيدي تعرض للضرب والتنكيل خلال عملية اعتقاله مع الأسير محمد العارضة، ما أدى الى إصابته بكسر في الفك وكسرين في الأضلاع”، و”تم نقله الى أحد المشافي الإسرائيلية وأعطي المسكنات فقط بعد الاعتقال”.

ونقل المحامي عن الزبيدي قوله “إنهم وعلى مدار الأيام الأربعة التي تحرروا فيها لم يطلبوا المساعدة من أحد، حرصا على أهلنا بالداخل المحتل من أي تبعات أو عقوبات إسرائيلية بحقهم”. وتابع قائلًا: “لم يتناولوا الماء طوال فترة تحررهم، وكانوا يأكلون ما يجدون من ثمار في البساتين كالصبر والتين وغيره”.

وكما أسلفنا، فمن الصعب التوصل لتفاصيل حقيقية العملية بشكل كامل، سواء التخطيط، والتنفيذ، والمطاردة، وتفاصيل إعادة إلقاء القبض على الأسرى الذين انتزعوا حريتهم لبضعة أيام. وفي انتظار خروج الأسرى من مراكز التحقيق، وبدء زيارات الأهالي والمحامين بشكل اعتيادي لمعرفة تفاصيل أكثر، أو بتحرر الأسرى من سجون الاحتلال بشكل كامل. الأمر الذي ربما يكون محتملًا بشكل أكبر مع إعلان كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن صفقة تبادل أسرى قادمة لن تتم إلا أن يكون هؤلاء الأسرى على رأسها.