العدسة – فتحي عباس

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، الجدول الزمني الكامل لانتخابات الرئاسية 2018، قبل يومين، ليحمل الجدول -عند التدقيق فيه- علامات استفهام كثيرة.

ولكن في النهاية، فإن الجدول يقول إن الانتخابات المقبلة لن تكون سوى “استفتاء” على السيسي، وذلك لعدة اعتبارات سيتم التطرق إليها بالتفصيل.

ويعتزم السيسي خوض سباق الانتخابات لفترة رئاسية ثانية، على الرغم من عدم إعلان هذه الخطوة بشكل رسمي، إلا أن كل المؤشرات تدفع بهذا الاتجاه.

وفي حين أن الجميع ينتظر الانتخابات الرئاسية ومنافسة حقيقية على كرسي الحكم، إلا أن كل الإجراءات التي اتخذها النظام المصري الحالي _وكما كان متوقعا_ تدفع بعكس ذلك تماما.

تسريع الإجراءات

الملاحظة الأساسية في الجدول الزمني التفصيلي لانتخابات الرئاسة، هي أن ثمةتسريعا” في مفهوم في الإجراءات، وكأن هناك نية مبيتة لإغلاق هذه الصفحة سريعا.

ولم يكن يتوقع أحد فتح باب الترشح يوم 20 يناير الجاري، أي بعد 12 يوما فقط من إعلان الهيئة الوطنية جدول الانتخابات، وهنا فإن الأزمة تكمن في عدم قدرة كل المشرحين المحتملين، في جمع التوكيلات اللازمة الشعبية للترشح، والمقدرة بـ 25 ألف توكيل.

كما أن فترة الدعاية الانتخابية لا تعتبر كافية ومناسبة لانتخابات الرئاسة المصرية، إذ إن الجدول تضمن أن تبدأ في 24 فبراير المقبل وحتى 23 مارس المقبل، بنحو 28 يوما.

ولكن فعليا فإنه بحساب فترات الصمت الانتخابي قبل عملية الاقتراع بيومين، و3 أيام للتصويت، سواء في الداخل أو الخارج، أي اقتطاع فترة 10 أيام كاملة من مدة الـ 28 يوما.

وفي كل الأحوال فإن الجولة من الانتخابات تنتهي رسميا في 2 أبريل بإعلان النتيجة، هذا في حال إذا لم تكن هناك جولة إعادة.

ويظهر جدول الانتخابات أن المرشح الأكثر حظا في الحصول على كل الدعم سواء التوكيلات الشعبية أومن مجلس النواب لن تكون عائقا أمامه، وبالطبع لا يحتاج إلى دعاية انتخابية، لأنه فعليا بالسلطة.

ولكن عند مقارنة السيسي بأي مرشح آخر، فإن بعض المراقبين يعتبرون الجدول ظالما لأي مرشح لعرض برنامجه على الناخبين والشعب المصري، لعدم وجود فرصة كافية لعرض أفكاره، هذا بغض النظر عن حالة الغضب الشعبي من الرئيس الحالي.

ودافع زعيم الأغلبية في مجلس النواب محمد السويدي، عن إجراءات الانتخابات الرئاسية والجدول الزمني الخاص بها، وقال: “إن شروط المشاركة فى الانتخابات الرئاسية المصرية سهلة وليست معقدة”.

وأضاف “السويدي”: “اللي عايز ينزل انتخابات الرئاسة، سهل إنه يجيب 25 ألف توكيل وما زال سهل يجيب 20 نائب يزكوه”.

وحول جمع التوكيلات الشعبية، استطرد قائلا: “المرشح نازل انتخابات رئاسة جمهورية مش رئاسة نادي، ولو نازل رئاسة نادي ممكن يجيبهم”.

نية مبيتة

ربما لم يكن جدول الانتخابات الرئاسية الذي أعلنته الهيئة الوطنية، خفيا على أركان النظام الحالي ورجاله في كل الجهات السيادية، ومجلس النواب.

وهذا يظهر تماما من خلال التجهيز لجمع استمارات عدد كبير من النواب في اليوم التالي لإعلان جدول الانتخابات، حتى وصلت الاستمارات لتزكية السيسي للترشح في الانتخابات إلى 400 استمارة.

هذا العدد الكبير من الاستمارات لتزكية السيسي كان متوقعا، ولكن ليس بهذه السرعة، وكأن ثمة ترتيبات مسبقة للتجهيز لهذا الأمر، وهو ما ظهر بشكل واضح من خلال الاستعدادات التي قامت بها الأمانة العامة لمجلس النواب.

الغريب أن بعض النواب الذين يؤيدون السيسي ووقعوا على استمارات تزكية السيسي، فتحوا أبواب مقراتهم لاستقبال التوكيلات الشعبية، وهنا فإن هذه الخطوة لا يمكن تفسيرها إلا في إطار محاولة إظهار وجود شعبية للرئيس الحالي.

و20 استمارة فقط من أعضاء مجلس النواب كفيلة بترشح السيسي، فما الداعي للدفع لاستقبال التوكيلات الشعبية؟.

ويمكن القول -وبناء على تحركات النظام الحالي قبل بضع أشهر، وتحديدا مع انطلاق حملة “علشان تبنيها”، التي تأخذ طابعا شبه رسمي، والتي تشير بعض التقديرات إلى أنها مدعومة من أجهزة الدولة وتحظى بتمويل رجال أعمال مقربين من النظام الحالي – إن السيسي يخشى من تأثير تراجع شعبيته على ضعف الإقبال وعدم وجود زخم حول ترشحه.

هذه الأجواء وغيرها مما يدور في كواليس النظام الحالي من محاولة تليمع السيسي، والحديث عن إنجازات – بحسب تعبير وسائل إعلام موالية للنظام الحالي- تشي بتراجع أي مرشح يمكن أن ينافس السيسي بشكل حقيقي.

وأعلن تكتل (25 – 30) – المحسوب على المعارضة البرلمانية – عدم حسم موقفه من الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال النائب أحمد الشرقاوي، المتحدث باسم التكتل، إنه لم يتقرر حتى الآن دعم أي مرشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وأضاف “الشرقاوي” أن التكتل يعقد اجتماعا خلال أيام، لحسم موقفه من السباق الرئاسي، بعد إعلان الموقف النهائي لكل المرشحين المحتملين.

هذه التصريحات اعتبرها مراقبون، ربما تمثل رغبة من التكتل في الانسحاب من المشهد الانتخابي، في ظل ترتيبات أجهزة الدولة الانتخابات لصالح السيسي.

ويتصاعد في أوساط الشباب والأحزاب المعارضة، مقاطعة الانتخابات الرئاسية بشكل كبير، بل والدعوة لمقاطعتها، نظرا لغياب المنافسة الحقيقة.

لا منافس

ولا يمكن فصل النية المبيتة للنظام الحالي لترتيب الأوضاع الخاصة بالانتخابات لصالح السيسي، عن إعلان رئيس وزراء مصر الأسبق أحمد شفيق، تراجعه عن نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية.

وأقدم “شفيق”- الذي أعلن خلال تواجده في الإمارات عن عزمه عدم التراجع عن قرار ترشحه مهما كانت الضغوط في شريط مصور، ولكن ظهرت مؤشرات عديدة حول تراجعه عن الترشح،- وأعلن قبل إعلان جدول الانتخابات بساعات، تراجعه رسميا عن الترشح في الانتخابات الرئاسية، وقال “شفيق” في بيانه: “بالمتابعة للواقع، فقد رأيت أنني لن أكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة، ولذلك قررت عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة”.

كما أن موقف المحامي الحقوقي خالد علي، الذي أعلن نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية، بات معلقا بشكل كبير، وربما لن يتمكن من الترشح، خاصة وأنه لم يتم الفصل في الاستئناف الذي قدمه على حكم حبسه 3 أشهر بتهمة ارتكاب “فعل فاضح”، بعد تأجيل نظر القضية إلى 7 مارس المقبل.

وتعد القضية المتهم فيها علي من الجرائم المخلة بالشرف، التي تمنع من الترشح في أي انتخابات: وبالتالي، فإنه لن يتمكن من الترشح، خاصة وأن إعلاء أسماء المرشحين في القائمة النهائية للانتخابات ستكون 24 فبراير المقبل، أي قبل نحو أسبوعين من الفصل في استئنافه.

ويعد “شفيق” و”علي” المرشحين المحتملين الأبرزين، قبل إعلان جدول الانتخابات وتراجع الأول عن ترشحه، في انتظار من سيكون المرشح “المحلل” للانتخابات؛ حتى لا يصبح الأمر وكأنه استفتاء بشكل رسمي.