مواجهة الإرهاب والتطرف سيمفونية كلاسيكية يعزف عليها كثير من الحكام والملوك، ليقنعوا بها شعوبهم كرها أو طوعا، بضرورة بقائهم في الحكم، خوفا من استفحال خطر الإرهاب الداهم على البلاد والعباد.

وبطريقة “عاوز تفويض وأمر” نجح عبد الفتاح السيسي في مصر، قبل 4 أعوام، في استغلال تلك السيمفونية، حين وقف مخاطبا المصريين ومحذرا لهم من خطورة الإرهاب المحتمل، ومطالبا إياهم بإعطائه تفويضا وأمرا مباشرا للتصدي لهذا الإرهاب، ليتمكن الرجل من خلال هذا التفويض من سحق معارضيه والسيطرة على الحكم بانتخابات أشبه بالاستفتاء.

وبالطريقة نفسها، نجح ملك البحرين “حمد بن عيسى” قبل عدة أعوام في الإفلات من مقصلة الربيع العربي التي أطاحت بعدد من الحكام، حيث استغل ملك البحرين “الخطر القادم من إيران” لتوطيد أركانه في السلطة، والاستمرار على سدة الحكم، كما نجح بشار الأسد حتى الآن في الاستمرار بالسلطة رغم مجازره التي لاتنتهي في حق الشعب السوري.

وعلى ما يبدو فإن “محمد بن سلمان”الأمير الطامع في ملك أبيه، قرر أن تكون طريقة “الحرب الإرهاب” هي طريقته التي يتمكن بها محليا من السيطرة على كرسي الحكم، ويقنع بها أبناء عمومته من الأسرة الحاكمة، بأهمية بقائه في سدة الملك، كما يقنع شعبه بضرورة مبايعته ملكا للبلاد خلفا لأبيه الطاعن في السن.

مؤشرات عدة، شهدتها المملكة على مدار الأشهر الأخيرة تشير إلى أن “بن سلمان” قرر العزف على السيمفونية ذاتها “محاربة الإرهاب المحتمل” الأمر الذي لايستبعد معه أن يخرج بن سلمان عما قريب بخطاب يطالب فيه السعوديين بإعطائه “تفويضا وأمرا” لمحاربة الإرهاب المحتمل.

تمهيد بالإعلان

منذ عام وأكثر لا تتوقف الأجهزة الأمنية في السعودية عن إذاعة بيانات مختلفة تعلن من خلالها القبض على خلايا إرهابية كانت تخطط لاستهداف المملكة، واستهداف منشآتها، ولا مانع من إضافة الطابع الديني في البيانات عن مخططات لاستهداف مكة أو المدنية بهدف استجلاب عطف المواطنين، وإخافتهم في نفس الوقت.

وخلال عام 2016 فقط أعلنت الأجهزة الأمنية عن إفشال ما يزيد على 30 عملية إرهابية بواقع عملية كل 12 يوماً، وهو الأمر الذي يتكرر في عام 2017، حيث تتواصل البيانات المعلنة عن إفشال تلك العمليات.

“تنظيم داعش، وعملاء لإيران، وحوثيون، وأجانب، ومواطنون سعوديون” غالبا مايكونون هم أعضاء تلك الخلايا، التي غالبا مايتم إحالتها للمحكمة الجزائية المختصة بقضايا الإرهاب والإخلال بالأمن العام، ثم لايعرف أحد بعد ذلك مصير هؤلاء المحاكمين.

ووفقا لبيانات أمنية فقد بلغ إجمالي الموقوفين لاتهامهم بالتورط في قضايا الإرهاب وأمن الدولة في سجون السعودية حتى الآن نحو 5240 موقوفا، قالت الأجهزة الأمنيةإن 132 متهما منهم تم القبض عليهم خلال الشهر الماضي منهم 19 أجنبيا، والبقية سعوديون.

وفي الخامس من أكتوبر أعلنت رئاسة أمن الدولة في السعودية في بيان لها، عن تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم داعش في الرياض في عملية استباقية، لتنضم إلى عشرات القضايا المماثلة التي تعلن السعودية عن ضبطها.

تكرار لمشهد «سيناء» في العوامية

وفي الوقت الذي تعلن فيه الأجهزة الأمنية عن إحباط مخططات إرهابية مختلفة بمناطق المملكة، تعلن الأجهزة ذاتها عن انتصارات أمنية كبرى على الإرهابيين بمدينة العوامية التابعة لمحافظة القطيف في المنطقة الشرقية السعودية.

وبطريقة أشبه بـ “حرب” الجيش المصري على المسلحين في سيناء، تفرض الأجهزة الأمنية نوعا من الغموض على ما يجري في العوامية، فلا بيانات تخرج إلا البيانات الرسمية، ولا حديث عن أعداد القتلى والمصابين إلا ماتعلن عنه الجهات الرسمية.

وتعيش العوامية التي يشكل الشيعة السعوديون فيها نسبة ليست بالقليلة، أوضاعا مأساوية صعبة تتمثل في قطع للكهرباء وتراجع في مستوى الخدمات وتهجير ونزوح بسبب تصاعد الاشتباكات بين قوات الأمن والعناصر المسلحة.

ما يحدث في العوامية، ربما يقوي أيضا موقف “بن سلمان” عند استحضاره الحديث عن الإرهاب المتنامي، سواء في خطابه الخاص للسعوديين، أو في خطاباته الخاصة بين أفراد الأسرة الحاكمة، خاصة في ظل أحاديث متباينة عن معارضة داخل الأسرة الحاكمة لتوليه الملك بعد أبيه، دون أبناء عمومته الآخرين، وأيضا في خطاباته الخارجية لتبرير ما يقوم به نظامه من قمع واعتقالات ترصدها المنظمات الحقوقية..

وكان تنفيذ السلطات السعودية حكم الإعدام بحق المعارض السعودي الشيعي، نمر باقر النمر و46 آخرين قد آثار موجة استنكار واضطرابات في منطقة القطيف السعودية مسقط رأس النمر، ما أسفر عن موجة من الاضطرابات بين الأمن وأنصار النمر من الشيعة والمعارضين، تسببت في حملة من الاعتقالات بين صفوف المتظاهرين والمحتجين.

تحذيرات أمريكية لرعاياها

مايلفت النظر في أحاديث الإرهاب السعودية، هو دخول الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة أو بأخرى كداعم رئيسي لمحمد بن سلمان في حربه المزعومة على الإرهاب.

وقبل أيام قليلة أصدرت السفارة الأمريكية بالسعودية بيانا قالت فيه إنه “بسبب احتمال قيام الشرطة بعملية أمنية ينصح الرعايا الأمريكيون بتوخي الحذر حين سفرهم إلى المنطقة المعنية”، وذلك بعد ورود تقارير غير مؤكدة عن وقوع هجوم بمحيط قصر السلام في مدينة جدة.

البيان الأمريكي، يدعم فكرة تصدي السلطات السعودية وبقوة للإرهاب المنتشر على أراضيها، كما أنه يعزز فكرة المخاوف لدى عموم الشعب السعودي والأسرة الحاكمة من أن تصبح البلاد نموذجا من نماذج الدول التي يحذر الغرب رعاياهم من القدوم إليها.

خطاب التفويض المنتظر

لاشك أن كل ما سبق يؤكد أن جهات ما في السعودية تعمل على خلق روح عامة تقول بأن الدولة تتصدى للإرهاب والعنف، فضلا عن أحاديث الحرب المستمرة في اليمن، والتي يقدم فيها بن سلمان نفسه للسعوديين كحامي الحمى من الغزو الإيراني عبر الحدود الجنوبية الملاصقة لليمن.

فحرب الحوثيين والتي فشل بن سلمان أن يحسمها بشكل واضح لصالحه، لا ينبغي أن تكون هي الحرب الوحيدة التي يخوضها الرجل، لأن الحرب على الإرهاب في الداخل بالنسبة لأي حاكم أشد وأقوى من حرب العدو الخارجي، وغالبا ماتسمح للحاكم أن يبسط يده كما يشاء على مقاليد السلطة والحكم.

ولأن أحاديث مختلفة تدور في المملكة عن صراع خفي بين أبناء العمومة في أسرة آل سعود، على من يخلف “سلمان” خصوصا بعدما تمت الإطاحة بمحمد بن نايف من ولاية العهد، فكان لابد من ظهور خطر داهم يرغم الجميع على الصمت، ويفرض عليهم الانصياع لمن بيده مقاليد السلطة، وإلا انفرط عقد الملك، وربما تبدلت الأمور في المملكة، واندلعت موجات احتجاجية تطيح بجميع العائلة المالكة.

لذلك يتوقع مراقبون أن تشهد الأيام المقبلة مزيدا من التصعيد الإعلامي لمسألة الحرب على الإرهاب في السعودية، كما يتوقع أن تشهد أيضا مزيدا من العمليات الإرهابية أو القبض على أفراد تتهمهم السلطة بالضلوع والاشتراك في خلايا إرهابية تهدد أمن البلاد، ولا مانع من أن يلقي بن سلمان خطابا يعلن ويؤكد فيه عن خطة مكثفة للمملكة ستعمل من خلالها على القضاء على بذور الإرهاب من وجهة نظره.