“دعوهم يُقتلون في صمت”.. ربما كان هذا شعار العالم، وفي القلب منه العالم الإسلامي، في موقفه تجاه ما يتعرض له المسلمون في أفريقيا الوسطى من مذابح على أيدي الميليشيات الإرهابية المسيحية.

أحدث تلك المذابح كان الجمعة 13 أكتوبر الجاري، عندما قتل مسلحو ميليشيا “أنتي بالاكا” المسيحية 25 مسلمًا على الأقل داخل مسجد في بلدة كيمبي، في جنوب وسط جمهورية أفريقيا الوسطى.

ردود الأفعال كانت مخيبة لآمال الجميع، واقتصرت على بيان يتيم لمنظمة المؤتمر الإسلامي أدان الحادث.

ميليشيات الإرهابية المسيحية

اللافت في البيان، الذي أدان أيضًا تفجيرًا وقع في العاصمة الصومالية مقديشو، أنه وصف التفجير بالإرهابي، بينما امتنع عن وصف الجريمة المسيحية بحق المسلمين في أفريقيا الوسطى بالإرهابية.

المنظمة وصفت التفجيرات بأنها “إرهابية غادرة”، لكنها على استحياء وصفت هجوم الميليشيات المسيحية بأنه “عمل إجرامي”.

هذا الوصف انسحب على الغالبية العظمى من المواقع الإخبارية العربية، التي خلت صفحاتها من تغطية الجريمة الإرهابية التي تأتي كحلقة من سلسلة اعتداءات وحشية يتعرض لها المسلمون هناك من عدة أعوام.

وفي أغسطس الماضي، أعلن مسؤول أممي رفيع، أن الاشتباكات المتجددة في جمهورية أفريقيا الوسطى تحمل إشارات تحذير مبكرة لإمكانية حصول إبادة جماعية، مطالباً بتعزيز قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هذا البلد الأفريقي الفقير.

وقال ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، إن ما يقرب من 180 ألف شخص أجبروا على ترك منازلهم هذا العام، ما يجعل العدد الإجمالي للنازحين في أفريقيا الوسطى يصل إلى أكثر من مليون.

وأكد أنه “علينا أن نتحرك الآن، لا أن نخفف جهود الأمم المتحدة، وأن نصلي كي لا نندم على ذلك في حياتنا”، وقال إنه حان الوقت للسماح بزيادة أفراد قوة الأمم المتحدة في أفريقيا الوسطى “مينوسكا” لتتمكن من “تنفيذ مهمتها”.

وأضاف أوبراين أنه أصيب بالهلع خلال زيارته إلى كنيسة كاثوليكية في بلدة بانغاسو الجنوبية، حيث لجأ ألفا مسلم، يحيط بهم مقاتلو “الآنتي-بالاكا” الذين يهددون بقتلهم.

 

اعتداءات وحشية على المسلمين العزل

ما الحكاية؟

تقع جمهورية أفريقيا الوسطى في قلب القارة الأفريقية،، تحدها السودان من الشمال الشرقي، وجنوب السودان من الشرق وتشاد من الشمال، وزائير (الكونغو الديمقراطية) والكونغو من الجنوب، والكاميرون من الغرب.

تبلغ مساحتها 622.984 كيلو مترا مربعا، وتغطي الغابات المدارية الأجزاء الجنوبية، وحشائش السافانا الأجزاء الشمالية، وتتكثف الغابات على طول مجاري الأنهار.

أفريقيا الوسطى دولة حبيسة، لا تطل على أي بحار أو محيطات ولا تمتلك أي موانئ، تعتمد في اقتصادها على الزراعة، فتنتج القطن والبن والكاكاو، وهي غنية بالثروة الخشبية، واكتشف فيها الماس في الجنوب الغربي قرب بربراتي وفي الشمال الشرقي قرب بيراو.

ورغم ما تتمتع به أفريقيا الوسطى من موارد اقتصادية غنية جدا، واحتياطات من الماس والذهب، إلا أنها تعد من أفقر الدول.

خريطة أفريقيا الوسطى

هذه الدولة تشهد حربًا منذ عام 2013، بين ميليشيات مسلمة وأخرى مسيحية، بعد أن أطاح تحالف ذو غالبية مسلمة يسمى “سيليكا” بالرئيس فرانسوا بوزيزي.

لكن تدخلاً عسكرياً تقوده فرنسا، المستعمر السابق، عاد وأطاح بتحالف “سيليكا”، وأدت هذه الأحداث إلى اندلاع أعمال عنف طائفية دامية غير مسبوقة، مع سعي الميليشيات المسيحية بشكل رئيسي للانتقام.

وكوّن المسيحيون الذين يشكلون 80% من السكان وحدات سميت “آنتي-بالاكا”، لمواجهة “سيليكا”.

ولدى الأمم المتحدة 12,350 جنديا على الأرض لحماية المدنيين، ولدعم حكومة الرئيس فوستين-اركانج تواديرا، الذي انتخب العام الماضي.

وفي حين تسيطر حكومة تواديرا على العاصمة بانغي، فإن سلطتها ضعيفة خارج العاصمة، حيث خاض تحالف “سيليكا” السابق المعارك مع “الآنتي-بالكا”، حتى حله الرئيس السابق “ميشال دجوتوديا” رسميًا في سبتمبر 2013.

في الشهر نفسه أقدمت القوات الفرنسية بالتعاون مع القوات الأفريقية الموجودة في البلاد على نزع أسلحة أكثر من 7 آلاف من مقاتلي سيليكا، ووضعهم في ثكنات مختلفة في العاصمة، وهو إجراء أغضب المسلمين باعتبار أن هذه القوات كانت تمثل لهم شيئًا من الحماية في مواجهة الميليشيات المسيحية.

 

ميليشيا أنتي بالاكا تقتل المسلمين على الهوية

قمة المذابح التي تعرض لها المسلمون هناك كانت في أوائل عام 2014، في أعقاب الإطاحة بـ”دجوتوديا” أول رئيس مسلم للبلاد.

ومنذ ذلك الحين تتناقل وسائل الإعلام مشاهد بشعة لعمليات ذبح وحرق وأكل لحوم بشر، وغيرها من الجرائم الوحشية التي تُرتكب بحق المسلمين، وسط تواجد قوات الأمم المتحدة والقوات الفرنسية، اللذين نالت كلتيهما اتهامات بالانحياز لصالح الميليشيات المسيحية ضد المسلمين، والوقوف موقف المتفرج من المذابح الجارية هناك.

 

 

هامات تلاحق الأمم المتحدة بالانحياز للميليشيات المسيحية

الإمارات ليست بعيدة!

إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل وجهت تقارير إعلامية الاتهامات إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في دعم الانقلاب على “دجوتوديا”.

التقارير قالت “إن المسؤولين الإماراتيين، أبدوا انزعاجهم لفرنسا من وصول رئيس مسلم إلى سدة الحكم في أفريقيا الوسطى، وأنهم أكدوا استعدادهم لتمويل أي عمليات؛ لإزاحته من الحكم؛ كونه ينتمي لمرجعية أقرب للإسلاميين العرب في شمال القارة”.

وبعد إزاحته، وفق التقارير، واصلت الإمارات دعم الميليشيات المسيحية، التي تعمل تحت غطاء فرنسي؛ لاقتلاع جذور المسلمين في البلاد؛ وهو ما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين العزل.

 

 

محمد بن زايد

كما أشارت التقارير إلى أن دعم الإمارات لفرنسا، لم يتوقف عند الإطاحة بأول رئيس مسلم في أفريقيا الوسطى، بل امتد إلى حرب إبادة ضد الإسلاميين في مالي، ودول الساحل والصحراء.

التقارير أرجعت التورط الإماراتي في هذا الدعم إلى سببين، أولهما: مناهضة محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، والحاكم الفعلي للإمارات، التيارات الإسلامية، والوقوف بقوة أمام أي توجه إسلامي، حتى لا تكون قاعدة خلفية لدول الربيع العربي بأفريقيا.

السبب الثاني، بحسب التقارير، تورط قادة الإمارات في شبكات واسعة لتجارة المخدرات على مستوى العالم، وفي أفريقيا تحديدًا، ووصول الإسلاميين للحكم في تلك المناطق يضر تجارتهم.