رغم وجود معلومات عن محادثات سرية بين السعودية والحوثيين من أجل استكمال الاتفاق الأمني في اليمن وأن المداولات تتحرك بسرعة كبيرة وعبر عدة قنوات، عادت حرب الناقلات النفطية إلى المياه الدولية، لكنها لم تكن في الخليج العربي هذه المرة، فقد امتدت لمياه البحر الأحمر؛ بعد استيلاء الحوثيين على سفينتين سعودية وكورية، مما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول المفاوضات التي تجريها الرياض مع جماعة الحوثيين بشأن الحرب، وما إن كانت التفاهمات وصلت إلى طريق مسدود.

الحوثيون يسيطرون على سفينة سعودية وأخرى كورية

في 17 نوفمبر الجاري، سيطرت جماعة الحوثي اليمنية على سفينة تابعة لكوريا الجنوبية، وناقلة نفط سعودية بطاقم متعدد الجنسيات، قبالة سواحل جزيرة “كمران” في البحر الأحمر، غربي البلاد، حيث أوضح المتحدث باسم القوات المشتركة (حكومية)، وضاح الدبيش، في تصريح صحفي، مساء الاثنين، أن “الحوثيين احتجزوا سفينة كورية محملة بمعدات وأدوات حفر مع طاقمها المكون من 28 شخصاً”، مضيفاً أن “الحوثيين احتجزوا أيضاً باخرة سعودية تحمل نحو 500 ألف برميل من المشتقات النفطية بالإضافة لطاقمها متعدد الجنسيات”.

وأشار الدبيش إلى أن “الحوثيين اقتادوا السفينتين إلى سواحل جزيرة (كمران) غربي البلاد، وبدؤوا بتفريغ حمولتها”، متهماً جماعة الحوثي بـ”تهديد الملاحة الدولية”، إلا أن التحالف السعودي الإماراتي في اليمن اكتفى بإعلان أن مليشيات الحوثي سيطرت على قاطرة بحرية (دون أن يحدد جنسيتها)، وقال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، تركي المالكي: إنه “عند الساعة (58 :22) من مساء يوم الأحد، وأثناء إبحار القاطرة البحرية (رابغ-3) بجنوب البحر الأحمر، تعرضت لعملية خطف وسطو مسلح من قبل زورقين على متنهما عناصر إرهابية تتبع للمليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران”.

أما جماعة الحوثي (المتهمة بتلقي تمويلاً مباشراً من إيران) فقد أعلنت أنها سيطرت على ثلاث سفن بحرية إحداها سعودية تحمل اسم “رابغ 3″؛ بعد خرقهما المياه الإقليمية للحديدة، إلا أن الجماعة نفسها أعلنت، في يوم الأربعاء 20 نوفمبر، الإفراج عن ثلاث سفن بينها واحدة سعودية، وذلك بعد أن وجهت “سيئول” مدمرة إلى موقع الحادث، كما قالت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، إن مليشيا الحوثي في اليمن أفرجت عن ثلاث سفن و16 شخصاً، بينهم مواطنين كوريين جنوبيين.

محادثات سرية بين السعودية والحوثيين

في 14 من نوفمبر الجاري، ذكرت وكالة أمريكية أن مسؤولين سعوديين وحوثيين أجروا محادثات غير مباشرة ومن وراء الكواليس لإنهاء الحرب المدمرة المستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام في اليمن، وقالت وكالة “أسوشييتد برس”، أن المفاوضات الجارية بين الطرفين بوساطة عُمانية، خصوصاً أن مسقط تمكنت، خلال السنوات الماضية، من ترتيب وضعها الجغرافي كوسيط بين الطرفين.

ونقلت الوكالة عن عضو وفد التفاوض التابع لجماعة الحوثيين، جمال عامر قوله، إن “الجانبين تواصلوا عبر الفيديو، خلال الشهرين الماضيين، كما جرت بينهم محادثات من خلال وسطاء أوروبيين”، وأضافت الوكالة أن المحادثات الحالية تتمحور حول مجموعة من الأهداف المؤقتة؛ مثل إعادة فتح مطار صنعاء الدولي، الذي أغلقه التحالف العربي في عام 2016،كما تجري مناقشة إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود اليمنية السعودية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وقال أبو بكر القربي، وزير الخارجية اليمنية السابق والموجود في سلطنة عمان، للوكالة، إن “أبرز مخاوف السعوديين تشمل تفكيك قدرات الحوثيين الباليستية، وسلاح الطيران المسير، وكذا أمن حدود المملكة”، كما أن السعودية ذكرت، على لسان مسؤول كبير (رفض كشف اسمه)، في 6 نوفمبر الجاري، لوكالة “فرانس برس”، أن بلاده تملك “قناة مفتوحة مع الحوثيين منذ عام 2016″، دون مزيد من التفاصيل.

السعودية بصدد تقديم مقترح للحوثيين         

كشفت وكالة “رويترز”، في تقرير نشرته الشهر الماضي، أن السعودية بصدد دراسة اقتراح للحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن لوقف إطلاق النار، وقالت “رويترز” حينها إن ذلك من شأنه “تعزيز جهود الأمم المتحدة، خصوصاً إذا تم التوصل لاتفاق لإنهاء حرب مدمرة تؤثر على سمعة الرياض عالمياً”.

وفي 9 سبتمبر الماضي، كشف ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى، لأول مرة، عن محادثات ستجري بين الرياض والحوثيين بشكل مباشر، بهدف إيجاد حل مقبول من الطرفين للحرب اليمنية، وتدور الحرب في اليمن بشكل رئيسي بين المتمردين الحوثيين المقربين من إيران، وقوات موالية للحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية والإمارات، منذ أن سيطر الحوثيون على مناطق واسعة قبل أكثر من أربع سنوات، من بينها العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014.

وتسبب النزاع بمقتل عشرات آلاف الأشخاص، بينهم عدد كبير من المدنيين، بحسب منظمات إنسانية مختلفة، ولا يزال هناك 3.3 مليون نازح، في حين يحتاج 24.1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى مساعدات، بحسب الأمم المتحدة التي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم حالياً، وبحسب الوكالة، يبحث السعوديون عن ضمانات بأن الحوثيين سوف ينأون بأنفسهم عن إيران، حيث إنه لطالما كانت الرياض تخشى أن يتمكن الحوثيون من تأسيس وجود إيراني على طول الحدود السعودية اليمنية.

توتر غير مسبوق

عاشت منطقة الخليج في الأشهر الماضية توتراً غير مسبوق، في ظل حرب ناقلات النفط ومصادرتها،حيث تعرضت ناقلة إيرانية، الجمعة (11 أكتوبر)، لحادث انفجار أصاب هيكل السفينة، على بعد 96 كيلومتراً من ميناء جدة السعودي، وهو ما توعدت خلاله طهران بالرد وعمليات التفجير التي طالت بعضها، علاوة على القصف الذي طال منشآت شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي، وسط غيوم تنذر بحرب قادمة.

وكان آخر تحرك إيراني لتخفيف التوتر هو طرح الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في سبتمبر الماضي، مبادرة خلال كلمته ضمن أعمال الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمدينة نيويورك الأمريكية، داعياً كافة الدول التي تتأثر بتطورات الخليج ومضيق هرمز لاحتضانها، وتضمنت المبادرة، التي حملت عنوان “تحالف الأمل”؛ حرية الملاحة لكل دول مضيق هرمز، وتقوم على “احترام سيادة الدول، ووحدة أراضيها، والتسوية السلمية للخلافات”.

كما تقوم المبادرة أيضاً على مبدأي “عدم الاعتداء” و”عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، داعياً جميع الدول التي تتأثر بتطورات الخليج ومضيق هرمز إلى “تحالف الأمل، لتحقيق الرخاء والتقدم”، وأوضح الرئيس الإيراني أن الأمن والسلام في الخليج وبحر عُمان ومضيق هرمز يتحقق عبر مشاركة دول هذه المنطقة، كاشفاً أن وزير خارجيته، جواد ظريف، سيُطلع الدول على تفاصيل مبادرة “تحالف الأمل”.

في هذه الأجواء، دأبت السعودية والإمارات على توجيه أصابع الاتهام إلى إيران في الهجمات التي تتعرض لها سفنهم في مياه الخليج، والتي كان أبرزها تفجيرات السفن الـ4 بالفجيرة الإماراتية في مايو الماضي.