كتبه – أحمد عبد العزيز

استحوذت زيارة رئيسة الوزراء البريطانية تريزا “ماي” إلى الشرق الأوسط هذه الأيام، على اهتمام الصحافة العالمية، خاصة بعدما أعلنت أنها بصدد زيارة السعودية للمرة الثانية خلال أقل من ستة أشهر.

وتأتي زيارة “ماي” إلى السعودية، في ظل العديد من الانتقادات البريطانية التي توجه إلى رئيسة الوزراء بسبب تنامي العلاقات بين البلدين، بالرغم من عدم امتثال السعودية للمطالب الدولية في حربها الدائرة باليمن وتشديدها الحصار على الموانئ والمطارات، ما تسبب في اندلاع المجاعات والأوبئة.

تريزا ماى

الزيارة

وحرصت “ماي”على تبرير زيارتها إلى الرياض، بالقول إنها ستتوجه للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمطالبته بفك الحصار عن اليمن بشكل فوري، خاصة بعد إطلاق العديد من منظمات الإغاثة الإنسانية نداءات عاجلة للسماح بدخول المساعدات.

وقالت صحيفة “الجارديان” البريطانية، إن “ماي” ستناقش مع ابن سلمان، الإصلاحات الاجتماعية المزعومة في السعودية، بالإضافة إلى النزاع مع الدوحة.

وترى الصحيفة، أن السعودية تورطت في نزاع استمر ثلاثة سنوات في اليمن، حيث تتهمها جماعات حقوق الإنسان بقتل المدنيين في صراعها مع الحوثيين، بالإضافة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية بسبب الحصار ومنع وصول المعونات.

لقاء ماى و بن سلمان

واعتبر الوزير السابق في الحكومة البريطانية، أندرو ميتشيل، الأسبوع الماضي، أن المملكة المتحدة متواطئة بشكل خطير في السياسة السعودية الحالية، التي تتسبب في اندلاع المجاعات والأوبئة لليمنيين.

فيما حاولت “ماي” الدفاع عن رحلتها الثانية إلى السعودية خلال أقل من ستة أشهر، مؤكدة أنها تأمل في تغيير موقف السعودية تجاه اليمن، واعتبرت في تصريحات للصحفيين، أن بناء العلاقات بين السعودية وبريطانيا، يساعد الأخيرة على معالجة العديد من القضايا، مؤكدة أن الوضع في اليمن سيكون محور محادثاتها مع ولي العهد.

كما أعربت عن أملها في أن تسفر الخطط التي يضعها ابن سلمان بنتائج حقيقية على الأرض، لافتة إلى أنها لم تر حتى الآن من نتائج لهذه الخطط، سوى السماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية.

وأضافت “الجارديان” أن “ماي” تعرضت لانتقادات شديدة في زيارتها الأخيرة إلى السعودية، بدعوى أنها أعطت الأولوية للعلاقات التجارية بين السعودية وبريطانيا، بدلا من التركيز على قضايا حقوق الإنسان مع المسؤولين السعوديين.

ماى

كما اعتبر زعيم حزب العمل البريطاني، جيريمي كوربين، إن العلاقات السعودية البريطانية بشكلها الحالي، تضر بالمواطن السعودي والبريطاني وبمواطني الشرق الأوسط ككل.

وترى “الجارديان” أن هذه الزيارة تعتبر بمثابة فرصة لبريطانيا لتدعيم علاقاتها في المنطقة بعد انهيار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الموصل وما ترتب على ذلك من بداية انهيار كامل للتنظيم.

وعُدَّت تلك الزيارة بمثابة فرصة ل”ماي” لتعزيز نفوذ بريطانيا في الشرق الأوسط قبيل خروجها من الاتحاد الأوروبي.

الأسلحة البريطانية

من جانبها، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن المحادثات بين الطرفين فيما يتعلق باليمن، ستتركز على مطالبة “ماي” لولي العهد السعودي بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر ميناء الحديدة في اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون.

وأضافت أن السعودية شددت حصارها على الموانئ والمطارات اليمنية بعد تعرض الرياض لصاروخ باليستي أطلق عليها في الرابع من نوفمبر الجاري، وفي ظل ضغوط دولية مكثفة، وعدت السعودية بإعادة فتح الموانئ للمساعدات الإنسانية، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن.

التواجد السعودي فى اليمن

وترى الصحيفة أن الصراع الدائر في صنعاء وضع اليمن التي تعتبر واحدة من أفقر بلدان العالم على حافة المجاعة، بعدما أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، وتشريد 3 ملايين آخرين، وتدمير شامل للبنية التحتية.

وقد واجهت “ماي” نداءات متزايدة، الفترة الأخيرة، لوقف مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية، بالتزامن مع الصراع الدائر في اليمن الذي شهد ضربات جوية بقيادة السعودية، أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، حيث سمحت بريطانيا ببيع أسلحة بقيمة 4.4 مليار دولار إلى السعودية منذ بدء الحرب.

بلا جدوى

ولكن يبدو أن زيارة “ماي” إلى السعودية لن تأتي بنتائج حقيقية على الأرض، حيث يسعى ولي العهد السعودي إلى تقليل الخسائر الفادحة التي مني بها منذ توريطه لبلاده في الحرب الدائرة باليمن.

فقد أحرز محمد بن سلمان الذي يتولى أيضا وزارة الدفاع، فشلا ذريعا في كل الحروب التي خاضتها السعودية تحت قيادته على كل الجبهات، وجاءت بنتائج عكسية تماما لما كان يرجو من ورائها، حيث كان يأمل تحقيق أي انتصار يستطيع من خلاله الترويج لنفسه داخليا أمام المواطن السعودي لكسب ثقته.

إلا أن الهزائم المتوالية، ونقل الحوثيين إلى الحرب من اليمن إلى داخل الأراضي السعودية عن طريق الصواريخ الباليستية، أظهر للسعوديين انعدام الخبرة العسكرية لدى ابن سلمان وتهوره المفرط الذي ينذر بقيادة البلاد إلى حافة الهاوية.

والآن يتمنى ابن سلمان لو أنه استطاع الخروج من المستنقع اليمني، إلا أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك دون إحراز أي نصر يذكر، وعلى أقل تقدير وقف الخسائر المتوالية، ما يعني أن فتحه للموانئ، الذي يعني بالضرورة وصول الأسلحة إلى الحوثيين، سوف يزيد من صعوبة موقفه، ما يرجح أن مطلب “ماي” قد لا يجد استجابة لديه على الإطلاق.

ماى و الملك سلمان

كما تكشف تصريحات “ماي”، إلى أي مدى بات الملك سلمان بن عبد العزيز مهمشًا داخل البلاد، وانتقل إلى الأدوار الثانوية، حيث لم تذكره في تصريحاتها على الإطلاق، واكتفت دائما بالإشارة إلى ولي العهد، ما يعني أن قادة العالم باتوا يتعاملون مع “بن سلمان” على أنه الحاكم الفعلي للبلاد، وهي ليست ميزة بقدر ما هي “توريط” له حيث سيكون عليه تحمل النتائج الكارثية لقراراته خلال الفترة المقبلة، وقبل وصوله رسميا إلى سدة الحكم.

فيما يرى بعض المحللين أن الهدف الحقيقي من وراء زيارة “ماي” هو عقد المزيد من صفقات الأسلحة، للمساعدة في انتشال بريطانيا اقتصاديا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، حيث تصر لندن على تقديم الأسلحة للسعودية بأي ثمن، دون النظر إلى الأهداف التي توجه إليها هذه الأسلحة، حتى ولو كانت تقتل الأطفال والمدنيين، فطالما أنهم ليسوا أطفالا إنجليزا، فالأمر مختلف!