لم تكن سجون السعودية يومًا ذات صورة براقة، مهما حاول النظام إبراز صورة حسنة لسجونه، من خلال تضليل الرأي العام المحلي والدولي، بترويج أنها سجون عالية المقاييس مكتملة المعايير. لكن الحقيقة المخزية أن سجون النظام السعودي لا تحرم النزلاء حقوقهم الإنسانية المشروعة فحسب، بل تمارس ضدهم أشد أنواع الانتهاكات وأشكال التجاوزات.

وفي جنوب غرب السعودية، شمال مدينة أبها، يقع سجن أمن الدولة  المعروف باسم ( سجن شعار ). وتفيد تقارير حقوقية مروعة  وشهود عيان بأن هذا السجن يمارس ضد المعتقلين عددًا من الانتهاكات المروعة، وأنهم يتعرضون لأنواع من التعذيب الممنهج والانتهاكات المتكررة، علاوة على سوء التغذية والرعاية الصحية.

مستودع العذاب

بات دارجًا بين حراس السجون وضباط الأمن في السعودية تسمية سجن شعار بـ “المستودع”، كناية عن الأحوال المزرية التي يعيشها من يدخل هذا السجن، حيث يرمى هناك كقطعة أثاث مهمَلة، ويمكث فيه فترة طويلة دون العرض على محاكمة أو الإفراج عنه، وهو ما تنتهجه سلطات المملكة مع مواطنيها الذين يريدون الإمعان في تعذيبه وإهماله، فتقوم السلطات بنقل هؤلاء من سجون المملكة، مثل ذهبان والحائر وغيرها، إلى سجن أبها.

وهو ما عمدت إليه بالفعل الأجهزة الأمنية حديثًا، حيث نقلت كافة المعتقلين الفلسطينين لديها من سجون مختلفة، وجمعتهم في سجن شعار في ظروف صحية وإنسانية مزرية، ومن ضمنهم الدكتور محمد الخضري الذي يبلغ من العمر ٨٣ عاما، والذي نقل من سجن ذهبان بمدينة جدة.

ونقلت مصادر أن القيادي الفلسطيني عومل معاملة سيئة وقاسية إبان نقله من جدة إلى أبها، إضافة إلى تعرضه للإهمال الطبي والمنع من تناول الأدوية رغم تدهور حالته الصحية وأنه يعامل معاملة سيئة ولا إنسانية.

كذلك يوجد مصريان تم نقلهما من سجن ذهبان إلى شعار، هما شهاب أحمد وحسن جبر، وقد تعرضا كذلك للتعذيب والصعق بالكهرباء والضرب والحبس الانفرادي، وقد تم تلفيق تهم ضدهما بسبب تدوينات لهما على الفيس بوك عندما كانا مقيمين في مصر تندد بانقلاب السيسي.

ومن أشكال التعذيب التي يمارسها سجن أبها، هو التعذيب في غرف مظلمة، حيث يتم ضرب المعتقل حتى يغمى عليه ثم يرش بالماء ليفيق ثم يعاودون ضربه مرة أخرى، وممن تعرض لهذا النوع من التعذيب رجل ستيني يُدعى ”أبو خالد“.

كما يمارسون طريقة أخرى  لتعذيب النزلاء، وهي:  ترك أضواء العنابر منارة دائما ولا تُطفأ أبدا حتى وقت النوم. وقد ذكر شاهد عيان أن جميع ضباط السجن يتعاملون مع النزلاء بلا رحمة وبكل قسوة وعنف وأنهم يتعمدون إيذاءهم نفسيا وبدنيا.

إهمال طبي متعمد 

تفيد المصادر بأن طاقم الأطباء في سجن شعار هنود، وطاقم التمريض من الجنسية الفلبينية، وأن الأطباء يتعاملون بطريقة لا مهنية ولا أخلاقية ولا إنسانية مع المرضى، ويتعرض المعتقلون للإهمال الطبي عمدا لزيادة عذابهم ومعاناتهم، كما أن طاقم التمريض  مهمل جدا ولا يؤدي دوره بالشكل المطلوب.

ومن صور التعذيب الطبي الممنهج إعطاء بعض المعتقلين أدوية نفسية عالية الخطورة تجعل المعتقل ينام لفترات طويلة جدا، وعند استفاقتهم يعانون من اضطرابات نفسية حادة وحالة نسيان وشرود ذهني كبير وربما خوف أو عدوانية تجاه الآخرين. فضلا عن تعرضهم للتبول اللاإرادي أثناء نومهم.

اعتقال بلا تهم

اعتادت السلطات السعودية تلفيق التهم للمعتقلين أو اتهامهم بقضايا ليسوا طرفًا فيها، لكن من أغرب التهم التي يواجهها رجل الأعمال محمد صلاح السعدون المعتقل في سجن شعار تواصله مع شخص اسمه محمد أردوغان. والسعدون كان له سابقا نشاط تجاري مع شركات تركية في الاستيراد والتصدير ومن ضمن الأشخاص الذي تعامل معهم في تركيا تاجر يدعى محمد أردوغان لأغراض تجارية. ولم يكن يدور في باله أن مجرد تشابه الأسماء سيؤدي به للاعتقال ثم النسيان في سجن شعار السيء الصيت، ولا يزال معتقلا منذ أبريل ٢٠٢٠ بهذه التهمة.

وفي ذات السياق، لم يكن يعلم القارئ عبدالمجيد الأركاني –الذي قرأ آيات من القرآن في افتتاح مؤتمر أقامته رابطة العالم الاسلامي في السعودية وحضره الأكاديمي والكاتب التركي ياسين أقطاي– أن ذلك سيكون سببا في اعتقاله، حيث أعجب ياسين بتلاوته فدعاه وسلم عليه ثم تبادلا أرقام الاتصال ليفاجأ الأركاني باعتقاله بتهمة التواصل مع ياسين، وقد أكد الأول أنها لم تكون سوى رسائل تهنئة بالعيد بعد ذلك اللقاء، وأثناء التحقيق ضرب ضرباً شديداً، وحبس في العزل الانفرادي بسجن شعار فترة طويلة.

ومن الذين تعرضوا للاعتقال بسبب تهم غريبة استشاري العيون الدكتور بدر حنفي البالغ من العمر ٦٥ عاما، والذي تحدث أمام ممرضة تعمل معه وأثنى على الرئيس أردوغان وأن تركيا تطورت كثيرا في عهده، فوشت به واعتقل بسبب ذلك بتهمة انتمائه للأخوان، رغم أنه لم يعرف عنه أي نشاط سياسي أو توجه فكري، وحتى أنه لا يملك هاتفا ذكيا ولا يتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي. وقد حرم –كما تفيد المصادر– من تناول أدويته وينقل إلى المحكمة مقيد اليدين والرجلين معصوب العينين، ويؤكد من رأوه داخل سجن شعار أنه بدأت عليه أعراض الزهايمر.

ويوجد في سجن شعار عدد ليس بالقليل بسبب تضامنهم مع القضية الفلسطينية أو تدوينهم تغريدات أو منشورات في الفيس بوك ترفض قرار ترامب نقل  السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، في تناقض صارخ بين تصريحات الدولة الرسمية وتعبير الناس عن آرائهم حول هذه القضية.