العدسة – أحمد فارس

 أعطى قانون الهيئات الإعلامية الجديد، سطوة كبيرة للمجلس الأعلى للإعلام، بما جعله مسيطرًا على الأداء الإعلامي والمراقب لكل ما يصدر في الوسائل المختلفة.

وعلى الرغم من إلغاء حقيبة الإعلام في مصر على غرار أغلب دول العالم، إلا أن مصر استبدلت بالوزارة المجلس الأعلى، الذي فرض سيطرته على كل وسائل الإعلام، متخطيًا اختصاصات النقابات المهنية، وتحديدًا نقابة الصحفيين.

ومنذ تأسيس المجلس وهناك أزمات تحيط به وشكوك حول طبيعة عمله، لناحية فرض مزيد من القيود على الإعلام في مصر، الذي اشتكى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي من الإعلام حتى الموالي له أكثر من مرة سرًا وفي لقاءات رسمية.

وجاء تشكيل الهيئات الإعلامية لتصدّر رموز نظام مبارك، الذين تربوا في كنف الكبت والتضييق على الحريات، وإدارة مؤسسات قومية لطالما روجت لدعم نظام مبارك، وأبرزهم مكرم محمد أحمد، الذي يترأس المجلس الأعلى للإعلام.

ونستعرض خلال هذا التقرير أبرز قرارات المجلس الغريبة والمثيرة للريبة، آخرها حظر المجلس نشر كل ما يتعلق بأزمة مستشفى “57357”، والتي تفجرت خلال شهر رمضان الماضي ومستمرة حتى الآن.

 

 أزمة 57357

قرار غريب أصدره المجلس الأعلى للإعلام بحظر نشر كل ما يتعلق بأزمة مستشفى علاج الأطفال من السرطان بالمجان، على خلفية نشر عدة مقالات في صحف مصرية خلال شهر رمضان وما بعده، تتحدث عن وجود مخالفات من قبل إدارة المستشفى، وتحديدًا من المدير شريف أبو النجا.

وأبرز مقال نشر في هذا الصدد كان في صحيفة “المصري اليوم” للمؤلف وحيد حامد، الذي كتب أكثر من مقال متحدثًا عن وجود مخالفات في الإدارة، متسائلًا عن حجم الأموال التي تنفق على الإعلانات في شهر رمضان من قبل المستشفى.

وبات موقف وحيد حامد حديث وسائل الإعلام المختلفة والشارع المصري خلال الفترة الماضية، بما أسفر عن تحرك جهات في الدولة للتحقيق فيما ينشر عبر المقالات في الصحف المصري.

الأزمة كانت لها أصداء واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط انقسام حول التبرع للمستشفى خلال الفترة الحالية، أو الانتظار لحين ظهور نتيجة التحقيق في المخالفات– بحسب مقالات عدد من الكتاب-.

وخرج المجلس الأعلى بقرار حظر النشر في أزمة المستشفى، وهو ما أثار الإعلاميين والصحفيين أكثر من أي شخص آخر، خاصة وأن القضية لا تتعلق بالأمن القومي المصري، كما اعتادت وسائل الإعلام بحظر النشر في قضايا شائكة.

كما أن المجلس ليس جهة اختصاص في حظر النشر حول قضية ما، ليتفاجأ الجميع بقرار من النائب العام المصري بإحالة رئيس المجلس مكرم محمد أحمد للتحقيق أمام النيابة لإصداره مثل هذا القرار “المنعدم”، لأنه ليس صاحب اختصاص، باعتبار أن صاحب مثل هذا القرار هو النائب العام فقط.

ورد مكرم محمد أحمد على قرار النائب العام، في بيان له، مؤكدًا أنه لم يتجاوز في حق السلطة القضائية، وإنما كان قرار المجلس من ضمن اختصاصاته الموكلة له وفقًا للقانون الذي أنشأ المجلس وحدد آليات العمل.

أبرز الانتقادات حول قرار المجلس الأعلى للإعلام بشأن أزمة المستشفى، هو ما جاء في البيان، بما يظهر انحيازًا واضحًا تجاه إدارة المستشفى، دون انتظار نتائج التحقيقات التي تجريها الجهات المختصة.

 

غرامات الانتخابات الرئاسية

سيل من القرارات المريبة والغريبة التي أصدرها المجلس الأعلى للإعلام، منها ما تعلق بحماية النظام الحالي والترويج له، ومعاقبة أي وسيلة إعلامية تخرج عن الخط المرسوم لها.

وأصدر المجلس قرارًا بتغريم موقع “مصر العربية” –المحجوب أصلًا- لنشره تقريرًا مترجمًا حول وجود تدخلات في الانتخابات الرئاسية المصرية وضعف الإقبال، فضلًا عن غرامة لصحيفة “المصري اليوم” لنشرها مانشيت الجريدة حول إقدام الحكومة على الحشد في الانتخابات، والتطرق إلى وجود رشاوى انتخابية وإجبار على التصويت، ولكن مع استخدام عبارات أقل وطأة، ولكن تشير إلى المعاني نفسها.

هذا القرار السريع من قبل المجلس الأعلى للإعلام، الذي صاحبه التحقيق مع رئيس تحرير المصري اليوم، يضع مزيدًا من علامات الاستفهام حول دور المجلس.

وبات أكيدًا أن المجلس ليس إلا أداة في يد النظام الحالي لتقويض الحريات الصحفية؛ إذ إنَّ موقع “مصر العربية” نشر مقالًا مترجمًا في الأساس، وليس مادة من صنع الموقع، وهكذا صحيفة “المصري اليوم” اعتمدت على تقارير لمراسليها، وهو ما كان واضحًا للشارع المصري، من خلال ضغوط مارستها جهات حكومية على موظفيها للنزول والمشاركة في الانتخابات والتصويت للسيسي.

 

إيقاف برنامج بسبب “آل الشيخ”

ومن القرارات الغريبة للمجلس الأعلى للإعلام، ما حدث بوقف أحد البرامج الرياضية، لمجرد أن مقدمه تحدث عن تركي آل الشيخ، المسؤول عن الرياض في السعودية.

هذا القرار جاء عقب كتابة “آل الشيخ” عبر صفحته على موقع “فيسبوك”، تعليقًا رافضًا للتعرض لاسمه في البرنامج، ومطالبته المسؤولين في مصر التصدي لهذه المحاولات.

وقال نص القرار: ” قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إحالة أحمد سعيد مقدم برنامج كلام في الكورة على قناتي الحدث اليوم و ltc إلى التحقيق بنقابة الإعلاميين بسبب تجاوزه في حق ” تركي آل شيخ” وزير الشباب والرياضة السعودي وإبلاغ المجلس بالنتائج”.

وأضاف: “إذ يرى في إلغاء الشاشة للبرنامج قرارا صحيحا إلا أن ذلك لا يعفي الشاشة من إدانة المجلس لها إدانة شديدة لأن ما جاء في البرنامج خالف أصول المهنة وقواعدها الأخلاقية المتعارف عليها، وأنه كان على القناة أن تتنبه لذلك قبل وقوعه لمنعه”.

وهنا فإن المجلس الأعلى تجاوز اختصاصه لتحويل الإعلامي للتحقيق في نقابته، وهي الجهة الوحيدة المسؤولة عن التحقيق مع أعضائها، بلا وصاية من أحد، وفقا لقوانين النقابات المهنية.

 

حظر المصادر المجهلة

وكان أحد القرارات “الغريبة” وأحدث ضجة في الأوساط الصحفية، هو حظر استخدام المصادر “المجهلة”.

وقال القرار : “في إطار اهتمام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمنع الأخبار المُجهّلة التي تُنشر على الصحف والفضائيات، ونظرا للاتجاه المتزايد لنشر الأخبار المجهلة والزائفة ولمواجهة هذه الظاهرة وفي إطار حوكمة الإعلام وأطر الشفافية والمساءلة ودرءا للمخاطر التي تترتب على نشر الأخبار مجهلة المصدر يمكن أن تضر بالصالح العام والاقتصاد الوطني أو الأمن القومي أو تمس مصالح مصر السياسية والاقتصادية العليا وعلاقتها الدولية”.

القرار تناسى إمكانية استعانة الصحفيين بمصادر مجهلة لنشر وقائع فساد أو شخصيات غير مخول لها بالتصريح، طالما يمتلك ما يثبت صحة ما ينشره من خلال مستندات أو تسجيل للمصدر، كما يحصن القانون الصحفي ويكفل له عدم الإفشاء عن مصدره.

ولكن خطورة هذا القانون، أنه يمنع أي استخدام للمصادر المجهلة، بما يحجب جزءًا كبيرًا من المعلومات والأخبار الهامة التي تهم الشارع المصري.

كما أنَّ المجلس تناسى أن كبرى وكالات الأنباء والصحف العالمية، تستخدم المصادر المجهلة في صياغة بعض الأخبار والتقارير الحساسة، والتي يرفض المصدر الكشف عن هويته، قد يكون حفاظًا على حياته هو وأسرته على سبيل المثال.

 

“تفخيم” الرموز الدينية

موعدنا الآن مع قرار كان مثار سخرية كبيرة سواء في الأوساط الإعلامية والصحفية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ قرر المجلس وعلى حين غفلة وبلا أي مقدمات، عدم استخدام اسم شيخ الأزهر والبابا دون “تفخيم وتعظيم” لهما.

وحظر المجلس استخدام اسم أحمد الطيب إلا ويسبقه “فضيلة الإمام الأكبر”، وتواضروس إلا ويسبقه “قداسة البابا”.

وبات السؤال لماذا يصدر المجلس مثل هذا القرار، وما الدافع وراءه، في ظل عدم تقليل وسائل الإعلام من الرجلين، ولكن البعض ذهب إلى أن أصل القرار يعتبر تمهيدًا لعدم استخدام اسم السيسي، إلا ويسبقه “سيادة الرئيس”.

وبغضّ النظر عن عدم تأثير القرار كثيرًا على مجريات العمل الصحفي والإعلامي، إلا أنه قرار يكشف أن المجلس سيتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وهو ما يثير القلق لأن تكون التدخلات تتعلق بصميم العمل الصحفي، وهو ما ظهر لاحقًا في تحديد الموضوعات التي يجب تناولها وأخرى محظور التطرق لها، بما يؤكد وجود قيود على العمل الإعلامي والصحفي.

 

مراجعة الدراما قبل العرض

فتح الحديث المتكرر من قبل أعضاء المجلس الأعلى للإعلام وعلى رأسهم مكرم محمد أحمد، حول وجود مخالفات في الدراما الرمضانية، وتواجد لجنة لمتابعة الأداء الدرامي برئاسة المخرج محمد فاضل، وهي اللجنة التي استقالت قبل أيام، لشعورها بالتهميش.

وقال مكرم في أحد التصريحات التلفزيونية، إنه مادامت الدولة اختارت أن تغيب عن عملية الإنتاج وتترك السوق سداح مداح للقطاع الخاص يفعل ما يُريد دون أن تكون هناك موازنات حقيقية تجعل القطاع الخاص أكثر التزامًا بحقوق المجتمع، فلا يمكن للمجلس الأعلى ولا غيره القيام بشيء.

وشدد على أن هناك فوضى عارمة تسود عملية الدراما الرمضانية، متسائلًا: “ما المبرر للاستمرار في تصوير المسلسل خلال شهر رمضان أثنا عرضه؟ ولا يأخذ فرصة للمراجعة”، مؤكدًا أن هذا لا يحدث إلا في مصر، ولابد من الالتزام بالتصوير في مواعيد محددة وفقًا للتشريع حتى يتمكن كل طرف من القيام بدوره.

تصريحات رئيس المجلس الأعلى للإعلام، تؤكد صراحة وجود رغبة في مراجعة الأعمال الدرامية قبل أن تصدر على الشاشة، لمعرفة ما هو المخالف – وفقًا لرؤية المجلس- بما يعني المصادرة على الأعمال وما فيها.