العدسة – معتز أشرف

طغت أحاديث العفو على أحاديث التغيير، وجرت في الأيام الأخيرة قرارات للعفو في مياه السودان، ثم خروج بطعم العفو في الكويت وسط مطالب بإعلان عفو عام ومصالحة وطنية، بالتوالي مع قرارات العفو الرئاسية التي أصدرها الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي التي باتت على هامش الأحداث ولغير المعروفين في ظل استمرار خيار القمع بالتزامن مع مطالبات بها من عقلاء هنا وهناك، وفي المغرب كذلك طالت الورقة النظامية من المخزن المغربي لتطول بعض المشاركين في حراك الريف دون القيادات، وهو ما يستحق التوقف أمامه في ظل مطالبات مازالت تجد من يسمعها بتجديد الربيع العربي لا انتظار عفو الخريف العربي الذي حاصر إلى حد كبير حتى الآن تطلعات أنصار الربيع العربي !.

تناقضات بالسودان!

في ظل إجراءات متناقضة تستهدف الوقيعة وشق الصف المعارض وفقا لمراقبين، أفرجت السلطات السودانية عن عدد من المعتقلين السياسيين على خلفية الاحتجاجات الأخيرة على الارتفاع غير المسبوق لأسعار السلع الأساسية دون آخرين، بعد إصدار الرئيس السوداني عمر البشير عفوا رئاسيا عنهم، وشمل العفو عددا من قيادات حزب “الأمة” السوداني، من بينهم سارة نقد الله والصادق الصدوق وعروة الصادق وأمل هباني وناهد جبر الله، وآخرين فيما أطلقت السلطات السودانية، الاثنين 26 فبراير الجاري، سراح صحفيين اثنين هما الحاج الموز وأحمد جادين بعد اعتقالهما لأكثر من 3 أسابيع أثناء احتجاجات على الغلاء في العاصمة الخرطوم، فيما مازال الصحفي كمال كرار قيد الحبس، وهو عضو لجنة مركزية بالحزب الشيوعي، فيما أكد مساعد رئيس الجمهورية عبد الرحمن الصادق، أنه “وفقا لتوجيهات الرئيس، فقد تقرر إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والطلاب”.

وبالرغم من أن السلطات الأمنية أعلنت الإفراج عن 80 معتقلا الأحد الماضي لكن القرار لم يشمل نحو 90 معتقلا ـ بحسب ناشطين ـ بينهم زعماء أحزاب مثل السكرتير العام للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير ورئيس حزب الوسط الإسلامي يوسف الكودة، كما استمر جهاز الأمن في اعتقال المناهضين واعتقل 3 على الأقل من أعضاء الحزب الشيوعي في منازلهم يومي 18 و19 فبراير، هم “عوض بشير وصلاح محمد عيسى وشريف عبد الكريم”، كما عاد واعتقل الجمعة الماضية نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني خالد عمر.

مطالبات بالكويت !

بعد أزمة سياسية كبيرة، شهدت البلاد خروجا مفاجئا بطعم العفو الملكي، من نفق أزمة حبس نواب ما سمي اقتحام مجلس النواب بعد مطالبات واسعة بضرورة إقرار قانون العفو العام، وهو ما اعتبرته الحركة الدستورية الإسلاميةحدس في بيان تهنئة الأمير الشيخ صباح الأحمد بمناسبة ذكرى التحرير والعيد الوطني، خطوة نحو رص الكويت صفوفها وتوحيد جبهتها الداخلية، ما يتطالب العفو عن القضايا السياسية، وإنهاء مقاضاة الشباب الوطني والنواب، كما ذهب كتاب موالون للأمير الصباح إلى الحديث عن ضرورة ” إلى التسامح وأن يصدر عفو عام ومصالحة وطنية، وقال الكاتب مبارك مزيد المعوشرجي: “نحن في حاجة إلى التسامح وأن يصدر عفو عام ومصالحة وطنية، فقد مللنا دوامة نفسية استمرت طويلا”.
في المقابل كانت لغة من استفاد من الخروج من السجن بتبرئة مطعّمة بطعم العفو بحسب مراقبين مغايرة بعضا ما توحي برفض رسالة العفو الملكية التي ينادي بها البعض، حيث  أكد مقرر لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب الدكتور وليد الطبطبائي الذي استفاد من الخروج الأخير أن «السجن بالنسبة إليه حلقة من سلسلة الإصلاح، بينما الجهاد الأكبر إصلاح المجتمع والدولة” لافتا إلى أن «الاحتفالات  بذكرى التحرير تزامنت مع خروج المحكومين بقضية دخول المجلس، وهو ما زاد الفرحة، ولكن قوى الفساد تغلغلت بكل مفاصل الدولة، وكل من يعمل ضدها تعمل على إزاحته بالطرق القانونية أو غير القانونية والمشروعة وغير المشروعة، ونحن نأمل بأن نستفيد بما مررنا به بأن نزيد من قوى الإصلاح” .

 استثناء بالمغرب!

وفي المغرب مازال صدى الحديث عن العفو الملكي عن بعض المشاركين في حراك الريف واستثناء القيادات يلقي رواجا في ظل التأكيد على أنه قد يؤجج الاحتجاج مجددا في أي وقت، وذلك بعد أن أصدر الملك محمد السادس عفوا ملكيا بمناسبة الذكرى الـ18 لعيد العرش على 1178 شخصا في أواخر العام الماضي شمل الشباب المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية، والمعتقلين بتهمة الإشادة بالإرهاب، كما شمل  14 من معتقلي حراك الريف، فيما لم يكشف اللائحة الكاملة لأسماء معتقلي الحراك المعفى عنهم  قادة الحراك في مقدمتهم ناصر الزفزافي، ما أصاب عائلات باقي معتقلي حراك الريف، “بخيبة أمل كبيرة”، وطالبوا بالحرية للجميع، بينما اعتبر مراقبون العفو بمثابة “تأجيج” للاحتجاجات في الشارع، بالتزامن مع حديث متكرر في أروقة البرلمان والقانونيين حول إمكانية إصدار مقترح قانون متعلق بـ”العفو العام”.

ابتزاز بشار !

وفي استمرار لجرائمه، تأتي ورقة العفو كأداة ابتزاز في يد نظام الديكتاتور بشار الأسد، حيث تتحدث تقارير متواترة عن استغلال ظروف المهجرين والنازحين السوريين داخل البلاد وخارجها من أجل ابتزازهم، ودفعهم للانخراط في صفوف قواته وميليشياته المقاتلة، مقابل السماح لهم بالعودة إلى منازلهم ومناطقهم، وعقد “تسوية” معهم يكونون فيها الطرف “النادم والتائب” والمستعد لدفع ثمن العودة إلى “حضن الوطن” مقابل “الدولة” التي تعفو عن المخطئين، من دون أن يترتب عليها أية التزامات قانونية أو أخلاقية، وكان بشار الأسد أصدر في أواخر عام 2016 مرسوما تشريعيا يقضي بمنح عفو لكل “من حمل السلاح أو حازه لأي سبب من الأسباب، وكان فارًا من وجه العدالة، أو متواريا عن الأنظار، متى بادر إلى تسليم نفسه وسلاحه للسلطات القضائية المختصة” خلال مدة ثلاثة أشهر، فيما تحرص المعارضة السورية على تجديد مطالبها في كل اجتماعاتها الدولية برحيل بشار الأسد عن أية عملية سياسية، متهمة نظام الأسد بتحويل الشعب السوري إلى شعب لاجئ.

ديكور السيسي !

وعلى الرغم من أن لجنة العفو الرئاسية المشكلة أصدرت 3 قوائم للعفو ولازالت تعد الرابعة، إلا أن أسماء الجنائيين غلبت أسماء السياسين، فيما بقيت الأسماء الصادرة في القوائم مرتبطة بالشأن السياسي في مصر مغمورة، وهو ما يجعل البعض يتحدث عن أن قوائم للديكور السياسي أمام المجتمع الحقوقي الدولي دون معالجة حقيقية وفقا لمراقبين، وهو ما أشار إليه المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، حيث أكد على لسان أحد أعضائه البارزين أن “لجنة العفو الرئاسي تواجه بيروقراطية إدارية فيما يخرج الشباب المفرج عنهم بعفو رئاسي ليصدموا بالواقع، ويجدون أن مستقبلهم ضاع سواء في الدراسة أو العمل وليس لدينا حصر بأعداد الشكاوي بشأن المفصولين من عملهم من المعفى عنهم»، فيما بلغ عدد من صدر بحقهم العفو الرئاسى  653 شابا، خرجوا في ثلاث قوائم من إجمالي ما يقرب من 60 ألف معتقل بحسب أقل التقديريات، بعد مساومات وجلسات متعددة من جهاز الأمن الوطني في السجون خاصة سجن “العقرب 2 ” الذي بات يوصف بأنه مخزن العفو في السجون المصرية.

فشل بحريني !

ولم تفلح قرارات العفو الملكية في تغيير المشهد في البحرين؛ حيث  شهد البحرين عفوا عاما في عام 2001  عن جميع المعتقلين السياسيين وذلك قبل أيام من إجراء الاستفتاء الخاص بإجراء إصلاحات سياسية تتضمن إعادة الحياة النيابية جزئيا إلى البلاد، عندما كان العفو العام أحد المطالب الرئيسية للمعارضة البحرينية، للمشاركة في الحياة السياسية الجديدة، وهو ما تكرر في فبراير 2011، حيث أفرجت السلطات عن 308 أشخاص وذلك بعد العفو الملكي، إلا أن العفو لم يسفر عن شيء حيث تواصل قوى المعارضة رفضها للنظام الحالي المتهم بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان، كما أن كل المؤشرات تشير إلى استمرار الأزمة بين السلطة والمعارضة بعد أن زادت السلطة من تكريس حال الاضطهاد في البلاد على ما تقول المعارضة وسط أجواء من الركود السياسي والاقتصادي.