العدسة: محمد العربي

كشف قرار الحكومة المغربية تمويل بناء عاصمة جديدة لدولة جنوب السودان، عن استمرار التحركات المغربية لاختراق القارة الإفريقية التي تعد المغرب أحد أهم بواباتها مع الغرب، ورغم أن التكلفة التي رصدتها المغرب لم تكن باهظة لبناء عاصمة جديدة بديلة لجوبا الحالية، إلا أن التأثيرات التي يمكن أن تجنيها حكومة جلالة الملك، ليست بالبسيطة مقابل 5 ملايين دولار.

وعلى الصعيد الآخر فإن عزم الحكومة الجنوبية نقل عاصمتها الحالية التي تتوسط أقاليمها الثلاث، وولاياتها العشر، إنما يشير لتطور هام في دولة الجنوب التي بدأت تلملم أشلاءها بعد ثمانية سنوات من الحرب الأهلية التي بدأت مع الساعات الأولى للانفصال عن الدولة الأم السودان في يوليو 2011.

عاصمة جديدة .. لماذا؟!

وطبقا لتصريحات الحكومة الجنوبية فإن العاصمة الجديدة سوف تكون بمنطقة الغابات غير المـأهولة بالسكان، والتي تتوسط المنطقة الاستوائية، وحسب تصريحات المتحدث باسم الحكومة مايكل ماكوي لـ”أسوشيتد برس” فإنه “ليس من المفترض أن تكون عاصمتنا بالقرب من الحدود. العاصمة هي مركز كل شيء، ويجب أن يكون من السهل على الجميع القدوم إليها.”

وسيطلق على العاصمة الجديدة “رامسييل” وهي تقع في ولاية البحيرات في منطقة كانت في السابق محمية لوحيد القرن في الغابة، وسيكون تمويل التخطيط الأولي للمشروع بنحو 5 ملايين دولار من المغرب وستقوم كوريا الجنوبية بتنفيذه.

ومن المفترض أن يزور المهندسون المغاربة والكوريون الموقع خلال الأسبوع الجاري للبدء في ترسيم المناطق المخصصة للطرق والمرافق والأسواق والمناطق السكنية والمنشآت الحكومية الرئيسية.

وطبقا للحكومة الجنوبية أيضا فإن قرار نقل العاصمة الحالية لمكانها الجديد قد تم مناقشته خلال زيارة الملك محمد الخامس لدولة جنوب السودان في فبراير 2017، والذي وعد بدوره التمويل الأولي للمشروع.

ويرى المتابعون للشأن السوداني أن جوبا العاصمة الحالية لجنوب السودان، تقع في إقليم الاستوائية التي يتوسط الأقاليم الثلاثة للجنوب، وهم أعالي النيل بالقرب من إثيوبيا، وبحر الغزال بالقرب من الحدود الغربية للسودان، والاستوائية في الوسط.

وتعد جوبا مركزا تجاريا واقتصاديا وسياسيا، وهي العاصمة التي اختارتها حكومة السودان لتكون عاصمة الجنوب، لبعدها عن دائرة المواجهات المسلحة التي شهدها الجنوب طوال عشرين عاما بين الحكومة المركزية وحركة تحرير السودان، التي انتهت في النهاية بالاستفتاء على الانفصال في يناير 2011 ثم الانفصال في يوليو من نفس العام.

ويرى المتابعون أن هدف الحكومة الجنوبية من إنشاء عاصمة جديدة لها هو تأكيد هويتها الإفريقية خاصة وأن جوبا مازالت تحتفظ ببعض المظاهر التي تربطها بالشق الشمالي، كما أن الهدف هو محاولة التأكيد على أن الدولة الوليدة تبدأ حياة جديدة بعد الاتفاق على إنهاء الحرب الاهلية التي دمرت وشردت ملايين الجنوبيين.

لماذا المغرب؟!

يرى العديد من المحللين أن الاجابة على التساؤل السابق، يرتبط في الأساس بتحركات المغرب التي بدأتها منذ عامين في تثبيت أقدامها بالقارة السمراء، بعد انشغالا ملحوظا بالغرب، ما كلفها مواقف إفريقية أثرت على أبرز قضاياها الاستراتيجية وهو اعتراف معظم الدول الأفريقية بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، المعلنة من جانب واحد وهو جبهة “البوليساريو” بإقليم الصحراء، الذي تعتبره الرباط جزءاً من أراضيها، واعتراف الاتحاد الإفريقي بالجمهورية المتنازع عليها عضوا به، ما دفع بالمغرب لتعليق عضويتها بالاتحاد الإفريقي منذ عام 1984، قبل أن تعود إليه مرة أخرى قبل عامين.

وانطلاقا من الرأي السابق فإن المغرب اهتم خلال العامين الماضيين بتعويض ما فاته في القارة السمراء، حيث زار الملك محمد السادس ما لا يقل عن 14 بلداً افريقياً منذ اكتوبر2016، كما وسعت المغرب من تواجدها بمنطقة غرب ووسط القارة، ما جعل المملكة في مقدمة المستثمرين بهذه المنطقة بالاضافة لحضور دبلوماسي وديني مميز، وتشير البيانات الحكومية المغربية إلى أن استثمارات المغرب ترتكز في مجالات البنوك والاتصالات والاستشارات والعقارات والصناعة.

السر في الإخوان

ويرى محللون للشأن المغاربي أن تشكيل الإخوان المسلمين للحكومة بالمغرب منذ 2011، ساعد كثيرا في تليين مواقف المملكة الصلبة تجاه القارة الإفريقية، خاصة وأن المغرب يمكن أن يلعب دورا حضاريا وإسلاميا كبيرا بوسط وغرب وشرق دول الصحراء الافريقية، وهو ما لن يكلفها كثيرا، خاصة وأن هذه الدول بحاجة ماسة لكل الجهود الإقتصادية والسياسية والدينية كذلك.

وحسب بيانات البنك الأفريقي للتنمية فإن المغرب يحتل المركز الثاني بعد جنوب افريقيا من حيث الدول الأكبر استثمارا في القارة، ويمثل  القطاع المصرفي 52% من التواجد المغربي بافريقيا، بأكثر من 500 فرع لبنوك مغربية منتشرة في معظم المدن والعواصم الإفريقية، يليها قطاع الاتصالات بـ 26%.

كما يشارك المغرب إثيوبيا في بناء ثاني أكبر منصة صناعية مندمجة لإنتاج الأسمدة في القارة الأفريقية، بعد مصنع الجرف الأصفر في المغرب باستثمارات بـ 3.7 مليارات دولار، ويشارك كذلك نيجيريا تدشين مشروع خط إقليمي لأنابيب الغاز يربط موارد الغاز لنيجيريا بأسواق العديد من بلدان غرب أفريقيا والمغرب.

ووفقاً للدراسات الأولية للمشروع فإن أنبوب الغاز الأفريقي الذي سينطلق من نيجيريا سيمر على طول الساحل الأطلسي، من ساحل العاج، ثم يتجه شمالاً عبر بقية دول أفريقيا الغربية والسنغال وموريتانيا، وصولاً إلى المغرب على البحر الأبيض المتوسط، ويربط بالأنبوب المغاربي نحو جبل طارق وإسبانيا على مسافة نحو 6 آلاف كيلومتر، وسيمكن أنبوب الغاز من نقل نحو 30 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً، تزيد في إيرادات الدول المصدرة، وتساهم في تأمين مصادر الطاقة في شمال أفريقيا وغربها وتنويعها في البحر المتوسط وداخل أوروبا، في أكبر مشروع من نوعه سيربط بين قارتين، وستشمل فوائدة نحو 40 دولة أفريقية وأوروبية.

ويسعى المغرب باعتباره أكبر مُصَدِر للفوسفات على مستوى العالم، إلى استغلال هذه الميزة بإثبات حضوره في القارة بإنشاء 14 شركة تابعة له في نيجيريا، إثيوبيا، غانا، كينيا، موزامبيق، زيمبابوي، زامبيا، تانزانيا، أنغولا، الكونغو الديمقراطية، بنين، الكاميرون، السنغال وساحل العاج ، مستغلا توجه هذه الدول للزراعة الحديثة، وهو ما يخلق أسواقا جديدة للرباط، يمكن أن تقفز بأرقام تصديره إلى أكثر من ملياري دولار خلال عام 2019، في ظل تأكيدات البنك الدولي بأن عدد سكان نحو 20 دولة أفريقية تقع بجنوب الصحراء سيبلغ 800 مليون بحلول عام 2050، وهو عدد ضخم لا يمكن توفير الغذاء الكافي له من دون تعاون إقليمي.

وحسب المراقبين فإن التوجه الاقتصادي نحو القارة السمراء ساعد المغرب في اختراق مواقف العديد من دول القارة فيما يتعلق بقضية الصحراء، وتبني الطرح المغربي بحل أزمة النزاع في الإقليم من خلال الحكم الذاتي، وهو الطرح الذي أيدته دول مثل السنغال وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى والجابون والكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو.