نشرت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، يوم الأحد الموافق 12 سبتمبر/ أيلول 2021، بيانًا أعلنت فيه تسلمها قانون انتخاب رئيس الدولة بشكل رسمي، وهو صادر عن مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق شرقي البلاد، التي يسيطر عليها مجرم الحرب الليبي، الانقلابي خليفة حفتر. 

وقالت المفوضية إنها تسلمت “القانون رقم (1) لسنة 2021 الصادر عن مجلس النواب بشأن انتخاب رئيس الدولة”، موضحة أن القانون “يتضمن (77) مادة توضح اختصاصات الرئيس وشروط وإجراءات الترشح والاقتراع”.

ومن جانبه، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش: “أعلمني رئيس مجلس النواب بأن قانون الانتخابات الرئاسية تم اعتماده باعتباره القانون رقم 1 لسنة 2021”. وأضاف المسؤول الأممي خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الأزمة الليبية، عقدت الجمعة الماضية، إنه “يمكن تنظيم الانتخابات النيابية بناء على القانون الحالي مع احتمال إدخال تعديلات يمكن الموافقة عليها خلال الأسبوعين المقبلين”.

 

مجلس الدولة يعترض

وكان مجلس الدولة الليبي – الغرفة الثانية للبرلمان – قد حذر قبل أسابيع من محاولات يقودها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، المعروف بتبعيته لحفتر، والذي يعد الممثل السياسي له، يحاول صالح من خلالها تمرير قانون انتخابي على مقاس حفتر، دون تشاور مع الغرفة الثانية للبرلمان، وفق ما ينص عليه الاتفاق السياسي بين الأطراف المختلفة في ليبيا. 

فحين رفض صالح إشراك المجلس الأعلى للدولة في إعداد القوانين الانتخابية، كما ينص على ذلك الاتفاق السياسي قائلًا إن “مجلس النواب سلطة تشريعية تملك إصدار القوانين دون مشاركة من أحد”، حينها خاطب خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، المبعوث الأممي يان كوبيتش، في 15 أغسطس/ آب، يتهم فيه مجلس النواب بتجاوز بنود الاتفاق السياسي، والانفراد بمناقشة مشروع قانون الانتخابات القادمة، دون الرجوع إليه.

ورجعت حينها البعثة الأممية وأكدت على ضرورة إشراك المجلس الأعلى للدولة، في صياغة قوانين الانتخابات طبقًا للاتفاق السياسي، لكن عقيلة صالح رد عليها بأنه “ليس لديها الحق في إصدار التعليمات والقرارات”.

وكرر المشري مرارًا تحذيراته، حيث قال: “إذا كان مجلس النواب لا يريد الاعتراف بالاتفاق السياسي فهذا يعني عدم اعترافنا بمجلس النواب أصلًا”. ولفت المشري حينها إلى أن عدم الاعتراف بالاتفاق السياسي يعيد إلى مربع حكم المحكمة الدستورية بعدم صحة الانتخابات البرلمانية، وعدم شرعية مجلس النواب الموجود حاليًا، وأن الشرعية للمؤتمر العام.

الآن، وبعد إصدار القانون بشكل منفرد من قِبل عقيلة صالح، ألقى المشري كلمة أمام مجلس الدولة، قال فيها إن على مجلس النواب أن يتوافق مع مجلس الدولة لإصدار القوانين المتعلقة بالانتخابات بموجب ما نص عليه الاتفاق السياسي، مضيفًا أن تجاوز الاتفاق السياسي قد تكون له عواقب وخيمة، ومشددًا على أن يكون هناك توافق لإقرار القوانين. 

كما وصف مجلس الدولة إصدار صالح للقانون بالإجراء الأحادي، وبأنه “قانون معيب”، متهمًا رئيس مجلس النواب بالاستحواذ على سلطات لا يملكها بغرض عرقلة الانتخابات المقبلة.

 

بيانات منددة بالانفراد بإقرار القانون 

علاوة على ذلك، أعلن 22 عضوًا في مجلس النواب رفضهم هذه الخطوة التي قالوا إنها تخالف الإعلان الدستوري المؤقت، والاتفاق السياسي، والنظام الداخلي للبرلمان، متهمين رئيس مجلس النواب بعدم تقديم النص للتصويت البرلماني. 

ومن جانبه، أعلن عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، عبد الرزاق العرادي، انسحابه من الملتقى الذي يضم 75 عضوًا وتأسس أوائل 2021؛ رفضًا لمحاولات تمرير قانون انتخاب رئيس البلاد، الذي اعتمده صالح.

وبالطبع، فإن هذا الاعتراض الواسع على القانون الذي وصف بالمعيب، له أسبابه. فحفتر يراهن أكثر من أي وقت مضى على الانتخابات للوصول إلى السلطة، بعد أن يئس من أخذها بالقوة، خاصة في ظل الدعم العسكري التركي لطرابلس. ولذلك فهو يستخدم ممثله السياسي، عقيلة صالح، لتمهيد الانتخابات الرئاسية له، وتفصيلها على مقاسه. 

 

المـادة 12 تثير جدلًا واسعًا

وأثارت المـادة 12 من القانون جدلًا واسعًا، وربما هي أوضح دليل على نوايا معسكر حفتر للتغول على السلطة باستخدام بوابة الانتخابات. حيث تقول المادة إنه “يمكن لشخص عسكري الترشح لمنصب الرئيس شرط التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بـ 3 أشهر” وأنه “إذا لم يُنتخب فإنه يعود لسابق عمله”.

وكما هو واضح، فإن هذه المادة تسمح لحفتر بأن يكون جزءًا من معادلة الحكم في مستقبل ليبيا بأي طريقة، فإما أن يترشح حفتر للرئاسة ويحاول التلاعب بالنتائج، واستغلال الدعم المالي من الإمارات والسعودية، للتأثير على نتائج الانتخابات القادمة، والوصول لكرسي الرئاسة. وإما أنه يعود مرة أخرى لقيادة ميليشياته إذا خسر في الانتخابات. وهذا يضمن له أن يظل خنجرًا في قلب التجربة الديمقراطية في ليبيا، عن طريق تعطيلها.

 

موقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية 

بدورها، حثت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا اليوم الأطراف الليبية على إجراء الانتخابات في موعدها. وقالت الدول الخمس -في بيان مشترك صدر عن سفاراتها لدى ليبيا- إنها تنضم إلى المبعوث الأممي لدى ليبيا يان كوبيش في دعوة جميع الأطراف الليبية لضمان إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شاملة وحرة ونزيهة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

واعتبرت أن إجراء مثل هذه الانتخابات، وفق ما تم إقراره في خارطة الطريق لمنتدى الحوار السياسي الليبي بتونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والتي تم التأكيد عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2570، خطوة أساسية في تحقيق المزيد من الاستقرار وتوحيد ليبيا، ويجب احترام نتائجها من قبل الجميع.

وبالتأكيد، فإن عقد الانتخابات في موعدها هو في صالح الشعب الليبي، لكن الحديث الآن حول الأساس التي تُبنى عليه هذه الانتخابات. والذي من الممكن أن يعود بالبلاد إلى نقطة الصفر، بسبب استغلال عقيلة صالح سلطاته لتمهيد طريق حفتر لكرسي الرئاسة، باستخدام كافة الطرق الملتوية.