ربى الطاهر

تتصدر مصر اليوم البلدان الأسرع في حجب المواقع والصحف؛ فبعد تسع ساعات فقط من انطلاق موقع “كاتب” قامت السلطات بحجبه ليضاف الموقع المختص في شؤون الحريات ودعم حرية التعبير إلى قائمة طويلة من الصحف والمواقع والقنوات التي يتم حجبها وغلقها ومصادرتها خلال أيام أو ساعات في فترة تاريخية هي الأسوأ في تاريخ حرية الصحافة.

ففي 24 يونيو كان خالد البلشي، مدير تحرير الموقع ووكيل نقابة الصحفيين السابق ومعه طاقم الجريدة المكون من 12 صحفيًّا وصحفية يحلمون بتجربة صحفية جديدة تكسر القيود المفروضة على حرية التعبير وتمثّل بصمة خاصة بهم ترسخ وتنتصر للحرية وحقوق الإنسان.

فبدعم ومساندة من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان انطلق الموقع حاملًا أفكارًا وموضوعات متميزة تفتح نافذة للحرية الحقيقية التي يفتقدها القراء منذ فترة بسبب سياسة القمع التي تمارس ضد حرية الصحافة والصحفيين، حاملًا شعار “لا في يدي سيف ولا تحت مني فرس”، وهو بيت شعري من رباعيات صلاح جاهين.

ونظرًا لجودة المحتوى الذي يقدِّمه الموقع ولتناوله قضايا تخص الشارع المصري كالغلاء، وتبنيه لقضايا سجناء الرأي والمحبوسين، بلغت عدد مشاهداته 10000 مشاهدة بعد مرور ساعات قليلة على انطلاقه، رغم عدم اعتماده على أية وسيلة إعلانية أو ترويجية.

وبينما كان “البلشي” يتلقى التهاني بعد إعلانه عن انطلاق موقعه، فوجئ بعد ما يقل عن عشر ساعات بحجب الموقع وعدم قدرته على تصفحه.

وقد تفوَّقت مصر على كل الدول في سرعة وعدد المواقع المحجوبة التي بلغت حتى الآن 500 موقع، منها: مصر العربية، وكورابيا الرياضي، وديلي نيوز ايجبت، والمصريون، ومدد، والبداية، والبورصة، والبديل، ومدى، ومصريات المتخصص في شئون المرأة، وغيرها العشرات من المواقع والصحف والمدونات والصفحات الشخصية التي تحمل أفكارًا وتوجهات معارضة.

الأسرع حجبًا

إلا أنَّ حجب موقع “كاتب” الذي أغلق بعد 9 ساعات، قد عكس مدى رعب النظام وعدم مقدرته على مواجهة المعارضة لأقل من 24 ساعة، وبذلك يكون قد تفوق على بعض المواقع في سرعة الحجب، ومنها التي أغلقها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بَعْد 18 ساعة، مثل موقع “يزي أورج” عام 2005، كما قامت السعودية في عام 2010 بحجب موقع “الجمعية المصرية للتغيير”، بعد 15 ساعة من إطلاقه.

تجارب سابقة

ولـ”البلشي” المعروف بمعارضته وتوجهاته اليسارية حكاية مع حجب وغلق الصحف والمواقع التي يرأس تحريرها:

ففي عام 2010 أسس “البلشي” موقع “البداية الجديدة” الذي تمّ حجبه، وتبعه موقعه “البديل”، وكذلك تمت مصادرة جريدته “الوادي”، التي كان يرأس تحريرها بعد صدور أعداد قليلة منها، وكان لموقعه “البديل” الجديد في عام 2010، وقبل حجبه دور كبير في التمهيد لثورة يناير، ومن الجدير بالذكر أنَّ “البلشي” الذي يتبنى قضايا الحريات وحقوق الإنسان قد حصل في عام 2017 على جائزة نيلسون مانديلا للمدافعين عن حقوق الإنسان، التي ينظمها تحالف “سيفياكس” لناشطي ومنظمات المجتمع المدني، تقديرًا له على جهوده المبذولة ومدافعته عن قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان، رغم ما يتعرض له من ضغوط تمارس ضده وأحكام قضائية وتهديدات لوقف مسيرته وتوجهاته.

وقد سبق وحكم على “البلشي” مع نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش، بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ، فيما عُرِف بدعوى إيواء صحفيين مطلوبين أمنيًّا.

وفي تعليقه على إغلاق موقعه “كاتب”، قال “البلشي” في تصريحاته: إن النظام يسعى لتأميم الصحافة وإسكات أي صوت معارض له، وإن الأمر تعدَّى المنطق، وكأنه يقول أنا الصحافة والصحافة أنا.

وقد أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان استمرارها في إصدار الموقع ومساندته رغم ما يتعرض له من حجب، وقال جمال عيد مدير الشبكة: إن قرار الحجب كان متوقعًا من البداية، وإن السلطة مستمرة في سياستها القمعية لكل صوت معارض.

هذا وقد تعرضت مصر لانتقادات من العديد من الدول والمنظمات الدولية، لتبنيها سياسة حظر المواقع وحجبها؛ حيث يصعب على الموقع الذي يتم حجبه أن يستمر لصعوبة تصفحه وصعوبة وصول إعلانات لموقع محظور، وهو ما أدَّى لتوقف معظم المواقع عن الصدور نهائيًّا، وبعضها خفض من نسبة العاملين به بنسبة تزيد عن 60% لعدم قدرتها على دفع رواتبهم، كما حدث مع موقع “مصر العربية” و”المصريون” و”كوربيا”، وغيرها الكثير.

ومن المتوقع أن يزيد عدد المواقع المحجوبة والصحف المصادرة وتدهور حرية التعبير بعد صدور قانون تنظيم الصحافة والإعلام؛ لأنَّ الحظر بموجب المواد 4 و 5 و19 يصبح قانونيًّا كما يرى الكثير من الإعلاميين والصحفيين المعارضين لهذا القانون، وقد أكّد محمد سعد عبدالحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين في تصريحاته أن الحجب سيزداد بموجب القانون الذي أجمعت أغلبية مجلس النقابة على رفض من 12 إلى 16 مادة منه، وأن مواد القانون ستزيد نسبة البطالة بين الصحفيين بسبب إغلاق صحفهم وتشريدهم.