العدسة – ياسين وجدي:

خروج ذكى قامت به الدوحة في توقيت قاتل من منظمة باتت خيال مآتة بسبب إجراءات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المنفردة ، والتي قد تضع من تبقى في المنظمة في مهب الريح.

“العدسة” رصد الأوضاع الحالية لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ودلالات انسحاب قطر في ظل تصاعد معركة النفط ، وتأثيراتها على الأوضاع في المملكة السعودية التي باتت رهن هزائم مستمرة لولي العهد المراهق وفق تحليلات متواترة.

إلغاء المنظمة

بعد عضوية 57 عاما في منظمة أوبك ، قررت قطر اتخاذ القرار الصعب بالانسحاب من المنظمة اعتبارا من يناير المقبل ، مبررة ذلك بأسباب فنية وإستراتيجية وليست سياسية بعدما بحثت في إستراتيجيتها طويلة المدى وفق وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد الكعبي ، والذي كشف عن أن بلاده ترى أن من المهم أن تركز على السلعة الأولية التي تبيعها بشكل رئيسي، في إشارة إلى الغاز الطبيعي موضحا أن قطر ستعلن عن شراكات دولية كبيرة الأشهر المقبلة.

ورغم أن  قطر ضمن قائمة أكبر مصدري النفط الخام في العالم، إلا أن الدوحة بحسب وزيرها النفطي الكعبي ترى أن تركز جهودها على تنمية وتطوير صناعة الغاز الطبيعي، وعلى تنفيذ الخطط التي تم إعلانها مؤخراً لزيادة إنتاج الدولة من الغاز الطبيعي المسال من ٧٧ إلى ١١٠ مليون طن سنويا ضمن ملامح استراتيجية مستقبلية ترتكز على النمو والتوسع في قطر وخارجها.

الخطوة وإن جاءت رسميا في قطر في إطار تطلعات اقتصادية أخرى ، إلا أن مختصين يرون انسحاب قطر، من “أوبك”، في هذا التوقيت بالذات، احتجاجي لعامل أساسي هو شعورها بتهميش العمل المؤسسي في المنظمة وخروج السعودية عن النسق المحدد للعمل داخل أطر المؤسسة الدولية بما يلغي المنظمة عمليا ، وقال خبير نفطي موالي للسلطات السعودية في هذا الاطار : “التنسيق الدائم والمستمر بين السعودية وروسيا  استثار قطر وحرك غضبها كونها لا تستشار إطلاقاً”!!

ومع مطلع الشهر الجاري جاء الاتفاق السعودى الروسى المنفرد على تمديد الاتفاق بشأن تخفيض إنتاج النفط، دون تحديد كمية التخفيض، بقرار ثنائي من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، وتهميش للمنظمة التي ألغيت عمليا بناء على تصريح “بوتين ” ضمن تعليقه على الاتفاق : ” القرار النهائي لم يتخذ بعد بشأن الحجم، لكننا سنقوم بذلك سويا مع السعودية. ومهما كان الرقم النهائي بموجب القرار المشترك، فإننا سنتابع الأوضاع في السوق ونتعامل معها بسرعة”، وذلك رغم أن هناك اتفاق في منظمة أوبك بشأن تخفيض الإنتاج دخل حيز التنفيذ في بداية عام 2017، وفي وقت لاحق تم تمديده حتى نهاية عام 2018  .

ورغم ذلك ذهبت دول الحصار لحملة تضليلية عقب القرار فالمنصات السعودية الرسمية ، ومنها موقع “سبق” الالكتروني الذي زعم أن “كل شيء تمام” وأن قطر لا تستطيع التأثير بقرارها على المنظمة متذرعة بأنها تنتج أكثر من ٦٠٠ ألف برميل يومياً، وليس لديها طاقة إنتاجية فائضة، وأن إندونيسيا سبقتها وخرجت عن المنظمة ولم تؤثر ، مؤكدة كذلك أن الصدع أصلا موجود في مجلس التعاون وبالتالي الانسحاب لن يزيد صداعا متواجدا بالأساس وفق ما ترى، فيما زعم موقع اليوم السابع المصري الموالي للسلطات أن القرار يهدف لمغازلة أمريكا فى ظل رغبة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى زيادة الإنتاج من النفط، فى المرحلة الراهنة، تزامنا مع العقوبات المفروضة على طهران، ولم تقدم أى دلائل ما جاء في تقريرها، وبين هذا وذاك ضاعت حقيقة تفجير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمنظمة من الداخل بمساره المنفرد عن العمل المؤسسي وخدمته لمطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل كامل بحسب مراقبين !

مراهقة جديدة

ولي العهد السعودي يجيد الخسارة فيما يبدو ، ولكن ضربة النفط ستكون موجعة بحسب المراقبين له ، خاصة مع التناقضات التي يسير فيها في الفترة الأخيرة في محاولة للخروج بأي شكل من تورطه في مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي.

وبحسب المتابعين للشأن النفطي السعودي فإن المملكة السعودية، باتت في عهد محمد بن سلمان بمثابة “حصان طروادة” الأميركي، التي تسببت وعود ملكها سلمان للرئيس الأميركي دونالد ترمب، في انهيار الأسواق بسرعة بالغة، رغم أن ذلك يأتى على حساب موازنة “بن سلمان” المتراجعة منذ أعوام ثلاثة، وهو ما ظهر في كواليس قمة العشرين عقب تهاوي أسعار النفط إلى دون 59 دولارا للبرميل هذا الأسبوع، من 85 دولارا في أكتوبر الماضي، وحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضبطه بأي ثمن في لقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان هنالك.

الأب كان واضحا لأبعد حد من ابنه المراهق ، فالعاهل السعودي وعد الرئيس الأمريكي بزيادة الإنتاج عند الحاجة وبأن لديه القدرة على إنتاج مليوني برميل يوميا إضافية، ولم تمض ساعات على وعده حتى هبطت أسواق النفط بعد صعود تخطى ما وصلت إليه في شهر نوفمبر 2014 ، بينما الابن يتلاعب بالسوق حسبما يجد طوق نجاته ، حتى لو جاء ذلك على حساب تهديد مستقبل أسعار النفط، وبالتالي موازنة المملكة، التي تعتمد في ثلثي إيراداتها على النفط الخام، كما يمثل نسبة أخرى من الصادرات المُصنعة أيضا، تبوبها الحكومة في “الإيرادات غير البترولية”.

ترك قطر لمنظمة “أوبك” ، يجعل قرارها خالصا لها ، في ظل تقدير لظروفها ، بحسب المراقبين ، بعيدا عن مواءمات ولي العهد السعودي التي تحاول تعويض تخصيص بلاده ثلث الإنفاق العام على فاتورة الأمن والقوات المسلحة، تلبية لفاتورة حرب اليمن، التي تستقطع المزيد من المصروفات غير المعلنة غالبًا، بعد استحواذه على 83 مليار دولار، من إجمالي الموازنة المقدرة بنحو 261 مليار دولار، و كذلك بعد فشل طرح شركة “أرامكو” العملاق النفطي، والذي كان مقررًا له العام الحالي، بعد عزوف المستثمرين والبورصات عن التجاوب مع ما كان مفترضًا أن يكون الطرح الأضخم في التاريخ، بدفع من معرفة بالتدخلات السياسية في عمل الشركة، وعدم الشفافية في إداراتها.

ولعل خطوة قطر تؤجج حراكا ضد المنظمة المختطفة بحسب وصف البعض ، يعززها الثورة التي حدثت في العام 2015 داخل جدران منظمة الدول المصدرة للنفط، “أوبك” ضد السعودية ، وخرجت للعلن بين السعودية ومنتجي النفط الأصغر مثل فنزويلا والجزائر، حيث كانت هذه الدول ترغب بالتقليل من إنتاج النفط للمساعدة برفع أسعاره ودعم أوضاعهم الاقتصادية السيئة، ووصفها وقتها المحلل البارز في المجال النفطي فاضل غيث ما يحدث في المنظمة بأنه “لم يكن بهذا الشكل من الانقسام في أي وقت سابق”.

وفي هذا الإطار فإن مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية ذهبت في تقرير حديث لها بعنوان “الحرب التي أخفقت فيها المملكة العربية السعودية”، إلى التأكيد على أن السعودية خسرت ما أطلقت عليه المجلة “حرب النفط”، بعدما فشلت المملكة في الهيمنة عليه خلال الفترة الماضية، متوقعة أن تسعى المملكة بكل قوة للهروب من اعتمادها على النفط، بعد أن أدركت أن سياساتها كانت فاشلة في الفترة من أعوام 2014 و2016، مؤكدة أن الرياض اضطرت لقبول حقيقة أن أيام هيمنتهم على أسواق النفط العالمية قد ولت، ويمكن ألا تعود مجددا أيضا، وهو ما يبدو أنه شعار المملكة في عهد “بن سلمان” ، الذي يبدو أنه قد يخسرها نفسها قبل أن يصعد لكرسي العرش.