العدسة: محمد العربي

ما الذي يحدث في الإمارات؟ سؤال يدور في أذهان الآلاف من الاقتصاديين والمؤسسات العاملة في مجال المال، لسرعة الانهيار الذي تشهده إمارة دبي؛ قاطرة وعنوان الاقتصادي الإماراتي، فبعد أقلّ من يومين على تقارير متخصصة أشارت لغلق 1000 شركة بدبي في يوم واحد، جاء إعلان شركة “ماريوت إنترنشونال” العالمية عن إنهاء علاقتها بثلاثة فنادق كبرى بدبي، بعد أن توصلت لقرار مشترك مع شركة “مجموعة الحبتور” المالكة للفنادق.

أسباب غامضة:

وإن كانت شركة الفنادق العالمية قد اكتفت في بيانها الذي أصدرته في العاشر من تموز/ يوليو الجاري بأنها سوف تنهي إدارتها لفنادق “سانت ريجيس دبي”، و”دبليو دبي الحبتور سيتي”، و”ويستن دبي الحبتور سيتي” بنهاية الشهر الجاري، وأنَّ إدارة الفنادق الثلاثة ستُنقل إلى “مجموعة الحبتور”، وأنَّ الفنادق لن تَعُد بعد اليوم جزءًا من محفظة العلامات التجارية العالمية “سانت ريجيس″، و”دبليو”، و”ويستن”، إلا أنَّ المتابعين لتطورات دبي أكَّدوا أن قرار “ماريوت إنترناشونال” يأتي في ظل الحديث عن موجة الإغلاق التي تشهدها الأماكن السياحية بدبي، والتي شملت فنادق ومطاعم وحانات ومحلات تجارية، وهو الإغلاق الذي يتزامن مع فصل الصيف الأكثر جذبًا للسياحة بالإمارة التي كانت غنية.

الذوبان في الصحراء

وحسب مقال هام نشره موقع “موديرن دبلوماسي” لرجل المال والاقتصاد العالمي مير محمد علي خان الذي عمل مديرًا تنفيذيًا للعديد من المشروعات الكبرى بدبي، فإنَّه توقع في عام 2016 أن تشهد دبي انهيارًا اقتصاديًا قبل نهاية عام 2018، وهو ما يحدث الآن بشكل واضح، ووصف خان ما يحدث لاقتصاد دبي بأنَّه “يذوب مثل ذوبان حبة مثلجات في حرّ الصيف على شاطئ الجميرة”، موضحًا أنَّ السياسة المالية التي اعتمدت عليها دبي توضِّح سبب هذا الانهيار السريع؛ حيث خلقت الإمارة ظاهرة اقتصادية فريدة وهي (أدين لك وسأدفع لك لاحقًا).

ويؤكّد الخبير المالي في مقاله الذي نشره قبل أيام، وأحدث دويًّا عالميًّا في أسواق المال وعالم السياسة، أنَّ دبي تحوَّلت لمحفظة دائنين؛ فهي تحصل على صك من رجل أعمال (شيك بنكي) لتعطيه لآخر كان بحاجة له، وهكذا مع معظم عملائها حتى صارت المدينة تعيش على اقتصاد وهمي ليس له مثيل، خاصة وأنَّه في حالة فشل رجل أعمال واحد في السلسلة بالوفاء بالتزامه المالي تنقطع السلسلة بأكملها، ولذلك تواجه أكبر الشركات تدهورًا في أوضاعها، ويمكن لصكوكها ألا تُصرَف، أما الأغرب من ذلك فإنَّ رجل الأعمال لا يُعطَى فرصة لإعادة التفاوض على طريقة دفع الدَّيْن، بل ترفع شكوى ويتم اعتقال رجل الأعمال، ولتجنب الاعتقال يهرب رجل الأعمال، تاركًا عمله لينهار تمامًا، دون وجود فرصة لحصول مستحقي الصك على أموالهم.

أرقام مرعبة

ويشير خان في مقاله أنَّه منذ كانون الثاني/ يناير 2018 حتى نهاية آيار/ مايو 2018 تم رفض صرف صكوك بقيمة 26 مليار درهم (سبعة مليارات دولار)، وأنَّ عدد الصكوك المرفوضة 1.2 مليون صك، وهو ما نسبته 39.3% من مجموع الصكوك المؤجلة الصادرة عام 2017 لتصرف عام 2018، وعندما حان وقت صرفها رُفضت”.

وفيما يتعلق بسوق العقارات يشير خان أنَّ العقارات التي كانت تباع بـ2300 درهم للقدم المربع، تباع الآن بأقل من 600 درهم للقدم المربع، أي أنها تباع بربع قِيمتها، كما أنَّ الفنادق خفضت أجورها بنسبة30%، وأغلق 18 فندقًا الشهر الماضي فقط، بما في ذلك (سافوي) و(رمادا) و(ريتشموند) و(كريست) و( جارموند)، كما أنَّ متاجر الذهب معظمها فارغ لأول مرة منذ 35 عامًا.

وبعيدًا عما كشفه خان عن وضع اقتصاد دبي المنهار، فإنَّ هناك مؤشرات أخرى تشير لذلك حيث بدأ مؤشر بورصة دبي مطلع العام بهبوط 15%، ليحتل بذلك المرتبة الأولى في قائمة أسوأ المؤشرات أداءً في المنطقة، وهو ما أرجعه المتابعون لقضية أبراج كابيتال العالمية التي تواجه العديد من قضايا الفساد والعمولات والشيكات بدون رصيد، والتي كان آخرها شيك بنحو 177 مليون درهم (48 مليون دولار) ضد مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي.

أسباب الانهيار الأربعة

وطبقًا للخبراء الذين بحثوا عن أسباب الانهيار الاقتصادي المتواصل بالإمارات، فإنَّ هناك أربعة أسباب سياسية هي التي جعلت دبي تدفع ثمن أخطاء حكام الإمارات، في مُقدِّمتها الدعم المفرط الذي قدَّمته الإمارات من خلال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد للانقلابات العسكرية التي جرت ضد بلدان الربيع العربي، وخاصة مصر وليبيا ثم اليمن، وتورُّطه في العديد من الانقلابات الفاشلة بتركيا وتونس وسلطنة عمان؛ حيث أنفقت الإمارات عشرات المليارات على هذه الانقلابات؛ منعًا لوصول التيارات الإسلامية للحكم، الأمر الذي يعتبر تقصيرًا في أبرز أدوار بن زايد، وهو الحفاظ على أمن إسرائيل فإنه بمثابة رجلها القوي في المنطقة الآن.

وطبقًا للخبراء فإنَّ السبب الثاني هو تورُّط الإمارات في الحرب الدائرة باليمن، والتي كانت سببًا مباشرًا في أزمة اقتصادية مشتركة لكلّ من السعودية والإمارات، بينما يأتي السبب الثالث في اعتماد الإمارات على جيش من المرتزقة ومجرمي الحروب سواء في تثبيت أركان حكام الإمارات وخاصة أبو ظبي، أو في دعم أصدقائها من الانقلابيين، كما جرَى في فضّ اعتصام رابعة العدوية منتصف آب/ أغسطس 2013 لأنصار الرئيس المصري محمد مرسي، في ظلّ تأكيدات متعددة أنَّ مرتزقة تابعين للإمارات شاركوا في عملية الفضّ التي استمرَّت 12 ساعة كاملة، وهو نفس الجيش الذي يقوم بعمليات قذرة في اليمن الآن.

واستدلَّ الخبراء بتقرير حديث لمعهد “ستراتفور” الأمريكي عن التوسع العسكري الإماراتي في القرن الإفريقي، سواءٌ من خلال القواعد العسكرية باليمن أو إريتريا، وتحديدًا في جزر دهلك، التي قامت الإمارات باستئجار مينائها الرئيسي، وكذلك معتقل وسجن نخرة بمنطقة أرخبيل دهلك، ونقلت إليه مخالفيها من اليمنيين.

أما السبب الرابع الذي اعتبره المتابعون مُكمِّلًا لأسباب انهيار دبي فهو التوسع غير الطبيعي لشركة موانئ دبي في شراء واستئجار الموانئ على مستوى العالم والتي بلغت 75 ميناءً عالميًا، والأهم فيها المطلة على البحر الأحمر والقرن الإفريقي، تلبية للإدارة الأمريكية التي تُسيْطر على هذه المنطقة الهامة من خلال رجلها الإماراتي الغني بالمنطقة.

دبي أم الإمارات؟!

ويبدو التساؤل المنطقي عما تشهده دبي، هو مدى تأثير هذه الأزمة على الاقتصاد الإماراتي ككل، في ظلّ النظام الاتحادي الفيدرالي الذي تقوم عليه الإمارات، خاصة وأنَّ اقتصاد الدولة يقوم بالأساس على البترول؟

وطبقًا للمختصين فإنَّ دبي تمثِّل أهمية كبرى في الاقتصاد الإماراتي؛ فهي بمثابة سوق المال والاقتصاد للدولة الأم، ولذلك لم يكن غريبًا أن تتدخل حكومة أبو ظبي في دعم حكومة دبي لتجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 رغم المنافسة بين الأسرتين الحاكمتين بالولايتين (آل زايد وآل مكتوم)، مقابل نقل ملكية مثيرٍ من الأصول الهامة لأبو ظبي، مما جعل دبي جزءًا هامًا لا ينفصل عن الاقتصاد الكلي للإمارات، وهو ما زاد بعد سيطرة رجل الإمارات القوي محمد بن زايد على طموح منافسه بدبي محمد بن راشد.

ويضاف لما سبق أنَّ الأوضاع الاقتصادية في الإمارات الباقية تشهد أزمات متلاحقة حيث تشهد إمارة الشارقة الهادئة سلسلة أخرى من غلق المصانع والفنادق، ربما لم تحظَ بنفس التغطية الإعلامية لما جرى في دبي. كما كان لقرار الحكومة المركزية بفرض ضريبتي القيمة المضافة والضريبة الانتقائية على عددٍ من السلع بنسبة 5%، قبل نهاية 2017- تأثير ملحوظ وسريع على زيادة نسبة التضخم التي وصلت لـ 2% في الربع الأول من العام الجاري.

وهو ما تزامن أيضًا مع فرض ضرائب مركزية على الشركات، وهو ما اعتبره الخبراء إرهاقًا إضافيًا للقطاع الاقتصادي في ظلّ وجود ضرائب بالفعل تفرضها حكومات الولايات، وبالتالي فإنَّ الشركات بات عليها دفع ضريبتين الأولى محلية والثانية مركزية، وهو ما دفع أصحاب المشاريع الصغيرة، لطلب الحكومة المركزية بإعادة النظر في منظومة الرسوم المفروضة على قطاع الأعمال، لاسيما المشاريع الناشئة والصغيرة.

وطبقًا للبيانات الإحصائية للهيئة الاتحادية للجمارك فقد ارتفاع الإجمالي العام لحجم التجارة الخارجية غير النفطية للدولة (تجارة مباشرة ومناطق حرة ومستودعات جمركية) خلال 2017 إلى 1.612 تريليون درهم، مقابل 1.599 تريليون درهم 2016، وبزيادة قيمتها 13 مليار درهم. مما يعكس بشكل واضح الركود وعدم النمو في الأداء الاقتصادي للدولة رغم ما تتميز به الدولة من محفِّزات اقتصادية من جهة، واستحواذها على تشغيل نحو 75 ميناءً حول العالم من جهة ثانية.