الحسابات الوهمية على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” كانت السبب الرئيسي في إذكاء نيران الأزمة

نشر موقع الجزيرة الإخباري في نسخته الإنجليزية مقالة قالت انها ستكون ضمن سلسلة مقالات حول التغيير الذي طرأ على موقع “تويتر” في الشرق الأوسط منذ بداية الربيع العربي في 2011، وكيفية استغلال الموقع من قبل الحكومات والأنظمة للتأثير على الرأي العام في الأوقات السياسية الصعبة، أو تضييق الخناق على النشطاء الحقوقيين ومعارضي الدولة ومحاربتهم باللجان الاليكترونية عن طريق إنشاء آلاف الحسابات الوهمية التي تدعم الحكومة وأجندتها.

 

خلفية

منذ بداية الحصار المفروض على قطر بقيادة المملكة العربية السعودية انضم لموقع “تويتر” عدداً من الحسابات المزيفة التي تخدم أجندة معينة شاركت في التأثير على الرأي العام.

 

الأزمة الخليجية

في السادس من يونيو/حزيران 2017، استيقظ العالم على أزمة سياسية كبيرة في الشرق الأوسط، بعد قيام الرباعي السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر بزعم أن قطر تدعم “الإرهاب” وتعمل على “زعزعة استقرار المنطقة”، وهي الاتهامات التي تنفيها الدوحة باستمرار.

ما لم يعرفه الكثيرون أن أهم الأسس التي يرتكز عليها الحصار تم الترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأهمها موقع “تويتر”.

وقد خلصت الجزيرة في دراستها إلى أن المعركة الاليكترونية عبر الإنترنت، والتي بدأت في الأشهر التي سبقت أزمة مجلس التعاون الخليجي، لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

 

لجان اليكترونية قبل بدء الحصار

باستخدام أنظمة تحليلية تعتمد على جمع البيانات ومعالجة اللغة، قامت الجزيرة بتحليل أكثر من 2.3 مليون تغريدة تم نشرها من حوالي 2400 حساباً في الفترة بين يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول 2018.

نتائج التحليل كشفت أن الحسابات المشار إليها عدد كبير منها إما “روبوتات” تعمل بصورة آلية بشكل كلي أو جزئي، وهو ما يعرف باللجان الاليكترونية، تستخدم للترويج لأفكار أو آراء معينة، أو محاربتها، وقد وجد التحليل أن تلك اللجان الاليكترونية تلعب دوراً هاماً في الترويج لفكرة الحصار.

وأورد الموقع عن مارك أوين جونز- أستاذ مساعد دراسات الشرق الأوسط بجامعة حمد بن خليفة في الدوحة، قوله للجزيرة بأنه “خلال الشهرين اللذين سبقا الأزمة الخليجية، تم إنشاء شبكة من اللجان الاليكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي وبالتحديد تويتر، تبنت بث رسائل معادية لدولة قطر”.

وأضاف أنه قضى السنوات الماضية في البحث في مدى تأثير تويتر على الشرق الأوسط بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص وكيفية استخدامه في التلاعب بالرأي العام للترويج لأفكار معينة، وكشف أن “المنهجية التي استخدمتها لتحديد هذه اللجان الاليكترونية اعتمدت على النظر إلى تواريخ إنشاء تلك الحسابات بصورة أساسية”، موضحاً أنه “إذا رأيت عدداً كبيراً من الحسابات تم إنشاؤها في نفس اليوم تغرد على نفس الموضوع ولا تتفاعل مع الناس بصورة طبيعية، يمكنك أن تكون على يقين من أنها لجان اليكترونية”.

وتابع جونز في تصريحاته للجزيرة “الكثير من الحسابات المزيفة التي تابعناها، كان العامل المشترك بينها تاريخ الانشاء الموحد، مع تبني نفس الأفكار والرسائل المعادية لدولة قطر، وأكدت المعلومات الشخصية لهم أنها حسابات أنشأت للنيل من سمعة دولة قطر وتشويهها”.

أظهرت الأبحاث التي أجراها جونز حول استخدام “تويتر” في التلاعب بالرأي العام وتوجيهه  أثناء أزمة الخليج، إنشاء عدد كبير من اللجان الاليكترونية، والتي حاولت تكثيف التغريد على عددا من الوسوم التي تخدم أفكاراً معنية بصورة كبيرة، مع نشر أخباراً مزيفة، وخلق بروباجندا خاصة قبل وبعد فترة وجيزة من بدء الحصار.

جونز قال إن “أهداف هذه الشبكات لا تقتصر فقط على توجيه الرأي العام لدعم فكرة معينة، أو معالجة آراء أخرى، بل تركز أيضاً على حث الأشخاص الحقيقيين للنشر والتغريد على الوسوم التي قاموا بالترويج لها”، متابعاً “لقد لاحظنا هذا الشيء كثيراً في أزمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة، حيث تم تفيل بعض تلك الوسوم بواسطة تلك اللجان الاليكترونية”.

وأضاف أن أصحاب الرأي المؤثرين والمدونين البارزين على شبكة تويتر في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قاموا بالتغريد لاحقًا حول الموضوعات التي طرحتها تلك اللجان الاليكترونية، ليتم التغريد حولها فيما بعد من قبل الأشخاص العاديين.

وبين التحليل الذي أجرته الجزيرة أنه مع مرور الوقت، والانشغال بأمور أخرى غير الحصار من قبل المجتمعات المختلفة، لا تزال اللجان الاليكترونية المشار اليها قائمة ومستمرة في النشر حول ذات المواضيع، مع الترويج لبعض التغريدات السياسية.

من ناحية أخرى، أظهرت نتائج التحليل أنه في الوقت الذي وجد فيه بحث “جونز” وجود لجان اليكترونية كثيرة تدعم من أفكار دول الحصار، وجد التحليل أن هناك لجان اليكترونية أخرى تقوم بدعم بدولة قطر والترويج لها، أي أن التغريدات التي تم نشرها على وسوم معينة تدعم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كـ “تميم المجد”، وغيرها من الوسوم الأخرى، تم نشرها من قبل آلاف الحسابات المزيفة مما زاد من انتشار تلك التغريدات بشكل كبير.

على الجانب الآخر، نشرت الحسابات الوهمية التابعة لدول الحصار آلاف التغريدات على وسوم تعادي الدولة القطرية، كـ “قذافي الخليج”، و”الصهاينة في قطر”.

مشاهير المدونين على “تويتر” قاموا بمساعدة تلك الحسابات الوهمية بصورة كبيرة عن طريق التغريد على الوسوم التي روجوا ليها، أو إعادة نشر التغريدات أو مقاطع الفيديو التي قامت تلك الحسابات بنشرها، ليصبح هؤلاء المدونين أحد أهم الأسلحة التي تستخدمها تلك الحسابات الوهمية.

 

لجان إليكترونية في الجانبين

في تصريحاته لقناة الجزيرة قال أليكسي أبراهامز- من Citizen Lab في جامعة تورنتو، بأن استخدام اللجان الاليكترونية للترويج لرسائل معينة بإعادة تغريدها، هي خطوة ذات مخاطر قليلة ونتائج إيجابية كثيرة.

وبحكم قيامه بالتحقيق والبحث في كيفية التلاعب بمنصات التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام في منطقة الخليج العربي، أكد أبراهامز للجزيرة “من وجهة نظر البرمجة، لا يوجد أسهل من إنشاء حسابات وهمية وإعادة تغريد ما يكتبه الآخرون”.

وأضاف “إن كنت نظاماً، فيمكنك بميزانية بسيطة إنشاء ملايين الحسابات الوهمية التي ستغرد لدعم هذا النظام، إما عن طريق التغريد على بعض الوسوم التي ستنشأ للترويج لذات الفكرة، أو عن طريق إعادة تغريد ما يقوله المسؤولون الحكوميون لجعلها تبدو وكأنها لاقت تأييداً شعبياً أكثر مما هي عليه”.

وهي تحليلات اتفقت معها تحليلات الجزيرة لبعض الحسابات التي حددتها وأجرت عليها البحث، حيث تطابقت سلوكها من خلال نشر عدد كبير من التغريدات مع عدم التفاعل مع المستخدمين الآخرين.

قناة الجزيرة قامت بتحليل نشاط بعض الحسابات التابعة لشخصيات مشهورة كسعود القحطاني وتركي آل الشيخ، وكلاهما مستشاران للعائلة المالكة السعودية، تم ملاحظة قيام عدد كبير من الحسابات الوهمية واللجان الاليكترونية بإعادة تغريد تغريداتهم، مما زاد من الوصول إلى وسوم معينة قاموا بإنشائها.

القحطاني، وهو أحد الأشخاص المشتبه في تورطهم بصورة كبيرة في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، أُطلق عليه لقب “سيد الذباب الاليكتروني”، في إشارة إلى اللجان الاليكترونية التي تقوم بإعادة تغريد ما يقوم بنشره.

ووفقًا لتحقيق أجرته مؤسسة الأبحاث المستقلة Bellingcat ، قام القحطاني بزيارة العديد من مقار بعض المواقع الإلكترونية في السنوات الأخيرة حيث “سعى لتفعيل النشاط على منصات التواصل الاجتماعي الكبرى” بما يخدم أجندته.

على الجانب الآخر، تم ملاحظة نمط مشابه لذات السلوك الذي قامت به اللجان الاليكترونية الداعمة لدول الحصار، ولكن لدعم دولة قطر ضد الحصار المفروض عليها، بقيام آلاف من الحسابات الوهمية بإعادة تغريد ما ينشره الأمير جوعان بن حمد آل ثاني، ورجل الأعمال القطري البارز عادل بن علي.

من الجدير بالذكر أن حسابات بعض المنافذ الإعلامية المؤثرة لوحظ أن عدد ضخم من الحسابات الوهمية واللجان الاليكترونية يقومون أيضاً بإعادة تغريد ما يقومون بنشره، كحساب قناة الجزيرة والسعودية نيوز50.

 

الهدف هو خلق الشك

جونز علق على هذه الظاهرة بقوله “على الرغم من أننا نرى أجندة سياسية شاملة وراء هذه الحملات، إلا أنه من الصعب حقاً تحديد من يقف وراءها”.

من ناحيتها، أكدت منى السواح -من مشروع بحوث الدعاية الحاسوبية في جامعة أكسفورد، إن إنشاء عدد هائل من هذه الحسابات الوهمية يتطلب موارد ضخمة، حيث قالت ” أي شخص يريد التلاعب بالمحتوى المنشور على الانترنت، يمكن أن يكون نظاماً، أو حزباً سياسياً، أو إنسان عادي.

هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم فعل ذلك منفردين، إنهم يوظفون أشخاصاً يستطيعون تصميم برامج لإنشاء تلك اللجان الاليكترونية، وفي بعض الأحيان يتم الاستعانة بصانعي روبوتات أجانب، ليس بالضرورة أن يكونوا أصحاب توجه سياسي، ولكنهم على الأقل على دراية تامة بكيفية برمجة برامج إنشاء تلك اللجان الاليكترونية”.

الجزيرة لاحظت أيضاً أن العديد من تلك الحسابات الوهمية تتبع سلوكاً موحداً أيضاً، كنشر مواد إباحية وإعلانات تشير إلى الأشخاص الذين تم توظيفهم لإنشاء تلك اللجان.

وأكدت الجزيرة أنها لم تتمكن معرفة هوية الأشخاص أو البلدان التي تقف وراء إنشاء هذه اللجان الاليكترونية وتساهم بصورة كبيرة في تفاقم الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل ترى إنه من المستحيل الوصول إلى ذلك.

ووفقا لأبراهامز، فإن معظم التغريدات المنشورة من قبل تلك الحسابات، لم تهدف إلى إقناع أي شخص برأي ما، ولكن بدلا من ذلك كانت تستخدم ببساطة كوسيلة لتسليط الضوء على فكرة معينة وزيادة التفاعل معها، حيث قال “معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تديرها أنظمة استبدادية، ونتيجة لذلك، فإنها تعاني من نقص في بيانات استطلاع الرأي أو الانتخابات التي يمكن الاعتماد عليها، وهذا يثير السؤال: كيف يعرف الناس ما إذا كان قادتهم يتمتعون فعلاً بشعبية؟”، وهي الأسباب التي تجعل بعض الأنظمة والحكومات تلجأ تلك الأساليب لإظهار أنها تتمتع بشعبية عالية.

وأوضح أبراهامز “هذه الحسابات لا تحاول بالضرورة تغيير قناعة أي شخص، إنما تعمل على تغيير نظرتهم لآراء الآخرين”، مضيفاً أن أحد الدوافع المهمة لذلك هو ببساطة إثارة الشك حول ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي.

وقال “هناك كتاب عن البروباجندا الروسية بعنوان (لا شيء صحيح، كل شيء ممكن)، وهو ينص على أن الهدف الرئيسي لهذا النوع من البروباجندا هو خلق شك “.

 

تعليق “تويتر”

قناة الجزيرة قامت بمراسلة إدارة شركة “موقع تويتر” عبر البريد الإليكتروني بخصوص مسألة اللجان الاليكترونية والحسابات الوهمية التي يتم إنشائها على الشبكة، وفي ردها على الرسالة جاء رد “تويتر” بأنه يقوم ببذل قصارى جهده للتعامل مع تلك القضية الشائكة.

وأضافت إدارة الشركة إن “الأولوية الأولى لـ “تويتر” هي خلق مناخ صحي للخطابات العامة، وتحسينه باستمرار، وجزء من هذا يتضمن معالجة الردود العشوائية والآلية التي تؤثر سلباً على نشاط أي من المستخدمين الفعليين لخدمات الموقع، وعليه، قمنا بتوسيع قواعدنا وطورنا من الأدوات التي تساعدنا لتحقيق هذا الغرض”.

كما قالت الشركة في ردها على صفحتين من الأسئلة التي طرحتها عليها الجزيرة “نحاول دائماً أن نسيطر على الجهات الفاعلة الضارة”، مضيفة “نقوم الآن بوضع تحديات جديدة أمام تلك الحسابات الوهمية واللجان الاليكترونية في محاولة للسيطرة عليها، حيث يتم استهداف ما بين 8 ملايين إلى 10 ملايين من الحسابات التي ترد رسائل بخصوصها أسبوعياً، ونطلب منهم تفاصيل إضافية مثل رقم الهاتف أو عنوان بريد اليكتروني لتفعيل الحساب، ونحو 75٪ من هذه الحسابات تفشل في اجتياز مثل هذه التحديات، وعليه يتم تعليق نشاطها، ونكرر، نحن ملتزمون بمواصلة جهدنا في هذا الجانب لضمان الحصول على مناخ صحي للخطاب العام”.

على الرغم من محاولات “تويتر” التي أشار إليها، إلا أن الحصار المفروض على قطر لا يتوقف التغريد حوله من قبل اللجان الاليكترونية من كلا الفريقين.

ولا تزال العديد من الحسابات التي حددتها الجزيرة مستمرة في نشر التغريدات، والتشويش على المناقشات والقضايا التي تطرح على منصات التواصل الاجتماعي.

مارك أوين جونز اعتبر ان استمرار عمل هذه الحسابات الوهمية إشارة لفقد بعض الأمل في استخدام تويتر كمنصة للقيام بمناقشة جادة في منطقة الخليج، حيث قال “من نواح كثيرة، لا يمكن الاستمرام في اعتبار تويتر منصة فعالة في الشرق الأوسط، ولا سيما في الخليج، لامتلائه بملايين الحسابات الوهمية واللجان الاليكترونية”.

من جهتها اعتبرت منى السواح أن “تويتر” لا يزال يحتفظ بقيمته، حتى لو كان مجرد انعكاس لما يفكر به المسؤولون، مضيفة ” إنه منصة تعكس الرسائل السياسية التي تريد الدول والجماعات نشرها في العالم”.

علاوة على ذلك، تعتبر منصات التواصل الاجتماعي أدوات يمكن استخدامها لتعلم كيفية خلق الدعاية المطلوبة لفكرة ما.

مختتمة حوارها “سنحتاج إلى تعليم الأجيال القادمة كيفية استخدام هذه المنصات بصورة سليمة، وكيفية اكتشاف المعلومات المضللة، لأنها لن تكون فقط على تويتر، بل ستكون في كل مكان عبر الإنترنت.”

للاطلاع على النص الأصلي اضغط هنا