العدسة – معتز أشرف

سقوط مدوٍّ مُنِي بها اللوبي السعودي في بريطانيا في الفترات الأخيرة، وجاء غضب الشعب البريطاني ونوابه المرموقين وقواه الناعمة لتنتصر على ما يُعرَف بدبلوماسية دفاتر الشيكات السعودية، التي تتحرك في كثير من الملفات في عاصمة الضباب تحت مظلة شركات العلاقات العامة ونواب وصحفيين تحركهم المخابرات السعودية التي كان أحد رؤسائها- وهو الأمير تركي الفيصل- سفيرًا للسعودية في وقت سابق بالمملكة المتحدة.. ولكن، ووفقًا للمراقبين، ستنفق السعودية أموالها مجددًا على لوبي فاشل ثم تعضّ أناملها من الفشل.

رأس اللوبي!

لكل لوبي رأس، ورأس اللوبي في السعودي، بحسب تقارير متواترة، هو النائب عن حزب المحافظين في مجلس العموم البريطاني، دانيال كوينشيسكي، المعروف بمواقفه الداعمة للسياسات السعودية، وقد كشف أوراقه مع فرض الحصار على دولة قطر بشكل لافت للنظر، ويُعرف كوينشيسكي بكونه رأس الحربة في تمثيل المصالح السعودية  في لندن خاصة داخل حزب المحافظين والبرلمان..

ولا يخفي كوينشيسكي، البولندي المولد، موقفه المؤيد بقوة للحكومة السعودية، وذكرت صحيفة “الإندبندنت” أن كوينشيسكي، وخلال إحدى رحلاته إلى السعودية، عبر للملك سلمان، عندما كان وليًا للعهد، عن فخره بالتعاون العسكري بين بريطانيا والسعودية، وأشار كوينشيسكي مرارًا إلى انشغاله في تأليف كتاب، يصفه بـ”أكثر كتاب مؤيد للسعودية كتبه سياسي بريطاني”، ولطالما ردَّد أنه “يقاتل لمحاربة الجهل والتحيز غير العاديين ضد المملكة العربية السعودية”، كما يدافع كوينشيسكي بشدة عن مقاربة النظام السعودي للحرب.

وظهر النائب المحافظ في عام 2015، على قناة إخبارية وهو يهاجم مذيعًا بعد بثّ تقرير يزعم أن السعودية، كانت متواطئة في جرائم الحرب باليمن، وخلال المقابلة اتهم المذيع بالتحيز والعداء للسعودية، وفي العام 2014 هدد بمقاضاة محرر برنامج بعد تلميحات، بأنه قام برحلة إلى المملكة العربية السعودية، وتلقى من السفارة في لندن، مبلغ 7300 دولار، وفي آذار/مارس 2016 ، فإنَّ الحكومة السعودية دفعت له مبلغ 9200 دولار لقضاء أسبوع هناك، لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا.

أسماء أخرى

وبحسب صحيفةميدل إيست آي فإنَّ النائب البريطاني المحافظ دانيال كاوتشينسكي، والمعروف بعلاقاته الوثيقة مع السعودية، تلقى من الرياض، مبلغًا يصل إلى 20 ألفًا و 700 دولار لتنظيم والتحدث في مؤتمر للمعارضة القطرية بلندن، وكشفت الصحيفة اسم مجموعة “أكتا” لتقديم المشورة وهي شركة علاقات عامة صغيرة، التي تعمل لصالح الحلف السعودي المناهض لقطر في لندن، ويرجح وفق البعض أنها جزء من إدارة اللوبي في عاصمة الضباب، حيث كشفت سجلات النواب البريطانيين الذين تلقوا أموالًا من أكتا أشارت “ميدل إيست آي” إلى أن النائب إيان دنكن سميث، الذي قاد حزب المحافظين من 2001 – 2003 ثم شغل منصب وزير في حكومة كاميرون، حصل على 4 آلاف جنيه استرليني، مقابل إلقاء كلمة في مؤتمر نظم في لندن في 2017 في اطار حملة حصار دولة قطر، الأمر اعتبرته الصحيفة مثيرًا للمخاوف كون السياسيين يعملون وفق “أعلى عطاء”، كما دفعت “أكتا” للزعيم الليبرالي الديمقراطي السابق، بادي آشدون رسومًا مشابهة، للمشاركة في المؤتمر.

شركة أورب وشركة سيبتر كومونيكاتشيونس المحدودة، وهي شركة علاقات عامة، اسم مطروح بقوة في اللوبي السعودي مدفوع الأجر، وكانت سجلت موقع مؤتمر قطر للمعارضة في نوفمبر 2017  تحت إشرافها.

وكان المتحدث باسم دنكن سميث قال: إن مشاركته تمت وفقًا للقواعد البرلمانية، في حين قال اللورد آشدون إنه ظهر وفقًا لقواعد مجلس اللوردات، وأشارت الصحيفة إلى أنه على الأرجح، تلقى دعمًا من السعودية لكنه حضر للتعبير عن آرائه بقوة.

 الدبلوماسي البريطاني جوليون ويلش الذي كان نائبًا لإدارة الشرق الأوسط بالخارجية، اسم بارز في فريق اللوبي السعودي في بريطانيا، وهو ما كشفته وثائق- حصل عليها مكتب للصحافة الاستقصائية في لندن- أنَّ وزارة الخارجية البريطانية أعارت أحد كبار دبلوماسييها، وهو “ويلش” للعمل في شركة لممارسة الضغوط لصالح السعودية عام 2014، وتحدثت “تايمز” عن منحه إجازة خاصة بدون أجر عام 2014، وذلك للعمل مديرًا في كونسولوم، وهي شركة اتصالات أسسها مسؤولون تنفيذيون سابقون من شركة بيل بوتينجر، وتشمل قائمة عملاء شركة كونسولوم جهات يشرف عليها ابن سلمان، وكان عمل ويلش مختصًا بالعمل على تحسين صورة الجانب السعودي.

كما تقف تحت مظلة اللوبي السعودي وحلفائه، شركة العلاقات العامة والاتصال السياسي “كويلر”، التي تضم في فريق عملها مستشارين سابقين لرؤساء الوزراء في بريطانيا، وقيادات حزبية، وصحافيين وإعلاميين سابقين، وخبراء في الدبلوماسية العامة والعلاقات الدولية، كما تضمّ المتحدث السابق باسم الحكومة البريطانية (أول متحدث رسمي باللغة العربية) جيرالد راسل.

أدوات اللوبي

من أهم أدوات اللوبي التي تسيطر عليه فيما يبدو جهاز المخابرات السعودية، الرشاوي المقنعة، وهو ما كشفه موقعآي نيوزالبريطاني أن السعودية، وغيرها من النظم الاستبدادية التي لديها سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان، أنفقت ما يقرب من 700 ألف جنيه إسترليني في السنوات الخمس الماضية على رحلات فاخرة لأعضاء مجلس العموم البريطاني، ما يعضد المزاعم بأنَّ السياسيين البريطانيين يجري استخدامهم في تبييض سمعة بعض أكثر النظم القمعية في العالم.

وأوضح الموقع أنَّ أكثر من 80 % من النواب المشاركين في الرحلات ينتمون إلى حزب المحافظين، وهو ما يتسق مع كون أن رأس اللوبي هو النائب عن حزب المحافظين في مجلس العموم البريطاني، دانيال كوينشيسكي، المعروف بمواقفه الداعمة للسياسات السعودية، فيما أكد الموقع أن “السعودية هي المنفق الأكبر”، مضيفًا أن “المبلغ الذي أنفقه السعوديون على استضافة النواب 3 أضعاف تقريبًا في 2017 إلى 94 ألف جنيه إسترليني، بما فيها تكلفة رحلات على درجة رجال الأعمال ووجبات عشاء فاخرة، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أنفقت المملكة 197 ألف جنيه إسترليني على بعثات تقصي حقائق وجولات ثنائية لـ 41 نائبًا لتعزيز العلاقات الدبلوماسية الثنائية السعودية البريطانية”..

كما نقل عن أندرو سميث، من حملة ضد تجارة الأسلحة، التي حصلت على الأرقام، قوله “هذا تبيض سمعة، هذه النظم لا تنفق الكثير من المال على الرحلات الباهظة والفنادق لنواب كي تكون ودودة، هم يقومون بذلك للفوز بأصدقاء وزيادة نفوذها في ويستمنستر”.

الحملات مدفوعة الأجر هي الأخرى أحد أدوات اللوبي، وهو ما رصده مراقبون؛ حيث حاولت دول الحصار وفي مقدمتها السعودية التعويض عن فشل حملتها الإعلاميّة التحريضيّة ضدّ قطر عبر دفع المال مقابل إعلاناتٍ مدفوعة تتّهم الدوحة بالإرهاب، وانحياز الإعلام الغربي الجدي والمهني ضد موقفهما التحريضي وفبركاتهما، بدأت أذرعهما حملة إعلاناتٍ مدفوعة ضد قطر تتهمها بالإرهاب تبثّها قنوات أجنبيّة، كما ينافس الإعلانات المدفوعة مسبقًا آلية الفاعليات المدفوعة الاجر كالندوات والمؤتمرات.

يد المخابرات!

المخابرات السعودية طرف أصيل في إدارة ملف اللوبي السعودي في عاصمة الضباب وفق أكثر التقديرات، وتستفيد في ذلك من تقديمها خدمات على مستوى المعلومات والاستخبارات، وبحسب تصريحات رسمية، فإنَّ المملكة السعودية  “لا تزال مصدرًا رئيسيًا للمعلومات الاستخباراتية التي ساهمت في حماية أمن بريطانيا نفسها، ويكشف خيط المخابرات السعودية في لندن الصحفي السعودي عبد العزيز الخميس الذي يجلس بحسب تقارير موثقة في العاصمة البريطانية لندن بانتظار حوالات مالية تأتي تباعًا من أبوظبي، بعد أن تخلى عن المخابرات السعودية التي أرسلته إلى لندن قبل نحو عقدين من الزمان بهدف التجسس على المعارضين الأبرز للمملكة في العالم: محمد المسعري وسعد الفقيه، وبدأ الخميس مشواره المهني صحفيًا بجريدة “الشرق الأوسط” السعودية التي تصدر من لندن، ليتبين لاحقًا أنه لم يكن صحفيًا، وإنما كان عمله في الصحيفة مجرد غطاء لتسهيل مهمتين؛ الأولى: الإقامة في بريطانيا، والثانية الوصول إلى المعارضين السعوديين الذين دوخوا المخابرات السعودية بتغلبهم عليها وتمكنهم من الهروب والحصول على اللجوء في بريطانيا.

عار بريطاني

اختراق اللوبي السعودي بدفاتر الشيكات لكل مستويات القرار في بريطانيا دفع صحيفة جارديان البريطانية إلى مناشدة رئيسة الوزراء تيريزا ماي لوقف ما أسمته تملق لندن المخجل للسعودية لدى زيارة ولي العهد السعودي، فيما قال الكاتب سايمون تيسدال في مقال نشرته الصحيفة “إن التحالف البريطاني السعودي خبيث؛ إذ يشجع أسوأ ما عند كل طرف، وينسف “القيم البريطانية، ويجب على تيريزا ماي وقف التملق المخجل لنظام قمعي، غير ديمقراطي، ولقائده الشاب الديكتاتوري، إن تيريزا ماي ليست مهتمة بضحايا اليمن، ولا المعارضين والأكاديميين أو الصحفيين السعوديين، بل بحجم الاستيراد السعودي، بما في ذلك العسكري، من بريطانيا، والاستثمارات عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتسجيل أرامكو ببورصة لندن بدلًا من نيويورك أو طوكيو أو هونج كونج، ومكافحة “الإرهاب”.