العدسة: محمد العربي

أيام قليلة وتعلن المملكة العربية السعودية انتهاء المرحلة الأولى من مشروع “شرما تبوك” السياحي، الذي يعدّ بمثابة المقدمة لمشروع نيوم، الذي أعلن عنه ولي العهد محمد بن سلمان بتكلفة تصل لـ500 مليار دولار بالمشاركة مع مصر والأردن..

ويتزامن انتهاء المرحلة الأولى لمنتجع شرما الملكي، مع ارتفاع نسبة البطالة بين السعوديين بالربع الأول من 2018 لتصل إلى  12.9% بزيادة قدرها 0.1% عن الربع الأخير من عام 2017، وهو ما أثار عدة تساؤلات عن ضخ مليارات الريالات في مشروعات لا تخدم سوى العشرات، بينما باقي الشعب السعودي يعاني من أزمات اقتصادية.

شرما الملكية:

ويعد منتجع شرما تبوك الذي بدأته المملكة منذ عام، وتتوقع أن تتسلم مرحلته الأولى في الخامس عشر من تموز/ يوليو الجاري، منتجعًا ملكيًا بامتياز؛ حيث يضم خمسة قصور لصالح العاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد، بالإضافة لعشرات الشاليهات المخصصة للموظفين بقصور الملك وولي عهده، وفندقًا للخدم وباقي الموظفين، وناديًا للغوص، وآخر صحيًا للسيدات، على أن يظل المنتجع خاصًا بالملك وحاشيته فقط، وقد تولَّت عدة شركات سعودية وعالمية الإنشاءات بالمنتجع، الذي يطلّ على البحر الأحمر في مواجهة مدينة شرم الشيخ المصرية التي تبعد عنه 35 ميلًا بحريًا فقط.

ويؤكد اقتصاديون متابعون لأعمال المنتجع أنَّ الحكومة السعودية لم تعلن عن تكلفة المنتجع الملكي، وتفرض حذرًا شديدًا على الشركات العاملة بعدم التحدث لوسائل الإعلام عن تفاصيل المشروع وتكلفته، إلا أنَّ تقديرات المتابعين تشير إلى أنَّ المنتجع قد تصل تكلفته لـ 300 مليون ريال، بخلاف تمهيد الطرق وإنشاء موانئ اليخوت والمطار المزمع إنشاؤه، خاصة وأنَّ مطار تبوك يبعد عن المنتجع بـ 150 كيلومترًا تقريبًا.

توسعات الحرمين والبطالة:

وتتزامن مع السرعة التي تعمل بها الحكومة السعودية للانتهاء من المنتجع الملكي ليدخل الخدمة في الصيف الحالي، إصدارُ قرارات ملكية أخرى بوقف عمليات التوسع التي كانت تعتزم المملكة البدء فيها بالحرمين الشريفين، وبررت الحكومة هذا الإجراء بأنه نتيجة للأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وارتفاع عجز الموازنة.

وفي نفس الإطار صدر التقرير الدوري للهيئة العامة للإحصاء بالسعودية، ليحمل صدمة جديدة للسعوديين؛ حيث كشف التقرير عن ارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين السعوديين لـ12.9% في الربع الأول من العام الحالي، بواقع 7.4% للذكور و32.7% للإناث، وطبقًا للبيانات الرسمية فقد بلغ عدد الباحثين عن العمل من السعوديين مليونًا و232 ألف شاب وفتاة، نصفهم يحملون الشهادة الجامعية، وتمثل الفئة العمرية من 25 – 29 سنة الأكثر بين الباحثين عن فرص عمل داخل المملكة.

تقشف هنا وبذخ هناك

ورصد العديد من المتابعين للاقتصاد السعودي التناقض الذي يسير عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فيما يتعلق بالإجراءات الاقتصادية منذ انفراده بالسلطة؛ حيث يفرض تقشفًا مميتًا على المواطنين والوافدين على حد سواء، وهو ما تمثل في الرسوم والضرائب التي فرضها ومنع العديد من الامتيازات التي كان يحصل عليها السعوديون ووقف الزيادات السنوية في الرواتب، وفي مقابل هذا التقشف فهناك حالة من البذخ المستفزّ سواء من ولي العهد أو من كبار أمراء الأسرة المالكة، والذي يعدّ مشروع منتجع شرما أحد مظاهره.

وطبقًا للمتابعين فإن مظاهر البذخ لولي العهد تنوعت بين شرائه لوحة “مخلِّص العالم” لليوناردو دافنشي، بمبلغ 450 مليون دولار، واقتنائه يختًا بقيمة نصف مليار دولار، وشرائه قصر الملك لويس الرابع عشر، في منطقة لوفسيان قرب العاصمة الفرنسية بأكثر من 300 مليون دولار، وهو الإسراف الذي علق عليه ابن سلمان خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية بآذار/ مارس الماضي، بأنه ينفق من أمواله؛ لأنه على حدّ وصفه رجل غني وليس من حق أحد مساءلته عن طرق إنفاقه.

صعوبات اقتصادية

وتعاني الموازنة السعودية من عجز لم تشهده من قبل، وحسبما نشرت وكالة بلومبيرج الاقتصادية الأمريكية فقد بلغ عجز الموازنة بالسعودية 52 مليار دولار لعام 2017، بينما أكدت تقارير أخرى أنَّ نسبة العجز وصلت إلى 98 مليار دولار، وطبقًا للوكالة نفسها فإنَّ المملكة قد تضطر لاقتراض 10 مليارات دولار قبل نهاية 2018 لتعويض هذا العجز.

وأرجع المتابعون هذا العجز لتورُّط السعودية في الحرب الدائرة بكل من اليمن وسوريا، وتراجع إيرادات النفط، والآثار السلبية التي حدثت للشركات الاستثمارية السعودية نتيجة مشاركة المملكة في الحصار الرباعي ضد قطر، ما أدَّى لارتفاع الديون السعودية لنحو 17% من الناتج المحلي عام 2017، بعد أن كانت 13% عام 2016 و10% عام 2014.

شكوك دولية

من جانبها شككت صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية، في تقرير نشرته بآيار/ مايو الماضي عن جدوى المشروعات الاقتصادية التي أعلن ابن سلمان القيام بها لإنعاش الاقتصاد السعودي، وأشارت الصحيفة إلى أنَّ التجربة العملية تشير لفشل هذه المشروعات، وضربت مثالًا بمدينة الملك عبد الله التي أنشئت قبل عشر سنوات كجزءٍ من مشروع ضخم بقيمة 30 مليار دولار لإنشاء ستّ مدن جديدة لتنويع اقتصاد البلاد المعتمد على النفط، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير 1.3 مليون فرصة عمل، وإضافة 150 مليار دولار لإجمالي الناتج المحلي.

وقالت الصحيفة، إنَّ مدينة واحدة فقط من هذه المدن الست، هي مدينة الملك عبد الله، قائمة اليوم بعدد سكان لا يتجاوز 7 آلاف نسمة، على الرغم من أنَّ الهدف المرجو كان وصول عدد السكان لمليوني نسمة عام 2035.

وسلطت الصحيفة الضوء على مشروع نيوم، باعتباره الأبرز في خطة ولي العهد، مؤكدة أن “نيوم” أكثر طموحًا بكثير من المدن الاقتصادية الستّ التي أطلقتها المملكة بداية الألفية الثانية؛ لأنه سيمتد على مساحة 26 ألفًا و500 كيلومتر مربع ويهدف لجلب الاستثمارات في التقنيات الجديدة، ومن ضمنها الطاقة المتجددة وصناعة البشر الآليين، فضلًا عن المساهمة بمبلغ 100 مليار دولار في إجمالي الناتج القومي بحلول 2030.

وأوضحت الصحيفة أنَّ الأمير السعودي كشف أنَّ المشروع سيموّل من الإنفاق الحكومي عبر صندوق الاستثمارات العامة (صندوق سيادي بقيمة 230 مليار دولار)، فضلًا عن استثمارات القطاع الخاص، وهو ما سبق وأن جرّبته المملكة مع مشروعات أخرى، ولكنها لم تحقق نجاحًا، مما يشير لتوقعات بفشل المشروع العملاق، وطبقًا للصحيفة فإنَّ المسؤولين السعوديين قالوا: إنهم تعلموا الدروس من الماضي، ولن يقعوا في نفس الأخطاء.

حصاد الحروب

ويشير الخبراء أنَّ السعودية تجني ثمارَ تدخُّلِها في شؤون الغير، وتمويلها للعديد من الحروب والانقلابات التي شهدتها المنطقة، وهو ما ورَّطها اقتصاديًا بشكل مؤثر، وقالوا: إن حرب اليمن التي اعتبرتها السعودية مواجهة خلفية مع إيران كلّفتها كثيرًا، خاصة وأنَّ السعودية انشغلت عن الحرب التي بدأتها في نيسان 2015 بتنفيذ صفقة القرن، وأطلقت يد ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد ليزيد من تعقيد الأمور باليمن، وهو ما أدَّى في النهاية لغرس أقدام المملكة بشكل أكثر في وحل عاصفة الحزم التي بدأت قبل ثلاثة أعوام.

وطبقًا للمحللين فإنَّ السعودية بعنادها في موضوع الحصار ضد قطر تسببت في خسائر كبيرة للشركات السعودية التي كانت قطر سوقًا رائجة لها، مما أدَّى لتأثر مشروعات المنطقة الشرقية كلها نتيجة الحصار، كما حدث مع شركة المراعي التي خسرت 55% من قيمة أسهمها نتيجة غلق السوق القطري أمامها.

ويؤكد المحللون أنّ السعودية التي كانت عامل تهدئة بالمنطقة تحولت لرقم في الصراعات الدائرة، مما كلفها المزيد من صفقات السلاح، ولذلك لم يكن غريبًا أن تلتهم ميزانية الجيش والأمن ثلثي الموازنة العامة للمملكة، وهو ما تزامن مع تراجع أسعار النفط، لتجني المملكة في النهاية نتيجة سياساتها بالمنطقة وحربها ضد ثورات الربيع العربي خوفًا على أقدام آل سعود التي بدأت تهتز خلال السنوات الماضية.