لقد نمت العلاقات الثنائية بين الجزائر وإيران منذ استعادة العلاقات بينهما قبل ٢١ عامًا. حيث تم قطعها بدايةً في عام ١٩٩٣ بعد أن اتهمت الجزائر -الدولة الواقعة في شمال أفريقيا- طهران بدعمها الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ خلال الحرب الأهلية، والذي نتج عنها قرار الجيش الجزائري بإلغاء الانتخابات في العام المنصرم. وقبل حدوث هذا، كانت العلاقات ودية، حيث لعبت الجزائر دورًا رائدًا في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة خلال أزمة رهائن السفارة، والتي أدت إلى توقيع اتفاق الجزائر عام ١٩٨١. 

ومنذ ذلك الحين وقع البلدان اتفاقيات عديدة، نتج عنها تطور علاقات اقتصادية وثقافية، كما أنه حدث تعاون سياسي بينهما عام ٢٠١٢ عندما كانت الجزائر وإيران هما الدولتان الوحيدتان اللتان اعترضتا على قرار منظمة التعاون الإسلامي بتعليق عضوية سوريا، وكان هذا القرار بسبب رد الحكومة الوحشي على الانتفاضة الثورية التي كانت تأمل الإطاحة بالمجرم بشار الأسد. كما كانت الجزائر أيضًا داعمًا ثابتًا لحقوق إيران في تطوير تكنولوجيا نووية سلمية.  

ومع ذلك، فإن التعاون السياسي الأكثر جدارة بالملاحظة -والذي تم ادعاؤه من قبل المغرب على الأقل- هو دعم الجزائر وإيران لجبهة البوليساريو، وهي حركة الاستقلال في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها. وقد دفعت هذه الاتهامات المدعاة من قبل المغرب المملكة العربية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران عام ٢٠١٨، بالإضافة إلى مزاعم أخرى من خلال وزير الخارجية ناصر بوريطة بأن حزب الله اللبناني متورط أيضًا، وأكد الوزير أن “أفعال الحركة اللبنانية تسعى لتقويض المصالح المغربية وتشكيل اعتداء على وحدة أراضي البلاد”. كما أن الجزائريين متهمون بالسماح لسفارة إيران في الجزائر العاصمة بتقديم الدعم لجبهة البوليساريو. 

لطالما كانت علاقات الرباط بإيران غير مستقرة منذ الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩، وقد قطعت العلاقات مع إيران في السابق كما حدث في عام ٢٠٠٩، وذلك بعد استخدام السفارة الإيرانية كمنصة لنشر الإسلام الشيعي في البلاد. وبعد عام من تأسيس الجمهورية الإسلامية اختارت إيران أن تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية -الواقعة شمال غرب أفريقيا- (SADR)، والتي اعترفت بها وأعلنتها جبهة البوليساريو عام ١٩٧٦. 

لذلك لم يكن مفاجئًا عندما قامت إيران بتأييد قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المغرب في أغسطس، وذلك نتيجة “ميولها العدائية” تجاه الجزائر، والتي تضمنت مزاعم دعم الانفصاليين القبائليين واستخدام المغرب برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس لمراقبة المسؤولين والمواطنين الجزائريين. 

وخلال ذلك تعمل إيران والجزائر على تعزيز العلاقات، ففي  سبتمبر على هامش الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بنظيره الجزائري رمطان لعمامرة، حيث قاما بمناقشة حول الحاجة إلى تحسين وارتقاء العلاقات الثنائية، وتبع ذلك مؤخرًا تبادل الوزيرين مكالمة هاتفية في ١١ نوفمبر. وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية، أشاد وزير الخارجية أمير عبد اللهيان بالجزائر لتصويتها ضد انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي، وموقفها من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وبحسب ما ورد أيضًا فقد وجه رمطان لعمامرة دعوة رسمية للدبلوماسي الإيراني لزيارة بلاده.  

وبطبيعة الحال تشكل هذه التطورات مصدر قلق كبير للمغرب جار الجزائر، وإسرائيل خصم إيران، لا سيما بعد اتفاقيات إبراهيم في العام الماضي -والتي شهدت تطبيع الإمارات والبحرين والسودان لاحقًا مع إسرائيل- استأنف المغرب علاقاته مع إسرائيل، وكان ذلك في مقابل اعتراف الولايات المتحدة بمطالب المملكة الإقليمية بشأن الصحراء الغربية.  

وسط تصاعد هذه التطورات بين الجزائر والمغرب، ومع تكهن بعض المراقبين باحتمال حدوث صراع، سيقوم وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بزيارة رسمية إلى الرباط لتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون الأمني، والتي قد تشمل شراء نظام القبة الحديدية الدفاعي.  

قبل هذه الزيارة، ظهرت بالفعل تقارير تؤكد أن إسرائيل تتطلع لإقامة قاعدة عسكرية في المغرب. وبحسب El-Espanol، فإن القاعدة العسكرية المقترحة ستقام في منطقة أفسو الواقعة في منطقة الناظر على بعد حوالي ٦٨ كيلومترًا جنوب الجيب الإسباني مليلية. وقامت مصادر استخبارات أجنبية استشهد بها التقرير بتحذير يفيد بأن الاتفاقية تتجاوز الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة العام الماضي، وأن السلطات الإسبانية تعتبره أيضًا تهديدًا أمنيًا لمليلية. 

مع استعادة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، واعتراف مصر بها عام ١٩٧٩، أصبح كلا الجانبين من شمال أفريقيا على علاقات طبيعية مع إسرائيل. ولكن في الجزائر توجد فرصة لممارسة إيران نفوذها في هذا الجزء من القارة، ومحاولة مواجهة ومعارضة مصالح إسرائيل. 

في الجانب الآخر، تعترف إسرائيل أيضًا بتوجه الجزائر نحو طهران، مرددة بيانًا مماثلًا لوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد في مؤتمر صحفي في أغسطس/ آب بالدار البيضاء، حيث زعم المتحدث باسم الشؤون الخارجية في تل أبيب للإعلامي العربي حسن كايبة أن “الجزائر أصبحت منذ بداية الربيع العربي فاصلًا للحركات الإرهابية بتحريض من إيران”. 

وأضاف كايبة أيضًا أن “التعاون الجزائري الإيراني يقلقنا، خاصةً أن هدف إيران هو التسلل إلى كل الدول”. 

كانت الجزائر واحدة من الدول العربية القليلة التي حافظت على موقفها المؤيد للفلسطينيين والمناهض للصهيونية، وقد وصفت مؤخرًا أي تطبيع مع إسرائيل بأنه “غير مسؤول”، ولذلك نتوقع حدوث تعاون سياسي وربما عسكري أوثق مع إيران في المستقبل القريب، وهذا يتعارض مع زيادة النفوذ والأنشطة الإسرائيلية في المغرب. وتؤكد العلاقات المكثفة بين الجزائر وإيران -خاصةً وسط هذا التطبيع الحادث في شمال أفريقيا العام الماضي- بأن “الدول العربية المتحالفة مع إيران هي فقط التي ستعارض الصهيونية”.