العدسة – معتز أشرف:

عقبات عدة تعترض طريق تشكيل الحكومة اللبنانية، وتزداد يومًا بعد يوم، رغم التصريحات الودودة لرئيسها المكلف سعد الحريري.

“العدسة” يرصد أبرز العقبات الجديدة وآثارها، وكيفية الخروج من نفق التعطيل في ظل الاتهامات الموجَّهة للسعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان بتعمدها تعطيل التشكيل لما بعد تمرير صفقة القرن.

آثار سلبية

القلق من الآثار السلبية للتأخير، دفع الكتل السياسية الأربعاء الماضي إلى الخروج من الصمت السياسي، وأكدت  كتلة اللقاء الديمقراطي (التكتل النيابي للحزب الديمقراطي الاشتراكي في لبنان)، أن الأوضاع المالية والاقتصادية المتأزمة التي يشهدها لبنان تتطلب الإسراع في تشكيل الحكومة، حتى يتم حل تلك المشاكل والأزمات التي تنذر بمخاطر محدقة بالبلاد، خاصة وأنّ شريحة كبيرة من اللبنانيين يُعوِّلون على موسم السياحة الذي لم ينطلق بعد لإنعاش أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

وقال نائب اللقاء الديمقراطي هادي أبو الحسن في تصريحات متلفزة، إن المجتمعين طالبوا “المعنيين” بتذليل العقبات وإزالة العقد أمام تشكيل الحكومة، مع احترام نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وتوحيد المعايير ومراعاة حجم التمثيل للقوى والأحزاب.

الأمين العام لحزب الله  حسن نصر الله رمى بورقة فزاعة الاقتصاد كذلك، وكرَّر تصريحات كثيرة في اتجاه أن “البلد أصبح عمليًا في مرحلة الإفلاس الحقيقي، والمرحلة المقبلة ستزيد من إرهاق البلد بالقروض الخارجية في ظلّ غياب سياسة جدية في الإصلاح ومحاربة الفساد”.

الرئيس اللبناني  ميشال عون، الجمعة  6 يوليو، فلت صبره كذلك، ولفت الأنظار اللبنانية المتشاكسة إلى البعد الاقتصادي الصعب، بحسب وصفه، لكنه أكد في نفس الوقت أن “الدولة اللبنانية ليست على وشك الإفلاس”. مشيرًا إلى ضرورة حماية المصالحة المسيحية بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، وتمسكه بحصة وزارية تعبر عنه داخل الحكومة التي يتم تشكيلها، “على أساس معيار علمي وموضوعي يتمثل في ترجمة الأحجام التي أفرزتها الانتخابات النيابية إلى نسب وزارية” .

المساس بجوهر المصالحة التاريخية بسبب عقبات تشكيل الحكومة هو أبرز مخاوف الساسة في لبنان، ومنهم الرئيس نفسه الذي قال: “كان استقبالي  قبل عدة أيام لكل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يؤكد إصراري على تثبيت الاستقرار الداخلي والفصل بينه وبين أي خلافات أو تجاذبات سياسية، فلا يصح كلما اختلفنا على حكومة أو ملف أن يهتز جوهر المصالحة”.

وشدد رئيس الجمهورية على أن مسألة الحكومة تتوقف على المعنيين بتأليفها، قال: أفترض أنّ الجميع يتحسّسون مسؤولياتهم ولابدّ لهم عاجلًا أم آجلًا من تسهيل ولادة الحكومة، وأضاف قائلًا: السوق لا تزال في بدايتها، وفي لحظة ما سيلجأ الجميع الى تخفيض الأسعار والتعامل بواقعية مع الإحجام.

العقبات تتزايد

ومع كل تأخير تزداد المناكفات والعقبات، خاصة أن الجميع يفسِّر النتائج الانتخابية كما يحب، ومنهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط الذي قال في تصريحات صحفية قبل أيام: “إنَّ نتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة على صعيد التصويت الشعبي والسياسي تعطي الحق في تسمية الوزراء الدروز الثلاثة بالحكومة”.

التهافت عقبة كبيرة أمام التشكيل، وهو ما كشفه رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” الوزير طلال أرسلان الذي أكد أن “التهافت على الحكومة وعلى المناصب والمغانم ينذر لبنان بالخطر الكبير، وكأن لبنان يعيش بجنة النعيم اقتصاديًا ومعيشيًا واجتماعيًا وماليًا”.

رفض قواعد تشكيل الحكومة أحد العقبات التي تواجهها، وهو كذلك ما رصده أمين سر “تكتل لبنان القوي” النيابي في لبنان النائب إبراهيم كنعان بعد الاجتماع الأسبوعي للتكتل برئاسة الوزير جبران باسيل، مؤكدًا “التزام التكتل بكل مكوناته بقواعد التشكيل التي يقوم عليها نظامنا البرلماني الديمقراطي”. لافتًا إلى أن “الأحجام النيابية هي التي تحدد حجم التمثيل في مجلس الوزراء”. وتابع: “هي قاعدة لم نخترعها نحن بل معتمدة في كل الدول التي تعتمد النظام البرلماني، وتأليف الحكومات في لبنان هو مسؤولية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ورئيس الجمهورية وليس لدينا فيتو أو شروط على أحد”.

المثير أن الأزمة المعتادة بين مكونات لبنان دخل على خطها المستقلون؛ حيث عقد  النواب السنة المستقلون: فيصل كرامي، عبد الرحيم مراد، جهاد الصمد، الوليد سكرية، قاسم هاشم وعدنان طرابلسي، لقاءً تشاوريًا في منزل الرئيس الراحل عمر كرامي في بيروت، مؤكدين “مطلبهم المحق بأن يتمثل النواب السنة المستقلون في حكومة الوحدة الوطنية التي يجري العمل على تأليفها”!!.

وبحسب قناة “سكاي نيوز” الأمريكية فإنَّ العقدة المسيحية تعوق تشكيل الحكومة اللبنانية، وقالت في تقرير لها: “تتقدم ما تسمى بالعقدة المسيحية على كل ما عداها في سلم الصعوبات التي تواجه الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري”.

تعطيل سعودي أمريكي!

السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان في قفص الاتهام أمام الرأي العام اللبناني المنحاز لحزب الله، ورأى موقع ” العهد ” الإخباري المحسوب على حزب الله أن فرصة تشكيل الحكومة يحاصرها التشاؤم، لعدم رغبة محور السعودية– إسرائيل– أمريكا في ظهور حلف المقاومة في سدة القرار في بلد كلبنان.

وأضاف في تقدير موقف نشره مؤخرًا، أن “الاستقرار الذي ينشده اللبنانيون من خلال استكمال بناء السلطة السياسية عبر تشكيل الحكومة، من شأنه أن يجعل من لبنان بلدًا قويًا متماسكًا، خصوصًا مع ما أفرزته الانتخابات النيابية من نتائج عكست قوة محور المقاومة والممانعة، على الرغم من الحملات الدعائية والمالية والسياسية التي حاولت التشويش على جمهور الناخبين، وستنعكس هذه القوة بالضرورة في البيان الوزاري وإقراره معادلة الشعب- الجيش- المقاومة، وليس هذا هو وجه لبنان الذي تريد الرياض وواشنطن و”تل أبيب”، وبالتالي فإن أي حكومة في لبنان- وفق حسابات هذا المحور- ستكون بالضرورة منسجمة مع هذا السياق، وهذا الأمر لا يتوافق مع الحسابات السعودية- الأمريكية– الإسرائيلية”.

هذه الرواية نفتها السعودية عبر مصادر غير رسمية، دون تأكيد رسمي؛ حيث نقلت صحيفة (الجمهورية) اللبنانية عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة واللصيقة بالموقف السعودي إزاء تشكيل الحكومة في لبنان”، تأكيدّ الرياض أنها تعتبر تشكيل الحكومة اللبنانية شأنًا داخليًا، وأنها لا تتدخل في عملية التشكيل بأي صورة من الصور لما لذلك من تأثيرات إيجابية على مستقبل العلاقات اللبنانية– السعودية..

وأضافت المصادر للصحيفة: “هناك عُقَد درزية ومسيحية إلى جانب عقدة تمثيل سنة فريق 8 آذار هي التي تعوق تأليف الحكومة في لبنان، ولا علاقة للمملكة العربية السعودية بها”. مشيرة إلى أن المملكة “التي ترفض تدخل الآخرين في شؤونها كيف لها أن تسمح لنفسها أن تتدخل في شؤون الغير، ولماذا يلقى الاتهام على المملكة بتعطيل تأليف الحكومة ولا يلقى على إيران التي تبالغ في المطالبة بحقائب وزارية سيادية لحلفائها في لبنان”، وهي التصريحات التي تعزز وجود السعودية سلبًا أو إيجابًا.

 المخرج الآمن

ومازال في ظل هذه التعقيدات، يبحث رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري عن مخرج آمن لحكومته التي وصلت لسدة قرارها رغم خسارته في الانتخابات، مؤكدًا تفاؤله بقرب الانتهاء من تشكيل حكومة جديدة، وهو التفاؤل الذي مضى عليه أسبوعان، وكثر دون جديد في المحادثات مع الأحزاب الرئيسية في البلاد.

الحريري بعد لقاء أجراه مع الرئيس اللبناني ميشال عون صرح: “أصبحنا على مقربة من المعادلة الأخيرة… بقي القليل من المشاورات حول إعطاء الحقائب الوزارية التي يريدها كل فريق سياسي”. مؤكدًا حرص المملكة العربية السعودية على سرعة تشكيل الحكومة في لبنان، وأن ما يقال عن أنها لا مصلحة لها بحكومة لبنانية في الوقت الحاضر، كلام ليس له أي أساس من الصحة.

ووفق مراقبين، فإنَّ تفاؤل “الحريري ” لن يجدي وسط هذه الأزمة السياسية التي تنذر بمخاطر تهدّد الدولة اللبنانية، فهو “وحده” يبدي قدرًا من التفاؤل في الخروج من الأزمة سريعًا، والعبور إلى ضفة الاستقرار السياسي، مؤكدين أهمية التعامل الايجابي مع كل الكتل النيابية التي تحاول دون استثناء زيادة حصتها من الحقائب الوزارية، استنادًا إلى تمثيلها في مجلس النواب والمتغيرات التي طرأت عليه مقارنة بالانتخابات السابقة، وهو ما يحتاج إلى وقت لحسم الخلاف.