العدسة – معتز أشرف:

في ذكرى مجزرة “سربرنيتسا” التي توصف بأنها واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في تاريخ أوروبا الحديث، نرصد أبرز ما دار من مذابح ضد المسلمين في الغرب خاصة الاتحاد الأوروبي .. وهي دومًا مجازر بلا عقاب.

جراح سربرنيتسا

في 11 يوليو من كل عام تخيم الأحزان على ” سربرنيتسا” تلك البلدة الواقعة شرقي البوسنة التي قتلت فيها القوات الصربية 8372 مسلمًا خلال ثلاثة أيام فقط في عام 1995م، لتتجدّد دموع ضحايا الاغتصاب والإبادة الجماعية، التي يصنفها مراقبون بأنها أبشع ما جرى من جرائم ضد المسلمين في تاريخ أوروبا الحديث.

وأحيا الآلاف من مسلمي البوسنة والهرسك الأربعاء الذكرى الثالثة والعشرين للمذبحة، وشهد الإحياء مراسم دفن جثامين 35 من ضحايا المذبحة، هم من تمّ تحديد هويتهم في مقبرة “بوتوكاري”، ليكون إجمالي من تم التعرف عليهم ودفنهم حتى هذا العام 6610 من إجمالي 8372 هم ضحايا سربرنيتسا وحدها.

 

وفي اعتراف تقليدي متكرر، وصف “الاتحاد الأوروبي” مذبحة سربرنيتسا بأنها “من أحلك لحظات أوروبا والإنسانية”، وقالت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون السياسية والأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيدريكا موغيرني في بيان الأربعاء: “في الذكرى الـ 23 للإبادة الجماعية في سربرنيتسا، وبما أن بعض الضحايا يرقدون فإننا نعرب عن تعاطفنا مع من نجوا من تلك المذبحة ومع أسر وأصدقاء الذين عانوا وفقدوا أرواحهم”. فيما أكّدت أن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم مواطني البوسنة والهرسك “لتجاوز ميراث الماضي والتقدم بالبلاد في طريقها الأوروبي”.

وكان الاتحاد الأوربي تعهَّد في العام 2016، بمناسبة الذكرى الـ 21 لجريمة الإبادة الجماعية  بمثول جميع المسؤولين عن تلك الجرائم أمام العدالة، فيما لاحق القصاص ثلاثة وهم القائد العسكري السابق لكروات البوسنة سولوبودان برالياك الذي تجرع السمّ أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد رفض قضاتها طعنًا قدَّمه في الحكم بسجنه 20 عامًا عن جرائم الحرب ضد مسلمي البوسنة، والقائد العسكري لصرب البوسنة راتكو ملاديتش الذي حُكم عليه بالمؤبد بعد إدانته بعشر اتهامات بارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أما زعيم صرب البوسنة رادوفان كاراديتش فقد صدر ضده حكم بالسجن 40 سنة، لكن كثيرين من الجناة لم يخضعوا للعدالة؛ حيث “انتهت الحرب، لكنها بالنسبة للضحايا لا تزال مستمرة”. بحسب البعض.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جانبه تعهَّد بالنضال من أجل منع تكرار جرائم في مناطق بالعالم مثل “مجزرة سربرينيتسا” بالبوسنة، وأضاف في تغريدة نشرها عبر حسابه على “تويتر”، أن مجزرة سربرينيتسا تعدّ واحدة من أبشع الجرائم التي حصلت وسط أوروبا، وأمام أنظار الأوروبيين.

مأساة 

وفي يناير 1999م، كانت مأساة كوسوفو تظهر في الأفق، حيث تعرض 45 شابًا من العِرق الألباني السائد في كوسوفو، مقتولين بصورة وحشية في قرية راجاك جنوب الإقليم على يد قوى الأمن الصربية التي كانت تشنّ قبلها حملة من القمع الدموي في الإقليم الذي تعالت فيه الأصوات المطالبة بالاستقلال عن صربيا.

وفي مارس 1999، وصل عدد اللاجئين من ألبان كوسوفو إلى حوالي 200 ألف، لكن ارتكبت مجزرة غير مسبوقة نقلت القضية الكوسوفية إلى مستوى أعلى في التنديد الدولي؛ حيث ارتكبت الميليشيات الصربية، مذبحة اشتهرت إعلاميًّا بـ«مذبحة الحديقة»، عندما أوقفوا أكثر من 20 أمًّا وطفلًا أمام الحائط، وفتحوا عليهم نيران البنادق الآلية.

وفي مايو 1999 كانت كوسوفو مع موعد مع مجزرة صربية حاقدة، نفذتها الميليشيات الصربية وراح ضحيتها 150 مدنيًا من رجال ونساء في بلدة درينيشا غرب كوسوفو، دفعت الأمم المتحدة إلى فتح ممر إنساني بين مقدونيا وألبانيا لنقل نحو خمسين ألف لاجئ يتكدسون في تجمعات على الحدود المقدونية إلى ألبانيا.

 

وبحسب المعلومات المتواترة كان الضحايا من مختلف الأعمار وقامت  القوات الصربية غير النظامية باقتياد بعضهم إلى قبور كانت محفورة وقامت بإعدامهم، وجاء في التقرير أن مجموعة أخرى مكونة من ثلاثين شخصًا أمرت بخلع ملابسهم وتعرضوا إلى أعمال عنف ووحشية لم يسبق لها مثيل على أيدي القوات الصربية غير النظامية.

ورغم المجازر أسدلت الستار على ملاحقة الجناة مع إعلان محكمة الجزاء الدولية في مارس 2006 وفاة الرئىس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، عن 64 عامًا، بعد أكثر من أربع سنوات على بدء محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعمليات إبادةِ في حروب كرواتيا والبوسنة (1991-1995) وكوسوفو (1998-1999) وعند إعلان وفاته أعربت أمهات وأرامل ضحايا مجازر ارتكبها عن أسفهنّ لعدم صدور إدانة بحقِّه.

مذابح الأرمن ضد المسلمين!

للأرمن يد ملوثة بدماء المسلمين، يحاولون الآن التغاضي عنها بإثارة ما يتردَّد عن قيام الدولة العثمانية بإجراءات تعسفية ضدهم في عامي 1915 و1917، وعقب انسحاب روسيا من الحرب، جراء الثورة البلشفية عام 1917م، تُركت المنطقة للعصابات الأرمنية، التي حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلّفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكانية العثمانية المسلمة.

 

وسلط الباحث الأمريكي “جاستون ماكارثي”، الضوء في كتابه “الطرد والإبادة”، على مجازر الروس وأعوانهم الأرمن بحق المسلمين على مدار 100 سنة (1821 حتى 1922) في بلاد القوقاز، وبحسب الأدلة الموثقة في كتاب “ماكارثي”، فإنّه في العشرين من أبريل 1915، بدأ الأرمن في مدينة “وان” (ضمن نطاق الدولة العثمانية) بإطلاق النار على مخافر الشرطة ومساكن المسلمين، مع تقدم الأرمن وتغلبهم على قوات الأمن العثمانية، وقد أحرقوا الحي المسلم، وقتلوا مسلمين وقعوا بين أيديهم، كما نفّذ الأرمن “جرائم فظيعة” بحق الأتراك والأكراد في شمال شرق الأناضول، وهو ما أثبته كذلك الفصل الثالث من تقرير لجنة “نايلز وسزرلاند”، المفوضة من الكونجرس الأمريكي وبتكليف منه، عام 1919، للتحقيق في أوضاع الأقاليم الشرقية للإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

آلام الشيشان!!

وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه عام 1991، ارتكب الجنرالات الروس، في مواجهة المسلمين في الشيشان أبشع أنواع الجرائم؛ راح ضحيتها آلاف المدنيين من مسلمي الشيشان، كما انتشرت عمليات الاغتصاب لفتيات الشيشان، من جانب الجنود الروس، بأمر من جنرالاتهم، وصار من الأمور المعتادة، الكشف عن مقابر جماعية، دفن فيها أطفال ونساء وشيوخ، أحياءً.

 

وفي زيارتها، التي استمرت أربعة أيام للأراضي الشيشانية، شاهدت ماري روبنسون، المبعوثة الرسمية عن المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة، عددًا من هذه المقابر الجماعية، وقالت: “إن ما يحدث يُدمي القلب”، وأوصت بإرسال محققين تابعين للمنظمة الدولية إلى الشيشان للتحقيق في الانتهاكات الواسعة النطاق التي ارتكبتها القوات الروسية ضد المسلمين هناك.

 

وبلغ عدد المشردين (30) ألف لاجئ؛ فقد تعرّض الكثير منهم لعمليات اغتيال وتعذيب واغتصاب، وأعمال سلبٍ ونهب، وغيرها من الأعمال المشينة، التي اقترفها الجنود الروس في معسكرات اللاجئين وكانت هيئة مراقبة حقوق الإنسان، ومقرها نيويورك، قد سردت في تقريرها الذي صدر أواخر شهر مارس 2001م، عشرات الجرائم والانتهاكات الصارخة، التي ارتكبها الروس في الشيشان.

شبه جزيرة القرم

وضع مسلمو شبه جزيرة القرم نموذجًا صارخًا للجرائم الروسية؛ حيث تعرضوا لكثير من المجازر قامت بها روسيا في حق المسلمين، وعانوا بحسب المتابعين لملف الأقليات المسلمة منذ سبعة عقود من اضطهاد ونفي وقتل وتجويع روسي بعد أن كان التتار المسلمون في جزيرة القرم يحكمون موسكو باتوا في اضطهاد ديني وعرقي ونفيٍّ وقتل، وتشرّد 90% منهم.

 

 

ويؤكد المراقبون أن مسلمي القرم بالجنوب، ومسلمو الدنباس بالشرق الذين يبلغ عددهم نحو مليوني نسمة، يخشون الآن من أن تفضي الأحداث الجارية إلى وقوعهم تحت احتلال روسي، خشية عودة مجازر “جوزيف ستالين” الذي قام بطرد مسلمي القرم إلى آسيا الوسطى بحجة التّعاون مع النازية، وإعدام 3500 مسلم تتري، وذلك عندما احتج المسلمون على إنشاء كيان يهودي في القرم عام 1928م، كما تكفل ستالين بتجنيد نحو 60 ألف تتري لمحاربة النازيين.

وكانت شبه جزيرة القرم تعرضت أثناء روسيا القيصرية لشتى ألوان القهر والتعذيب، وصادرت أراضيهم ومنحتها لمواطنيها، وصادرت مساجدهم ومدارسهم، واضطر نحو مليون وعشرين ألفًا منهم للفرار إلى تركيا، وقامت روسيا بتهجير الباقي إلى داخل المناطق الخاضعة لها، وهو ما لم يتم ملاحقته حتى الآن.