العدسة- ياسين وجدي:

علقت الإمارات العربية آمالا كبيرة على زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان لأبو ظبي في تجميل الصورة المهشمة بفعل مشاركتها في حرب اليمن وحصارها لدولة قطر والجرائم الحقوقية بحق المعارضين داخليا وخارجيا.

خلال الزيارة عمل محمد بن زايد على إظهار وجه آخر لأبو ظبي من خلال رفع شعارات “التسامح” وبناء مسجد وكنيسة بأسماء كل من شيخ الأزهر أحمد الطيب والبابا فرانسيس، لكن المنظمات الحقوقية كانت أقرب للواقع الأليم الذي تعيشه أبو ظبي التي هي بعيدة تماما عن شعار “التسامح” الذي رفعته لهذا العام.

 

هزيمة حقوقية !

فتحت زيارة بابا الفاتيكان الباب للحقوقيين لاستهداف انتهاكات الإمارات في مجال حقوق الإنسان ورفض استغلال بابا الفاتيكان في غسيل سمعة ولي عهد أبوظبي ، فكانت أبرز خسائره بحسب المراقبين.

ففي وقت زيارة البابا فرانسيس إلى الإمارات، نشر تلفزيون دويتشه فيله الألماني مقابلة على موقعه الإلكتروني الناطق بالانجليزية مع وينسل ميشالسكي مدير هيومن رايتس ووتش في ألمانيا، فضح فيها النظام الإماراتي واتهم ولي العهد بالتورط في العديد من انتهاكات حقوق الإنسان.

ميشالسكي أكد أن دولة الإمارات ليست دولة متسامحة، موضحا أنه كمسئول في منظمة حقوقية استغل الزيارة في توجيه رسالة مفتوحة إلى البابا تطلب منه معالجة وضع حقوق الإنسان أثناء وجوده في الإمارات ، واستخدم الأضواء التي أوجدتها زيارة البابا لجذب الانتباه إلى حالة حقوق الإنسان في البلاد، وفي الوقت نفسه، حاول أيضا لفت الانتباه إلى دور البلد كجزء من التحالف بقيادة السعودية في حرب اليمن.

منظمة العفو الدولية “أمنستي” ، بدورها طالبت في بيان بابا الفاتيكان بالتطرق إلى قضية المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين في الإمارات، والدعوة إلى إطلاق سراحهم من دون قيد أو شرط، مضيفة أن السلطات الإماراتية تحاول وصف عام 2019 بأنه عام التسامح، واستغلال زيارة بابا الفاتيكان على أنها دليل على احترام التنوع ، دون أن تعلن التخلي عن سياستها المتعلقة بالقمع الممنهج للمعارضين والمنتقدين.

مركز الإمارات للدراسات والإعلام”ايماسك” صنف هذه الزيارة في ذات الاتجاه ، حيث اعتبرها واحدة من الأدوات التي تحاول السلطات استخدامها لتغطية القمع والانتهاكات والحروب الخارجية التي تقودها الدولة وأثارت حفيظة المجتمعات وفي أحيان كثيرة سخطها في معظم أنحاء العالم العربي ذو الأغلبية المسلمة مؤكدا أن ما جرى ليس له علاقة من قريب أو بعيد بنشر ثقافة التسامح بين الديانات وتفعيل الإمارات “المتسامحة”، بل تغطية للتجاوزات الخطيرة التي ترتكبها السلطات بحق “المساجد” والمتدينين المسلمين في الإمارات ومن ضمنهم المواطنين.

الصورة في الغرب

وفي المعسكر الغربي يبدو فشل الزيارة واضحا حيث مازال وجه الإمارات مهشما، وهو ما أبرزته صحيفة “صنداي تلجراف” البريطانية مؤكدة أن الإمارات تستخدم “التسامح” كعلامة تجارية لتغطية الطابع الاستبدادي.

وقالت الصحيفة: على الرغم من شعبيتها كوجهة للبريطانيين لقضاء عطلتهم فإن الإمارات -التي تعتبر لاعب رئيسي في صراع اليمن إلى جانب المملكة العربية السعودية وحليف إقليمي رئيسي لبريطانيا- تحظر الأحزاب السياسية والجماعات المعروفة بالإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين، وتحتجز بشكل روتيني نشطاء حقوق الإنسان والأصوات الناقدة.

كما نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في تغطيتها عن ديفين كيني، الباحث في منظمة العفو الدولية المتخصص في الإمارات قوله إن الإمارات تقوم باستخدام الزيارة البابوية كدليل على التسامح، ولكن رغم ذلك، فإن الحكومة الإماراتية لا تتسامح مع المعارضة والانتقادات السلمية”.

كذلك فإن بابا الفاتيكان، سلط الضوء على الأزمة اليمنية التي تتورط الإمارات في أبرز جرائمها قبيل وصوله إلى أبوظبي ، ودعا بوضوح الأطراف المتحاربة في اليمن إلى إنهاء الأزمة الإنسانية، واحترام اتفاقات الهدنة ، وهو ما جسد فضيحة لمزاعم التسامح قبل وصوله إلى الإمارات.

في هذا السياق يرى مراقبون أن “بن زايد” خسر سياسيا كذلك ، خاصة في ظل وجود موقف واضح من البرلمان الأوروبي الذي أصدر مؤخرا قراراً يطالب الدولة بالإفراج عن الناشط الحقوقي البارز أحمد منصور الذي تم تأييد الحكم الصادر بحقه بالسجن عشر سنوات وغرامة مليون درهم ليلة رأس السنة الميلادية، كما طالب القرار بالإفراج عن المعتقلين الإماراتيين، في تعزيز لقراره عام 2012 بشأن المعتقلين السياسيين في القضية المعروفة دولياً بـ”الإمارات94″.

يأتي ذلك بجانب استمرار فضيحة تقرير رويترز في الغرب، والتي وثقت فيها كيف قامت الإمارات بتوظيف ناشطي وكالة الأمن القومي الأمريكي السابقين لاستخدام أحدث أدوات التجسس الإلكتروني لتتبع نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين الأجانب من إيران وقطر وتركيا، والتي لا يبدو أن مثل هذه الزيارة قد تغطى عليها كثيرا وفق البعض.

التلاعب بالدين !

التجارة بالدين ، كان اتهاما رائجا من منصات الإمارات في مواجهة خصومها ولكن هذه المرة وجهت لها سهام الاتهام نفسه ، حيث كان البعد الديني حاضرا في خسائر “بن زايد” من الزيارة، حيث جاء في سياق السماح بأول قداس هو الأول لقيادة دينية مسيحية في شبه الجزيرة العربية، بجانب قراره الخاص بتشييد “بيت العائلة الإبراهيمية” في أبوظبي تخليداً لذكرى الزيارة المشتركة للبابا فرنسيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بالتزامن مع تغريدات متواترة على تويتر عن دعمه الفاتيكان ماليا وهو ما فتح النار عليه عبر وسم “#الإمارات_تدعم_بابا_الفاتيكان“.

 

وشن مغردون هجوما عليه ، وقال المغرد عبد الرحمن أحمد على حسابه بموقع “تويتر” :” الانبطاحية الزائدة عند المسيحيين مالها هدف لنا وشعاراتهم للسلام كلها زائفه، والعداء أبدي”فيما قال المغرد محمد المصري :” السادات حاول يعمل الهبل ده في سانت كاترين  وقتل في النهايه يا مسهل” بحسب تعبيره باللغة العامية المصرية.

واختار المغرد “رحومه ثابت لعميري” آية قرانية للتعبير عن رفضه لما قام به “بن زايد:” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” في إشارة إلى أن أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كان حنيفا مسلما.

ما قام به “بن زايد” أثار انتقادا من زاوية مواقف البابا نفسه ، وهو ما لفت الانتباه له المغرد عبدالله الخربوش قائلا :” هذا البابا هو نفسه من بارك الحملات الصليبية “، كما انتقد المغرد “صدام هزاع الوجيه” “بن زايد” لسماحه بأول قداس للنصارى في جزيرة العرب يُقام بعد البعثة المحمدية ، موضحا في تغريدته أن البعض يتحدث عن حرية الأديان لكن ما يحدث في الإمارات لا علاقة له بحرية ولا بسماحة ولا بسلام.

وفي هذا الإطار سقطت بحسب البعض قناعات الدولة العلمانية التي زعم  سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة أن بلاده تحارب من أجلها خلال عقد من الزمن، وظهرت ملامح الدولة “الثيوقراطية” في أدبيات منظريها ، واستند هذا الفريق إلى استغلال نظام “بن زايد” الدين في التغطية على الاستبداد وتغريدات منسوبة لـ أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، التي مجد فيها استضافة بلاده لقداس بابا الفاتيكان، فرانسيس إلى جانب شيخ الأزهر، أحمد الطيب.

كنيسة تلاحقها فضائح!

ورغم الدعاية الكبيرة التي شنتها منصات الإمارات للترويج للزيارة ، إلا أن الدعاية السلبية المتزامنة مع بابا الفاتيكان لازالت في صعود بسبب فضائح الاعتداءات الجنسية التي تلاحق الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وتضع البابا فرانسيس أمام أكبر أزمة فى بابويه ، كما وضعت “بن زايد” في موقف سلبي جديد وفق البعض.

وبحسب صحيفة “واشنطن بوست”، فقد شهد الرجل موجة جديدة من الفضائح لا تتوقف.

ومؤخرا قام البابا فرنسيس بإبعاد اثنين من مستشاريه في الدائرة المقربة منه، وهما الأسقف الأسترالي جورج بيل الذي يتم تتبعه قضائيا في استراليا بسبب ارتكاب اعتداءات جنسية بحق أطفال، أما الأسقف الثاني فهو فرنسيسكو أرازوريز الذي يشتبه في أنه تكتم في الشيلي على سلوكات كاهن شاذ جنسيا.

الفضائح دفعت البابا فرانسيس كذلك لقبول استقالة رئيس أساقفة واشنطن الكاردينال دونالد ويرل بعد تورطه بفضيحتين جنسيتين وتستره على فضائح تحرش وخسارته لدعم الكثير من رعيته المسيحية!.

ومن المنتظر خلال هذا الشهر عقد اجتماع بابا الفاتيكان بأساقفة العالم لمناقشة قضية التحرش الجنسي بالأطفال، والتي يعتبرها البعض فرصة أخيرة للبابا فرانسيس لاستعادة الثقة في شخصه بعد اهتزاز صورته نتيجة عدم اتخاذه إجراءات حاسمة بشأن فضائح استغلال الأحداث والتحرش بهم على يد القساوسة ورجال الدين.