حذر المسؤولون الإسرائيليون الولايات المتحدة من محاسبة السعودية ومصر على انتهاكات حقوق الإنسان، أو المخاطرة بدفعهما إلى أحضان الصين وروسيا وإيران، وهو طلب مباشر لأن يتراجع بايدن عن وعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية ووزير الخارجية بلينكين “بوضع حقوق الإنسان في صميم السياسة الخارجية للولايات المتحدة”.

على الرغم من خطاب حملته الانتخابية الذي ينتقد ولع ترامب بولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس السيسي، لم يبذل بايدن منذ توليه منصبه سوى القليل من الجهود للضغط على الحكومتين السعودية أو المصرية بشأن حقوق الإنسان، لقد أوقفت واشنطن مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية مؤقتاً، لكنها سمحت بعد ذلك بمرور صفقات معينة.

في غضون ذلك، رفض بايدن معاقبة محمد بن سلمان، رغم تأكيده أن محمد بن سلمان أمر باغتيال جمال خاشقجي بعد رفع السرية عن تقرير استخباراتي أمريكي بشأن واقعة الاغتيال.

على الصعيد المصري، من الواضح أن إدارة بايدن تعتزم إرسال 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن للقاهرة كل عام، متعدية بذلك قرارات الكونغرس بوقف ما يقرب من ربع هذا التمويل إذا استمرت الحكومة المصرية في انتهاك حقوق الإنسان، وهو أمر لم تتوقف عنه مصر.

في هذه الأثناء، خلال اجتماعهم الأول في أغسطس/آب، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بايدن باستراتيجية معينة لكبح طموح إيران، مشيراً إلى سعيه لشن عدة هجمات صغيرة بدلاً من ضربة واحدة حاسمة.

ولهذه الغاية، طلب بينيت من بايدن إبقاء القوات الأمريكية في العراق وسوريا، وتجاهل هدف بايدن المعلن بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.

بغض النظر عن غضب إسرائيل بتوجيه الولايات المتحدة لإعطاء الأولوية لتفضيلات السياسة الخارجية الإسرائيلية، فليس من المستغرب أن بايدن لن يحاسب المملكة العربية السعودية ومصر على انتهاكات حقوق الإنسان.

يوجه فريق بايدن السياسة الخارجية بشكل متزايد حول مواجهة التهديد المتصور الذي تشكله الصين، لذلك فإن تحذيرات إسرائيل من تنفير الشركاء العرب خوفاً من دفعهم أكثر إلى الصين يعكس بالفعل تفكير الكثيرين في البيت الأبيض.

إن قلق إسرائيل من أن أي انتقادات قد توجهها الولايات المتحدة للسعوديين والمصريين سيدفعهم إلى التواصل مع إيران هو أمر يستحق التحليلات.

بشكل عام، صورت الرواية في واشنطن العداء بين الرياض وطهران على أنه يقود العديد من ديناميكيات الصراع في الشرق الأوسط، حيث الحرب بالوكالة التي انتشرت في المنطقة، وهو أمر يؤجج الطائفية والحروب الأهلية.

عام 2016، أكد الرئيس أوباما أن السعوديين والإيرانيين بحاجة إلى تعلم كيفية مشاركة المنطقة، الأمر الذي أثار غضب النظام السعودي في ذلك الوقت.

ومع ذلك، كما يتضح من تحسن العلاقات بين إيران ودول الخليج، فإن العداء الموجه ضد إيران منذ فترة طويلة يعكس اعتقاد قادة دول الخليج العربية بأن واشنطن ستتصدى لطهران إذا تصاعد الصراع، لكن بعد اتفاق أوباما النووي مع إيران، ورد ترامب الصامت على الهجوم على منشآت النفط السعودية، وانسحاب بايدن الآن من أفغانستان، أصبح من المعلوم بوضوح لدى ملوك الخليج أن مصالحهم قد لا تتوافق مع توجهات الولايات المتحدة.

إسرائيل، التي مثلت لها اتفاقيات “أبراهام” فرصة لبناء تحالف مناهض لإيران، تفضل استمرار الخلاف العربي الفارسي، لهذا السبب، تريد إسرائيل من الولايات المتحدة أن تبقي شركاءها الأمنيين العرب على مقربة بدلاً من انتقادهم ودفعهم إلى أحضان إيران وروسيا.

ومع ذلك، على عكس المستوى العالي من الاهتمام الذي تلقوه على مدى العقود القليلة الماضية، يشعر القادة العرب بالإهمال لأن الولايات المتحدة تقضي على الحروب المكلفة اقتصادياً وسياسياً التي دخلتها بعد 11 سبتمبر.

حتى إذا ظل التواجد العسكري الأمريكي في الخليج دون تغيير إلى حد كبير، وامتنعت الولايات المتحدة عن إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان، فقد يسعى القادة العرب إلى مصادر بديلة للأسلحة من أجل تقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة التي فيما يبدو لم تعد موثوقة.

من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة أزالت معظم دفاعاتها الصاروخية من السعودية في الأسابيع العديدة الماضية، مما جعل الدولة تشعر بأنها عرضة لهجمات الحوثيين الصاروخية من اليمن، كما يؤكد قرار بايدن نشر تقرير سري لمكتب التحقيقات الفيدرالي سابقًا يكشف عن اتصالات بين خاطفي الطائرات في 11 سبتمبر وبعض المسؤولين السعوديين أن السياسة الأمريكية لم تعد خاضعة للتفضيلات السعودية كما كانت من قبل.

الهيمنة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط هي التي ساهمت في العداء العربي لإيران، ومن المفارقات أن الأمر تطلب من الولايات المتحدة أن تلعب دورًا أقل تأثيرًا للسعوديين والإيرانيين لتعلم التعايش.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات الطائفية، التي تفاقمت بسبب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تعزز مشاعر الشك الشخصية تجاه الشيعة وكذلك إيران في العديد من المجتمعات العربية السنية، ومع ذلك، فإن الجغرافيا السياسية ستخمد تأثير هذه المشاعر مع توسع النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.

ونظراً لأن لكل من روسيا والصين علاقات مثمرة مع إيران، فإن الدول العربية التي تشتري الأسلحة من موسكو وبكين ستكون أقل احتمالًا لتوجيهها إلى طهران.

علاوة على ذلك، لن يربط الصينيون ولا الروس مصلحتهم بمصلحة إسرائيل، كما تفعل الولايات المتحدة، وهذا هو السبب الرئيسي وراء قلق إسرائيل.

أعضاء مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن يرون أن الحفاظ على حقوق الإنسان يكون مضموناً إذا كانت الولايات المتحدة هي التي تبيع الأسلحة وليس الصين أو روسيا، وإلى جانب التدريب والتفاعلات العسكرية الأخرى، تؤكد الولايات المتحدة على أهمية حقوق الإنسان لشركائها الأمنيين، في حين أن الصين وروسيا وإيران لن تطلب من القادة العسكريين العرب حضور محاضرات حول حقوق الإنسان.

ومع ذلك، من الواضح أن بيع آلة الموت هو لعنة لحماية حقوق الإنسان مهما تحدثت الدول المنتجة عن أهمية حقوق الإنسان، لذلك إذا أرادت واشنطن حماية حقوق الإنسان، عليها عدم بيع الأسلحة لهذه الدول في المقام الأول.

علاوة على ذلك، يقدم النهج الأمريكي نموذجاً لمنتهكي حقوق الإنسان، يوضح أنه من منظور الولايات المتحدة: فإن الحديث عن حقوق الإنسان كاف، وليست هناك حاجة لتغيير سلوك الفرد لحمايتهم فعلياً.

من خلال التعامل مع مخاوف حقوق الإنسان بالحديث عنها فقط دون خطوات عملية، فإن الولايات المتحدة تقوض الفرضية القائلة بأن حقوق الإنسان مهمة بما يكفي للحماية.

على الرغم من تحذيراتها لتجنب إبعاد الشركاء العرب عن الكثير من الحديث عن حقوق الإنسان، فقد تكيفت إسرائيل بالفعل مع التغيرات الجيوسياسية في المنطقة: فتحت الصين للتو أول ميناء خاص في إسرائيل، رغم اعتراضات أمريكية.

على الرغم من مطالبة إسرائيل للولايات المتحدة بمواصلة الإذعان لأهداف الحكومة الإسرائيلية، فإن تل أبيب لن تفعل الشيء نفسه مع واشنطن.

وعلى الرغم من أنه لم يسبق له مثيل، فإن هذا الدليل الأخير على أن إسرائيل ستتبع أجندتها الخاصة يكشف أنه يجب على الولايات المتحدة اتباع نفس النهج.

لقد مضى وقت طويل على قيام الرؤساء الأمريكيين بإعطاء الأولوية لمصالح الولايات المتحدة على مصالح إسرائيل.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا