خلت الحرب اليمنية منعطفاً جديداً مع الانسحاب أحادي الجانب لمسلحي جماعة الحوثيين من موانئ محافظة الحديدة (غربي اليمن)، طبقاً لاتفاق السويد (6-13 ديسمبر الماضي)، في ظل ترحيب الأمم المتحدة بالخطوة وتشكيك الحكومة اليمنية بجديتها.

وانسحب مسلحو “الحوثي” من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، شمالي محافظة الحديدة، السبت الماضي، بإشراف من لجنة إعادة الانتشار التابعة للأمم المتحدة التي يقودها الدنماركي مايكل لوليسغارد، وفق ما تحدث به شهود عيان لـ”الخليج أونلاين”.

في حين استلمت قوات من خفر السواحل المحلية الموانئ، وسط جدل حول طبيعة تلك القوات وولائها.

من جانبه أعلن ممثل جماعة الحوثيين في لجنة إعادة الانتشار التابعة للأمم المتحدة، محمد القادري، أنّ مسلحي جماعته “نفذوا التزامات المرحلة الأولى لإعادة الانتشار من الموانئ في الحديدة”، وأن على الأمم المتحدة والحكومة اليمنية تنفيذ التزاماتهما.

وكان اتفاق السويد الذي توصل إليه طرفا النزاع في اليمن، برعاية المبعوث الأممي مارتن غريفيث، قد نص على انسحاب الطرفين من موانئ محافظة ومدينة الحديدة، وتسليمها لقوات الأمن المحلية، لكن الاتفاق تعذّر تنفيذه بسبب تباين الطرفين في تفسير نصوصه.

ترحيب أممي بريطاني

وجاءت تلك الخطوة عقب محاولات حثيثة من الأمم المتحدة لتطبيق اتفاق السويد، الذي بدت فيه عاجزة عن تحقيق تقدم في أي من بنوده، منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، 18 ديسمبر الماضي.

ودفع انسحاب الحوثيين إلى إعلان الأمم المتحدة ترحيبها بالخطوة، وقال رئيس لجنة إعادة الانتشار لوليسغارد، إنّ انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة سار وفق الخطط الموضوعة.

وأضاف في بيان وزّعه على وسائل الإعلام، في وقت متأخر من مساء الأحد، إنه جرت مراقبة الموانئ الثلاثة من قِبل فرق الأمم المتحدة عند خروج القوات العسكرية من الموانئ وتولي “خفر السواحل” مسؤولية الأمن فيها.

وأشار إلى أنه من المتوقع أن تركز الأنشطة خلال الأيام القادمة على إزالة المظاهر المسلحة وإزالة الألغام، مؤكداً أنّ الأمم المتحدة ستجري التحقق الرسمي من المرحلة الأولى لعملية إعادة الانتشار، يوم الثلاثاء المقبل.

وقال وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت، إنّ بدء انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة “بوادر مشجعة لإنهاء أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.

وكان المبعوث الأممي إلى اليمن، غريفيث -وهو بريطاني الجنسية- قد أعلن، الجمعة الماضي، بدء تطبيق المرحلة الأولى من اتفاق السويد.

وتتضمن المرحلة الأولى انسحاب قوات الطرفين من خطوط المواجهات جنوبي وشرقي الحديدة وفق مسافات محددة، طبقاً لما تحدث به مصدر عسكري في الحكومة اليمنية لـ”الخليج أونلاين” في وقت سابق.

تشكيك حكومي

بدورها شككت الحكومة اليمنية في الخطوة ووصفتها بـ”المسرحية”، وقالت إن ما حدث هو تبادل أدوار بين المسلحين الحوثيين، حيث انسحب المسلحون الحوثيون الذين يرتدون الزي المدني وبقي حوثيون آخرون بزي قوات خفر السواحل.

ويسيطر الحوثيون على مدينة الحديدة ومينائها الرئيسي الذي يستقبل معظم واردات البلاد والمساعدات الدولية، منذ مطلع 2015، بينما تطوّق القوات الموالية للحكومة المدينة الواقعة على ساحل البحر الأحمر من الجنوب والشرق، منذ سبتمبر العام الماضي.

وعبّر محافظ الحديدة، الحسن طاهر، في مداخلة له مع قناة “العربية” السعودية، عن رفضه لهذه الخطوة التي وصفها بـ”المسرحية”، وقال: “سنظل الطرف الرئيسي في أي اتفاق”.

وأضاف أن ما يجري في الحديدة هو محاولة تغطية على فشل جهود المبعوث الأممي، وأن اتفاق إعادة الانتشار من الموانئ وإزالة الألغام نص على مراقبة ثلاثية (من الأمم المتحدة والحكومة اليمنية والحوثيين).

وشكك وزير الإعلام، معمر الإرياني، في عملية انسحاب الحوثيين، وقال في تغريدة على صفحته بموقع “تويتر” إن عرض الحوثيين إعادة الانتشار من موانئ الحديدة “غير دقيق ومُضلِّل”، مضيفاً: إنّ “أي انتشار أحادي لا يتيح مبدأ الرقابة والتحقق هو مراوغة وتحايل لا يمكن القبول به”.

وتطالب الحكومة اليمنية برقابة مشتركة على تنفيذ خطوات الانسحاب من الحديدة وفق اتفاق السويد؛ الذي نص على أن تراقب لجنة إعادة الانتشار التابعة لها -التي تضم ممثلين من الحكومة والحوثيين- خطوات تنفيذ الانسحاب من الحديدة ونزع الألغام وفتح المعابر.

وقال رئيس الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار، صغير عزيز، في تغريدة على “تويتر”: إن “أي انتشار أحادي بدون رقابة وتحقيق مشترك يعتبر تحايلاً على تنفيذ الاتفاق ومسرحية هزلية كسابقاتها، وأي تحرك أو انتشار أحادي سوف يعري الأمم المتحدة”.

تجدد القتال

وتجدد القتال، فجر أمس الاثنين، جنوبي مدينة الحديدة بعد يومين من إعلان الحوثيين انسحابهم، وقال مصدر عسكري في القوات الحكومية: إنّ “معارك عنيفة اندلعت بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة، في الساعات الأولى من فجر اليوم”.

وأوضح لـ”الخليج أونلاين” أن “القتال الذي استخدم فيها الطرفان الأسلحة الثقيلة والمتوسطة استمر لساعات قبل أن يتوقف”.

ويصر الحوثيون على التمسك بمدينة الحديدة أمام تقدم القوات الحكومية، وفي منتصف مارس قال رئيس اللجنة الثورية العليا وعضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين (أعلى سلطة سياسية للحوثيين)، محمد علي الحوثي، إن جماعته لن تسلم المدينة.

ونقلت وكالة أنباء “أسوشييتد برس” عن الحوثي قوله، إن جماعته وافقت على سحب قواتها من المدينة “لكنها ستظل تحتفظ بالسيطرة عليها”.