العدسة: محمد العربي

فيما وصفه المراقبون بأنه محاولة لتبييض صورته بعد اتهامه بالضلوع في مقتل الصحفي, بدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سلسلة فعاليات في محاولة لتخفيف حدة الهجوم الذي يتعرض له منذ مقتل خاشقجي مطلع الشهر الماضي.

وفي هذا الإطار قام ابن سلمان بزيارة مصابي الجيش السعودي في الاشباكات التي تشهدها الحدود الجنوبية، محاولا الظهور بشكل يؤكد متانته وقوته، حيث حرص على إجراء حوارات مع المصابين وذويهم والإشادة بما يقدموه من تضحيات في سبيل رفعة ومكانة المملكة.

وقد نشرت وكالة الأنباء السعودية (واس) مقاطع فيديو تظهر ابن سلمان وهو يصافح المصابين مرددا عبارة  “بيض الله وجهكم”، وبعدها سلمهم جوائز تكريما لجهودهم.

خطة الخلاص

وطبقا لصحيفة “ذا ديلي بيست” الأميركية، فإن ولي العهد كلف أميراً نافذاً في العائلة الحاكمة بالدفاع عن سمعة المملكة خارجياً عقب قتل خاشقجي بمقر قنصلية بلاده في إسطنبول.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، سعى وراء الولايات المتحدة وتركيا وكل من هاجم المملكة منذ مقتل خاشقجي، من أجل تحسين صورة المملكة عقب الجريمة.

ونقل الموقع أن الأمير تركي الفيصل تحدث في المؤتمر السنوي لصناع السياسات العربية-الأميركية بواشنطن، يوم الأربعاء الموافق 31 أكتوبر 2018، مؤكدا أن الجريمة التي وقعت بالقنصلية السعودية مأساوية وغير مبررة، وهي موضوع الهجوم الحالي على السعودية وشيطنتها.

ووصفت “ذا ديلي بيست” ما يقوم به تركي الفيصل بأنه يمثل حملة لعدة مسؤولين سعوديين لإنقاذ سمعة السعودية وإعادة بنائها، وكذلك سمعة ولي عهدها محمد بن سلمان، الذي ألقى عليه بعض المسؤولين الأميركيين، الحاليين والسابقين، اللوم لتدبيره الاعتداء على خاشقجي.

وتشير الصحيفة الأمريكية أن مسئول العلاقات العامة الجديد تركي الفيصل سيجتمع مع أعضاء من الكونجرس وجماعات ضغط ومسؤولين حكوميين وموظفين بالأمم المتحدة، وغيرهم من كبار الشخصيات؛ كوسيلة لتعزيز صورة السعودية بعد مقتل خاشقجي.

ورجحت مصادر للصحيفة أن تكون مهمة الفيصل الأساسية هي الدفاع عن قدرة ولي العهد على حكم البلاد، مؤكدين أنه يبدوا أن ابن سلمان يعتمد على مسؤولين أكثر حنكة يتمتعون بالوقار، ويحظون بالاحترام في الغرب مثل تركي الفيصل، لتجنب حادث خاشقجي آخر.

حلحلة داخلية

ويرى المتابعون أن ما تناقلته الصحافة العالمية خلال الأيام الماضية حول تداعيات قضية خاشقجي، تؤكد أن هناك عدة خطوات سوف يتخذها ابن سلمان على الصعيد الداخلي والخارجي من أجل تخفيف الضغط عليه، ويشير المتابعون أنه على الصعيد الداخلي تأتي حملة العلاقات العامة التي يقوم بها ابن سلمان سواء في زيارته للمصابين التي حظيت بتغطية إعلامية سعودية واسعة، أو بتكثيف المناسبات الترفيهية التي تقوم بها هيئة الرياضة السعودية، كالتمهيد لمباراة السوبر الإيطالي التي تستضيفها مدينة الرياض منتصف يناير المقبل، أو من خلال التوسع في مباريات الملاكمة الاستعراضية.

ويشير أصحاب الرأي السابق أن ابن سلمان أنهى الحظر الإعلامي الذي كان مفروضا على رجل الأعمال الوليد بن طلال، والذي أجرى بدوره العديد من اللقاءات الصحفية أشاد فيها بالخطوات الإصلاحية لابن سلمان، مؤكدا أن يداه بريئة من دم خاشقجي، وطبقا للمتابعين فإن ابن سلمان اعتمد على الوليد لعدة أسباب، منها علاقة الوليد السابقة بخاشقجي والتي وصفها الملياردير السعودي بأنها كانت قوية وأخوية رائعة، بالإضافة للمكانة التي يحظى بها الوليد لدى صناع القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي دوليا.

ويؤكد المتابعون أنه عندما يتحدث الوليد عن حسن تصرف ولي العهد معهم عندما اعتقلهم باعتبار أن بعضهم يستحق ذلك لتورطه في الفساد، فهو يقدم مبررا واضحا على خطوات ابن سلمان التي وصفها البعض بأنها كانت تعبر عن سطوته وجبروته، كما أنه تشير إلى أن ولي العهد استطاع أن يسيطر على واحد من أهم الشخصيات السعودية.

وطبقا لتحليلات أخرى فإن الجولة التي بدأها الملك سلمان في أرجاء المملكة منذ الثلاثاء تأتي ضمن حملة الدعم الشعبي وتجميل الصورة التي اهتزت بعد اعتراف المملكة بقتل خاشقجي، بالإضافة لحرص ابن سلمان على تخفيف الحراسة الأمنية التي كان يسير في ركابها، وقيامه بتدشين عِدَّة مَشروعاتٍ ضخمة للأبحاث النوويّة.

ويرى المتابعون أن قرار الملك سلمان بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في منطقة القصيم بمناسبة زيارته لها، وقبلها الإفراج عن الأمير خالد بن طلال شقيق الوليد بن طلال بعد اعتقال دام قرابة عام، وإصدار النيابة العامة بالسعودية قرار بمعاقبة صاحب العمل “الكفيل” الذي يحتجز جواز سفر العامل، بالسجن 15 سنة وغرامة بمليون ريال، كلها إجراءات تأتي ضمن حملة تجميل وجه الملك وولي عهده، الذي أراد بهذه الإجراءات استرضاء المنظمات الحقوقية التي توجه انتقادات مستمرة لسياسة الكفيل، وتطالب باستمرار بإطلاق سراح معتقلي “الريتز”.

بن سلمان يرجع للخلف

ويرى عدد من الخبراء أنه على الصعيد الدولي، فإن الصحافة العالمية توقعت أن يقوم ابن سلمان بعدة خطوات للخلف كمحاولة لتهدئة الأجواء الدولية المحيطة به، حيث أشارت صحيفة “أوراسيا ديلي” الروسية إلى أن ابن سلمان قد يُجبر على تقديم عدة تنازلات دون مقابل، أبرزها رفع إنتاج الرياض من النفط المخصص للأسواق الخارجية، خاصة بعد الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على النفط الإيراني، وكذلك مراجعة سياسة السعودية في عدة قضايا متعلقة بالمنطقة من بينها إنهاء المواجهة السياسية مع جماعة الإخوان المسلمين، والتعجيل بالمصالحة مع قطر، والتعامل مع تركيا ورئيسها أردوغان في ملف الأكراد، بما يعني أن تتخلى الرياض عن دعم الأكراد السوريين في الضفة الشرقية لنهر الفرات، وعدم تدخلها في العلاقات التركية الإيرانية.

ويستدل أصحاب الرأي السابق بقراءة أخرى قدمتها جريدة القدس العربي تشير لنفس السيناريو، بعد حرص ابن سلمان على مغازلة تركيا وقطر خلال مؤتمر الاستثمار الذي عقده قبل أيام بالرياض.

هل ينجح؟!

وانطلاقا من المعلومات السابقة لتحسين صورة ابن سلمان، يبدو السؤال السابق ملحا، خاصة وأن قضية خاشقجي التي تجاوزت الشهر لم تبرح مكانها، ومازال ابن سلمان ثابتا في مكانه، رغم كل التكهنات التي ألمحت لإقصائه، إلى الحد الذي توقع معه البعض أن تكون عودة شقيق الملك سلمان الأمير أحمد بن عبد العزيز، إيذانا لتغير ولاية العهد لصالحه، مع البحث عن مخرج آمن يحمي رقبة الدب الداشر.

وقد نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن الباحث بجامعة تكساس “غريغوري غوز”، قوله بأن “عودة أحمد بن عبد العزيز مؤشر هام على مناورة داخل العائلة المالكة”، مُضيفاً: “شيء ما يتم ترتيبه”.

وتشير تقارير صحفية إلى أنه يُنظر إلى الأمير أحمد بن عبد العزيز باعتباره شخصية ذات ثقل خاص في الأسرة الحاكمة بالمملكة، فهو شقيق الملك سلمان الوحيد الباقي على قيد الحياة من أصل سبعة إخوة هم أبناء الملك عبد العزيز آل سعود من زوجته حصة بنت أحمد السديري، وقد شكل الإخوة كتلة قوية بين عشرات من أبناء الملك عبد العزيز الآخرين وخلف بعضهم بعضاً على عرش المملكة.

ولذلك يرى المتابعون أن عودته إما أنها تأتي ضمن حملة العلاقات العامة التي ينفذها ابن سلمان، أو أنها تأتي ضمن تغيرات متوقعة في البيت الملكي السعودي، ويشير المتابعون أن من يحدد أي الطريقين سوف تسير فيه الأمور، هي أنقرة وليس الرياض، في ظل سياسة الرئيس التركي أردوغان، ومُستشاريه والإعلام التركي بشكل عام، بالنَّبشِ المستمر في قضيّة خاشقجي، بما يشير إلى أنه مازال لديهم ما يقدموه من معلومات وأدلة تؤكد أو تنفي تورط ابن سلمان.