كتب- باسم الشجاعي:

فِي الوقت الذي تتجه في أنظار العالم صوب دولة قطر، بعد تسلمها شارة تنظيم مونديال كأس العالم لكرة القدم لعام 2022- الحدث الأول من نوعه في الوطن العربي- بدأ إعلام دول الحصار (على رأسهم دولتا الإمارات والسعودية) شنّ حملة “شرسة” ضد الدوحة وأميرها الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”.

ولكن يبدو أنَّ الأمر لم يَرُقْ لجيران قطر؛ حيث كشف الكاتب البريطاني “جيم ووترسن” عن “تمويل “سعودي- إماراتي” محتمل لمؤتمر عُقِد منذ أيام لمنظمة تُدعى “مؤسسة النزاهة الرياضية” في لندن، يهدف إلى التشكيك في منح تنظيم بطولة كأس العالم 2022 لدولة قطر”.

الكاتب البريطاني، أكّد في مقال له بصحيفة “الجارديان”، “الثلاثاء” 17 يوليو- أنَّ الحدث استضافه “جيمي فولر”-رجل أعمال أسترالي يقيم حملات لصالح الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”- ورفض تحديد مصدر التمويل، مشيرًا إلى أنه بالرغم من غياب الشفافية حظِي الحدث بتغطية إعلامية كبيرة في بريطانيا، ومن وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي مقرَّبة من السعودية والإمارات.

“ووترسن”، تساءل عن هذا الاهتمام غير المبرر، قائلًا: ” لماذا انصبَّ تركيزهم– مؤسسة النزاهة الرياضية”- على موضوع استضافة الدوحة كأس العالم عام 2022 بالرعم من أنَّ المؤسسة لديها اختصاص في جميع الألعاب الرياضية”.

وكان من بين ضيوف هذا المؤتمر، لاعب مانشستر يونايتد السابق “لويس ساها” ورئيس الاتحاد الإنجليزي “السابق”، “جريج دايك”، ورئيس لجنة الشؤون الرقمية بالبرلمان البريطاني””داميان كولينز”، وحارسة مرمى المنتخب الأمريكي لكرة القدم للسيدات “هوب سولو”، وتلقى جميعهم أموالًا كبيرة، وفق ما أكده الكاتب البريطاني.

وبعيدًا عمّا كتبه “ووترسن”، أثبتت الوثائق التي حصل عليها الصحفيون، أنَّ بعض الحجوزات في المؤتمر جاءت باسم شركة بريطانية تسمى “Akta Group”، والتي تديرها زوجة “خالد الهيل”- معارض قطري مقيم بالخارج-، والذي نظّم من قبل، مؤتمر “قطر في منظور الأمن والاستقرار الدولي”، تحدث خلاله عن أهمية الانقلاب في بلاده، وأكدت تقارير دولية وقتها أنه تلقَّى تمويل المؤتمر من السعودية والإمارات.

فحملات تشويه مونديال قطر ليست وليدة اللحظة؛ حيث سبق وأن كشف موقع “إنترسبت” الاستخباراتي الأمريكي، نوفمبر 2017، عن وثائق تثبت سعي دولة الإمارات العربية لسحب تنظيم بطولة كأس العالم من قطر.

واستند الموقع إلى وثائق، يقول إنّه حصل عليها من البريد الإلكتروني لسفير أبوظبي في واشنطن “يوسف العتيبة”، أظهرت “مزيدًا من الأدلة على سعي أبوظبي لسحب تنظيم كأس العالم من قطر، باستخدام ملايين الدولارات، وفتح عدة جبهات (لم يذكرها) ضد ملف قطر، في خطة أعدّها بنك “هافيلاند” الخاص في لوكسمبروج، والذي تملكه عائلة المموِّل البريطاني المثير للجدل “ديفيد رولاند”، وهو على صلة وثيقة بولي عهد أبوظبي الشيخ “محمد بن زايد”، وكانا قد أنشآ معًا مؤسسة مالية بالتعاون مع الصندوق السيادي الإماراتي.

وتشير التسريبات التي تمّ الحصول عليها من بريد “العتيبة” إلى أنَّ الخطة بدأت وكانت ذروتها بالحصار الذي فُرض على قطر في 5 يونيو 2017 من قِبل “الإمارات والسعودية والبحرين ومصر”، وذلك من خلال تخفيض قيمة السندات في الدوحة؛ ومن ثمّ زيادة تكاليف التأمين عليها، ما يؤثر سلبًا على العملية النقدية في البلاد.

فيفاقطعت الطريق

وعلى ما يبدو أنَّ تلك الحملات التي تقودها الإمارات والسعودية– وفق ما أكّد متابعون- لن تلقى آذانًا صاغية لدى الاتحاد الدولى لكرة القدم “فيفا”؛ حيث أكد المحقق الأمريكي “مايكل غارسيا”، الخاص بالملفات المتقدمة لنيل تنظيم مونديالي 2018 و2022، في وقت سابق– تحديدًا في يونيو 2017- نزاهة الملف القطري، وعدم وجود أي شبهة فساد.

وقضى “غارسيا”- يعمل الآن قاضيًا منتسبًا بمحكمة الاستئناف في نيويورك- 18 شهرًا، وحاور 75 شاهدًا في طريقه لإعداد التقرير المكوّن من 400 صفحة، وبحث في ملفات قطر وإنجلترا وأستراليا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية واليابان وهولندا وبلجيكا، لاستضافة كأسي العالم عامي 2018 و2022 تواليًا.

وتوّج الأمر بتسلم أمير قطر، الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، راية استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم “قطر 2022” رسميًّا، الأحد الماضي، بحضور الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، و”جياني إنفانتينو” رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”.

على أن يقام المونديال القطري في الفترة الممتدة بين 21 نوفمبر و18 ديسمبر، بدلًا من الموعد المعتاد للبطولة في الصيف؛ نظرًا إلى الظروف المناخية في الدولة الخليجية، وهو ما أكّد فشل المحاولات السابقة لدولتي الإمارات والسعودية لتشويه صورة الدوحة.

إدمان الفشل

وبالرغم من الفشل الذي مُنِيت به المحاولات السابقة لتشويه مونديال قطر، مازالت الإمارات والسعودية مستمرتين في سياستهما ضد الدوحة متجاهلتين تصريح الأمير الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، بأن يكون مونديال 2022 “بطولة لكل العرب”.

فقطر كانت تأمل أن يكون مونديال 2022 فرصة ذهبية لتوحيد العرب، إلا أنَّ الرياض وأبوظبي رفضتا، وبدأتا في حملة ممنهجة لتشويه صورة قطر عبر وسائل إعلامهما الخاصة، وكانت البداية مع صحيفة “الحياة” السعودية، التي انتقلت مؤخرًا من العاصمة البريطانية لندن إلى دبي الإماراتية.

وخرجت الصحيفة السعودية بعنوان “غير مهني”: “العالم يودِّع أجمل مونديال.. ويتطلع إلى بطولة ٢٠٢٦!”، متجاهلة استلام أمير قطر الراية المونديالية.

ولم تمضِ ساعات قليلة على عنوان “الحياة”؛ حتى خرج الكاتب السعودي “حسين شبكشي” بمقال في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، وصف من خلاله مونديال قطر بأنه سيكون “الأسوأ” في تاريخ نهائيات كأس العالم.

وتحت عنوان (“اسحبوه من قطر”.. مطالب دولية بحرمان الدوحة من كأس العالم 2022)، أفردت صحيفة “الدستور” المصرية، صفحتها لتقرير يهاجم الدوحة وتنظيمها لكأس العالم المقبل.

وعلى هذا المنوال سارت أيضًا صحيفة “عكاظ” السعودية؛ حيث شنّت هجومًا هو الأعنف في وسائل الإعلام على الدوحة، في تقرير حمل العنوان “عواصف مصاحبة لكأس العالم في قطر: فساد.. أزمات سياسية.. دوامة التعويضات”.

 من الخاسر؟

مع العدّ التنازلي لانطلاق مونديال قطر 2022، والذي يأتي في ظلّ الأزمة الخليجية التي تعصف بالمنطقة منذ 5 يونيو 2017، وفشل الحملات الممنهجة من قِبل دول الحصار “مصر والإمارات والسعودية والبحرين”، يبدو أنَّ الخاسر هو الرباعي العربي.

ففي حال تأهل أحد منتخبات دول الحصار لكأس العالم 2022، ستجد نفسها في “مأزق”، وستكون بين خيارين أحدهما المشاركة مرغمة، واللعب فوق ملاعب الدوحة، وما يترتب على ذلك من خضوع كامل لجميع تعليمات البلد المنظِّم، وبين الانسحاب والتعرض لغرامة مالية قاسية، فضلًا عن عقوبات إدارية ستطالها لسنوات طويلة.

تاريخ يؤهل للتفوق

تمتلك قطر تاريخًا رياضيًا حافلًا على مستوى تنظيم البطولات الدولية، حتى أصبحت الدوحة إحدى عواصم الرياضة العالمية، ما يؤكّد أن تنظيمها لمونديال 2022 سيكون سهلًا؛ حيث سبق أن استضافت بطولة كأس العالم للشباب لكرة القدم عام 1995، بعد اعتذار نيجيريا.

كما استضافت بطولة العالم لألعاب القوى داخل الصالات 2010 من تاريخ 12 – 14 مارس في قبة أسباير الشهيرة، وقد وصفت هذه النسخة من البطولة بالحدث الاستثنائي في رياضة ألعاب القوى، وذلك بعدما أثبتت دولة قطر قدراتها التنظيمية المحترفة.

ولم يقف الأمر على كرة القدم فحسب، بل استضاف البلد العربي النسخة الثانية عشرة من بطولة كأس العالم للسباحة “فينا” 2014 واعتبرت حينها الأفضل في تاريخ هذه البطولة.

كما استضافت الدوحة النسخة الرابعة والعشرين من بطولة العالم لكرة اليد للرجال 2015 في الفترة من 15 يناير إلى 1 فبراير، وحظِي الحدث بإقبال كثيف من الجماهير.

كما تفوَّقت في استضافة منافسات بطولة العالم للملاكمة، التي تعتبر الحدث الأبرز في أجندة الاتحاد الدولي للملاكمة، وقد أُقِيمت في الفترة من 5-18 أكتوبر عام 2015 وللمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط.