منذ بداية تأسيسها على يد عبد العزيز آل سعود لم تتركز القوة في يد رجل واحد فقط في المملكة العربية السعودية، لكن مع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد اختلف الأمر، وأصبح هو المتحكم الوحيد تقريباً في كل مقادير الأمور، الداخلية والخارجية.

 

الأمير البالغ من العمر 36 عاماً يدير البلاد الآن بشكل أساسي بدلاً من والده الملك سلمان بن عبد العزيز، البالغ من العمر 86 عاماً، حيث نصبه والده في هذا المنصب، قافزاً على جيل من الأعمام وأبناء العمومة الأكبر سناً والأكثر خبرة ليصبح وريثًا للعرش في واحدة من الملكيات المطلقة “القليلة” المتبقية في العالم.

تغوّل السلطة على الدعوة في عهد "ابن سلمان"

 

أشرف بن سلمان على التغييرات هزت الهوية التاريخية للمملكة بوضوح، من جهة، سعى لنقل المجتمع السعودي من محافظ متقيد بتعاليم دينية إلى مجتمع منفتح على الثقافات الغربية، وبتطرف، ومن جهة أخرى حاول تقليل اعتماد الاقتصاد على على النفط وإعادة تحديد مكانته في العالم، كما دفع من أجل التنمية في قطاعات جديدة مثل السياحة، لكن هذه التغييرات تزامنت مع زيادة القمع السياسي. يقول أنصاره إن طموحه الجريء والقبضة الحديدية التي يتعامل بها أمور مطلوبة لإنقاذ اقتصاد غير مستدام، فيما يقول منتقدوه إنه دكتاتوري دموي متعطش للسلطة ومتهور يفتقر إلى الخبرة والحكمة.

 

الوضع الراهن

 

منذ تولى جو بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة عام 2021- الذي وصف المملكة العربية السعودية بـ “المنبوذة” خلال حملته الانتخابية- تجنب التعامل مع محمد بن سلمان. كان يُنظر إلى إصرار إدارة بايدن على أن الرئيس لن يتعامل إلا مع “نظيره” الملك سلمان، على أنها إهانة لمحمد بن سلمان شخصياً، ولا تؤدي إلا إلى نتائج عكسية في المملكة العربية السعودية، لا سيما بالنظر إلى الدور الشامل لمحمد بن سلمان والاحتمال القوي بأن يصبح ملكًا في نهاية المطاف.

 

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة تكلفة الغاز في المضخة، ووُضع بايدن تحت ضغط لخفض التضخم – وإصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية، المنتج الذي يمكنه زيادة صادرات النفط أو خفضها.

 

من جانبهم، رسم السعوديون المملكة العربية السعودية كقوة عالمية صاعدة وسخروا من الولايات المتحدة باعتبارها إمبراطورية في حالة انحدار، كما إن أي قرار يتخذه بايدن للتحدث إلى الأمير معقد بسبب المشاعر العميقة المعادية للسعودية في الولايات المتحدة – خاصة أن تقرير استخباراتي أمريكي خلص إلى أن محمد بن سلمان قد وافق على اعتقال أو قتل كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي، المواطن السعودي الذي كان ينتقد حكومة محمد بن سلمان، وقُتل على يد عملاء سعوديين داخل قنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018.

 

خلفية

 

ولد محمد بن سلمان عام 1985، ويعتبر نفسه جزءًا من الجيل الأول الذي نشأ في العصر الرقمي، واحد من آلاف الأمراء في العائلة المالكة السعودية، درس القانون في جامعة الملك سعود وبدأ مسيرة مضطربة في الحكومة، حيث اشتبك مع بعض المسؤولين مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع والده – حاكم الرياض منذ فترة طويلة.

 

عندما تولى الملك سلمان العرش عام 2015، عين محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، وصعد نجم الأمير بسرعة منذ ذلك الحين، وبحلول عام 2017، عزل ابن عمه الأكبر -الأمير محمد بن نايف- ليصبح وريث العرش والحاكم الفعلي، وأشرف على جميع المجالات الرئيسية للمملكة من النفط إلى السياسة الخارجية.

 

خفف محمد بن سلمان العديد من القيود الاجتماعية، حيث أنهى الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارة، وكبح سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسمح بالاختلاط بين الجنسين، وكذلك بإقامة الحفلات الموسيقية العامة.

تتماشى هذه التغييرات مع خطة الأمير للمستقبل، رؤية 2030، التي تسعى لبناء مجتمع أكثر انفتاحاً يعتمد على اقتصاد متنوع.

ومع ذلك، تحت قيادة الأمير، قامت السلطات السعودية أيضاً بقمع المعارضة الداخلية، وسجنت رجال الأعمال ورجال الدين والنشطاء والكتاب والعلماء من جميع الأطياف السياسية.

في عام 2020، اعتقلت السلطات ولي العهد السابق، محمد بن نايف، إلى جانب شقيق الملك الحالي الأمير أحمد بن عبد العزيز، واتهمتهما بتقويض الدولة والسعي للانقلاب على النظام.

لقد تبنى محمد بن سلمان سياسة خارجية أكثر حزماً من القادة السعوديين الآخرين، حيث دخل في خلاف مع قطر -قبل أن يحله بعدها بسنوات- كما بدأ حملة قصف عام 2015 في اليمن، حيث تحولت الحرب الأهلية منذ ذلك الحين إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

 

ماذا بعد؟

 

المتشككون قلقون من أن الأمير قليل الخبرة صاحب الأسلوب الاستبدادي والقيادة الديكتاتورية لن يهدأ إلى بعد التأكد من عدم وجود أي شخص رافض لسلطته أو منتقد لخططه وسياساته.

 

لقد أثار احتكاره للسلطة والميول القمعية بالفعل عداوة بعض الحلفاء المحتملين، بما في ذلك بعض أفراد العائلة المالكة وكذلك المثقفين والناشطين السعوديين الذين دعوا إلى العديد من التغييرات نفسها التي أجراها.

 

أثار إصلاحه السريع للحياة في المملكة قلق بعض السعوديين العاديين الذين انزعجوا من التغيرات الاجتماعية، أو الذين لا تزال أوضاعهم المعيشية صعبة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.

 

في المقابل يوجد للأمير المستبد بعض المؤيدين والمناصرين، الذين يرون أنه أطلق العنان لإمكانياتها للنمو والتغيير ومنحهم الحريات الاجتماعية الأساسية التي حرموا منها منذ فترة طويلة.

 

في كلتا الحالتين، من المرجح أن يبقى الأمير في السلطة- ما لم يحدث شيء غير متوقع – وسوف يتولى العرش بعد وفاة والده المُسن، قد يمنحه صغر سنه عقودًا عديدة لمتابعة أجندته وترسيخ إرثه.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا