جلال إدريس

هل يتزامن موعد افتتاح السفارة الإسرائيلية في أرض الحرمين الشريفين مع اعتلاء بن سلمان العرش خلفًا لأبيه؟ تساؤل بات يطرح نفسه بعد مُقدِّمات عِدَّة يُقدِّمها ولي العهد الطامع في حكم أبيه “محمد بن سلمان” للكيان المحتل إسرائيل.

ويرى مراقبون أنه وبالرغم من كل ما قدَّمه بن سلمان للرئيس الأمريكي “ترامب” ولـ”نتنياهو”، إلا أنَّ ذلك- على ما يبدو- لا يعدّ كافيًا من أجل إثبات قوة التحالف مع “إسرائيل”، بل يجب أن يتوَّج هذا الانبطاح بفتح السفارة، فلا تتويج إلا بعد إقامة علاقات دبلوماسية كاملة.

وفي هذا الإطار لا يتوقف “بن سلمان” في تمهيد الرأي العام المحلي في السعودية، والعربي والإسلامي والعالمي، لاستقبال خبر “افتتاح سفارة إسرائيلية” بالرياض في أي وقت، عن طريق أقلام مأجورة تقنع المتلقّي بضرورة التحالف مع الكيان الغاصب، وإقامة علاقات دبلوماسية معه.

 يستعين “بن سلمان” في هذا الشأن بحِفنة من الكتّاب والمثقفين، الموصوفين بالصهاينة العرب، والذين يدفع بهم “بن سلمان” لكتابة مقالات صحفية عبر صحف سعودية مختلفة تنادِي أغلبها بضرورة الإسراع بفتح سفارة الكيان المحتل في بلاد الحرمين.

بن سلمان يلقي كلمة في الكنيست

وفي السياق التمهيدي لتهيئة الرأي العام السعودي بتقبُّل افتتاح سفارة إسرائيلية ببلاد الحرمين، دعا الكاتب السعودي “دحّام العنزي” ولي العهد محمد بن سلمان بعدم التردّد ولو لحظة واحدة في إلقاء كلمة بالكنيست الإسرائيلي، إذا وُجِّهت له دعوة لذلك، داعيًا إلى تبادل السفارات بين الرياض وتل أبيب.

وفي مقال بصحيفة الخليج الإلكترونية السعودية تضمن “جرأة” ملحوظة في الدعوة للتطبيع مع إسرائيل بل التحالف معها، أيّد العنزي دعوة عضو الكنيست الإسرائيلي يوسي يونا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يقبل مبادرة السلام العربية، وأن يدعو محمد بن سلمان لزيارة إسرائيل، وإلقاء خطاب في الكنيست على غرار ما فعَله الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات.

الكاتب دحام العنزي

الكاتب دحام العنزي

 

وحثَّ الكاتب “نتنياهو” على قبول المبادرة العربية التي كانت اقترحتها السعودية وتبنَّتها جامعة الدول العربية، وقال: إنه لا يعتقد أن “صانع سلام” مثل ابن سلمان سيتردَّد لحظة واحدة في قبول دعوة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا اقتنع بأنَّ هناك رغبة إسرائيلية حقيقية، ورأى شريكًا حقيقيًا يُريد استقرار المنطقة وعودة الهدوء والسلام.

وفي المقال الذي حمَل عنوان “نعم لسفارة إسرائيلية في الرياض وعلاقات ضمن المبادرة السعودية”، دعا العنزي إلى علاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل، واعتبر أنَّ “المصلحة” تقتضي بأن تصبح إسرائيل حليفًا في مواجهة ما وصفهما بالمشروعين الفارسي والعثماني في المنطقة.

وفي إطار حثِّه على تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، طالب الكاتب بافتتاح سفارة إسرائيلية في السعودية، وأخرى سعودية في عاصمة إسرائيل القدس الغربية، على حد وصفه.

وقال: “كلي ثقة في أنَّ كثيرًا من السعوديين- وأنا أحدُهم- سيسعدهم السفر إلى دولة إسرائيل والسياحة هناك ورؤية الماء والخضرة والوجه الحسن”.

آن الأوان لعلاقات دبلوماسية

وفي سعيِه الدائم لاسترضاء الجانب الإسرائيلي، يسعَى الأمير الطامع في الحكم ليلَ نهارَ أن يُخْرِج العلاقات السعودية الإسرائيلة من الظلام المخفِيِّ، إلى العلن الواضح، ويحول العلاقات غير الرسمية بين تل أبيب والرياض إلى علاقات رسمية تُعمِّقها علاقات دبلوماسية.

 

وفي هذا الإطار نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في تقرير لها قبل عدة أسابيع تصريحات مثيرة لـ”بن سلمان” تكشف عن علاقة حميمة بين إسرائيل والسعودية في عهد بن سلمان.
محمد بن سلمان

محمد بن سلمان

وقالت الصحيفة، إنَّ المنتج الإسرائيلي– الأمريكي حاييم سبان الْتَقى محمد بن سلمان في مأدبة عشاء خاصة خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، وقال على مَسْمَعِه: إنه يتطلع لتغيير صورة الإسلام والسعودية ويحلم بطبعة جديدة لـ «لورانس العرب».

وأضافت «يديعوت أحرونوت» أنَّ هوليوود تشهد قصة حب جديدة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي فتح الباب للسينما بعد 38 عامًا من حظرها في المملكة، معتبرةً ذلك خطوة ذكية.

ونقلت الصحيفة عن آدم أرون، مدير عام الشركة الأمريكية الإسرائيلية التي فازت برخصة تشغيل عشرات دور السينما في السعودية، قوله: إن اختيار فيلم «الفهد الأسود» كأول فيلم يعرض في المملكة ليس صدفة. موضحًا أنَّ الفيلم يتحدث عن أمير شاب يقوم بتغييرات ثورية في بلاده، وهذا «مألوف للأذن» في السعودية. كما تنقل عنه قوله: إن الخطة تقضي بفتح 400 دار سينما، و2000 صالة عرض في السنوات الخمس المقبلة. مُنوِّهة أن قرار محمد بن سلمان بالتصادم مع المؤسسة الدينية المحافظة المعارضة للسينما لم يأتِ من فراغ.

بن سلمان وحقوق اليهود المزعومة

لم تكن تصريحات “بن سلمان” للمنتج الإسرائيلي هي الأولى من نوعها، لكن الشواهد على إقامة علاقات رسمية معلنة بين البلدين مستمرة؛ حيث احتفت الصحف الإسرائيلية مطلع الشهر الجاري بتصريحات مماثلة لولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، والتي اعترف فيها لأول مرة بحق اليهود في وطن قومِيٍّ في إسرائيل.

اعترافات “بن سلمان” جاءت خلال مقابلة مطوَّلة مع الصحفي الأمريكي اليهودي، “جفري جولدبرج”، نُشِرت بتاريخ 2 أبريل، في مجلة “ذي أتلانتيك”.

وتصدر عنوان “محمد بن سلمان: أؤمن بحق الإسرائيليين في تملّك أرضٍ لهم” الصفحة الرئيسية لموقع المصدر الإسرائيلي، الذي أبرز قول “بن سلمان”: إنَّ “الاقتصاد الإسرائيلي اقتصاد نامٍ وكبير، بالمقارنة مع حجم الدولة”، مشددًا على أنَّ “إسرائيل والسعودية تملكان مصالح مشتركة غير مواجهة إيران”.

نتيجة بحث الصور عن اسرائيل

وتحت عنوان “ولي العهد السعودي يعترف بحق إسرائيل بالوجود.. وتحدَّث عن العلاقات المستقبلية” تناول موقع “تايمز أوف إسرائيل” مطولًا كلَّ ما ورد في مقابلة ولي العهد السعودي؛ حيث أبرز “إشادة “بن سلمان” بإمكانية العلاقات الدبلوماسية المستقبلية بين مملكته والدولة اليهودية”.

وأبرزت صحف “يديعوت أحرونوت” و”هآرتس” و”معاريف” وغيرها من وسائل الإعلام الإسرائيلية، إشادة ولي العهد السعودي بالاقتصاد الإسرائيلي، الذي وصفه بأنه “كبير بالنسبة لحجمها”، وذكرت كيف ساهم قرار والدِه الملك سلمان بتعيينه وليًّا للعهد في يونيو الماضي، في “وضعِه بقوة في المرتبة الأولى على خط العرش، وهو الشخصية المعروفة لدى واشنطن”.

لقاءات سرية مع الإسرائيليين

كما أنَّ التمهيد للتطبيع الكامل بين “إسرائيل والسعودية” يأخذ منحًى آخر عن طريق لقاءات سرية بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، حيث كشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “غادي آيزنكوت”، في مارس الماضي، أنَّ ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” التقى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي “مئير بن شابات”.

وقال “آيزنكوت” في حوار مع صحيفة “معاريف” العبرية: إنَّ هناك تطابقًا في المصالح بين السعودية و”إسرائيل” في مواجهة “التهديد الإيراني”، ولم يوضِّح الجنرال الإسرائيلي مكان وزمان اللقاء.

لقاء مسؤولين سعوديين بإسرائيليين

لقاء مسؤولين سعوديين بإسرائيليين

وفي السياق ذاته أكد مسؤول في السلطة الفلسطينية لصحيفة “خليج تايمز” الإماراتية، في وقت سابق، أنَّ مسؤولين سعوديين وإسرائيليين عقدوا عددًا من الاجتماعات في القاهرة بوساطة مصرية.

وبحسب الصحيفة، فقد التقى ممثلو الوفود السعودية والإسرائيلية والمصرية في فندق ضخم لمناقشة قضايا اقتصادية، خاصة في منطقة البحر الأحمر.

وأضاف مسؤول السلطة الفلسطينية: “أضرّ دفء العلاقات بين السعودية وإسرائيل بالسلطة الفلسطينية، يبدو أنَّ إسرائيل لم تَعُد أكبر عدو للمنطقة بعد الآن”.

كما أكَّد موقع “تايمز أوف إسرائيل”، أنَّ هناك لقاءات سرية عُقِدت في القاهرة، بين مسؤولين من المملكة العربية السعودية وإسرائيل، تزامنًا مع تواجد “بن سلمان” هناك في زيارته الرسمية لمصر.

طيران إسرائيل فوق المملكة

واستمرارًا للتمهيد في إقامة علاقات إسرائيلية سعودية على أعلى مستوى، سمحت المملكة العربية السعودية لشركة طيران الهند (إير إنديا) الإذن للطيران فوق أراضيها عبر مسارات جديدة من وإلى تل أبيب، في مارس الماضي، وذلك لأوَّل مرة في تاريخ البلدَيْن، بحسب ما أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو”.

وجاء إعلان “نتنياهو” خلال حديث مقتضب لمراسلين إسرائيليين في واشنطن، بعد اجتماعه مع الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، وفق ما نشَرت وكالة “رويترز”، الثلاثاء.

وسيكون رفع الحظر على استخدام المجال الجوي المفروض منذ 70 عامًا مؤشرًا- فيما يبدو- على انفراج في العلاقات بين “إسرائيل” والمملكة.

طيران إسرائيل فوق المملكة

طيران إسرائيل فوق المملكة

ويُشار إلى أنَّه في فبراير الماضي، كانت أعلنت شركة طيران الهند أنها تعتزم البدء في تسيير ثلاث رحلات أسبوعيًّا إلى تل أبيب عبر الأراضي السعودية، لكن الهيئة العامة للطيران المدني بالرياض قالت في ذلك الوقت: إنها لم تمنح أي إذن لطيران الهند.

وتنظّم شركة طيران العال الإسرائيلية أربع رحلات أسبوعيًّا إلى مومباي لكنها تستغرق سبع ساعات؛ لأنها تأخذ مسارًا جنوبيًّا صوب إثيوبيا، ثم شرقًا تجاه الهند لتفادي المجال الجوي السعودي.

ضغوط سعودية لقبول صفقة القرن

كما أنَّ جهود بن سلمان لم تقتصر على تقريب المسافات بين “إسرائيل والسعودية” عند حدود بلاده فقط، لكن “بن سلمان” بات يقدّم قربانًا يثبت ولاءه لإسرائيل أكثر من أي شخص آخر، حيث كشفت تقارير صحفية أن “بن سلمان” يقود ضغوطًا سعودية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن للقبول بـ«صفقة السلام» التي تعرِضها الولايات المتحدة الأمريكية، والمعروفة بـ «صفقة القرن»، حسب ما نقل موقع إسرائيلي عن مصدرين فلسطينيين.

وكشف المسؤولان الفلسطينييان المقرّبان من السلطة في رام الله، لموقع «i24NEWS»، عن أنَّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أبلغا الرئيس الفلسطيني أنه «لا خيار أمامه إلا أن يكون براجماتيًا ويقبل الصفقة التي تُعرف باسم (صفقة القرن) التي يعرضها ترامب، والتي تشمل التنازل عن حق العودة الفلسطيني، وعن إقامة العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية».

وذكر الموقع أن الضغط السعودي- المصري على القيادة الفلسطينية يشدّد على أنه «على عباس عدم التحدّي ومواصلة التمسك بمواقفه المتصلبة أمام الولايات المتحدة وإسرائيل»، معتبرين أنَّ هذه «أفضل فرصة لتحقيق صفقة سلام الآن، وإلا فسيندم على ذلك مستقبلًا».

وأكد الموقع أن «عباس يتعرض لضغوط من عدد من الدول العربية، كالسعودية ومصر، لقبول تنازلات في بعض المسلّمات الفلسطينية، ومنها التنازل عن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وقبول أبوديس بدلًا منها، والتنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أن يتم توطين اللاجئين في البلدان التي يقطنون فيها، في حين أن الصفقة- كما كشفت معالمها- تمنح إسرائيل السيادة الكاملة على المواقع المقدسة في البلدية القديمة في القدس».

كل ما سبق يكشف بصورة أو بأخرى أن ساعة الصفر قد اقتربت لحسم الجدل في علاقات الرياض وتل أبيب، وإعطائها الشكل الرسمي الدبلوماسي، عن طريق افتتاح سفارة سعودية في إسرائيل قريبًا، أو فتح سفارة إسرائيلية في بلاد الحرمين قريبًا.