العدسة: محمد العربي

بعد أيام قليلة يحل بابا الفاتيكان البابا فرانسيس ضيفا على دولة الإمارات العربية، في إطار حملة يقودها محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي لتجميل صورته، وإظهاره في شكل القائد الذي يدعو للتسامح، ويعمل علي نبذ الكراهية، ولذلك لم يكن غريبا أن تكون أبو ظبي بوابة البابا لأول قداس في شبه الجزيرة العربية.

من جانبه اعتبر مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن الزيارة المرتقبة للبابا، أولى بشائر عام التسامح، الذي يرعاه بن زايد، باعتبار أن الزيارة سوف تفتح آفاقاً للتعاون والتضامن وإطفاء حرائق مشتعلة بين البشر، مشدداً على أن هذه الزيارة تمثل فرصة تاريخية لإبراز الصورة الحضارية لدولة الإمارات كعاصمة عالمية للتسامح.

لماذا أبو ظبي

وحسب رصد المتابعون فإن بن زايد يسعى من خلال الزيارة المرتقبة لرأس المسيحيين الغربيين لبلاده، إلي تجميل صورته التي أصبحت مقترنة في الإعلام الغربي بالحرائق الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبح اسم محمد بن زايد مقترنا بالأزمات التي تشهدها اليمن وسوريا والسودان وليبيا ومصر، وتورطه في انقلابات فاشلة بتركيا وسلطنة عمان، بالإضافة لدوره الكبير في الأزمة الخليجية، ودعمه الغير محدود لولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتورط في عملية اغتيال الكاتب الصحفي جمال خاشقجي قبل ثلاثة أشهر داخل سفارة بلاده بإسطنبول.

ووفقا للمتابعين فإنه لم يكن غريبا أن يبادر بن زايد بإعلان ترحيبه المتكرر لزيارة البابا فرانسيس، التي تمثل في حد ذاتها دعما معنويا ودعاية ترويجية لشيطان العرب، الذي صرح مؤخرا أن الزيارة التاريخية تعظم فرص الحوار والتعايش السلمي بين الشعوب، باعتبار أن ازدهار السلام غاية تتحقق بالتآلف وتقبل اﻵخر”.

وتشير التحليلات التي تناولت أسباب اختيار الإمارات لهذه الزيارة وذاك القداس التاريخي، إلي أنها الدولة الخليجية الأكثر ترويجا باعتبارها تمثل قيم التسامح، وهي الزيارة التي تأتي استكمالا، للعديد من المؤتمرات والفعاليات التي نظمتها أبو ظبي في هذا الإطار تحت رعاية بن زايد تحديدا، وآخرها ملتقى تحالف الأديان من أجل أمن المجتمعات والذي عقد بأبو ظبي الشهر الماضي وشارك فيه 450 قائدا من من قادة الأديان، سواء كانت أديان سماوية أو أخرى من صنع البشر.

ويرى محللون مؤيدون لابن زايد أن اختيار البابا للإمارات يرجع لأنها أكثر مناطق الخليج تعرف التعدد المجتمعي المسالم، كما أنها الدولة الوحيدة التي بها وزيرا للتسامح، أما السبب الأهم فإنه يرجع لما اعتبره المقربين من بن زايد بالانضباط على المستوى الديني، حيث لم تشهد الإمارات أية حوادث أو دعوات تطرف أو إرهاب، وبالتالي فهي تمثل من وجهة نظرهم نموذج للإسلام المعتدل.

ماذا يريد البابا

وفقا لرسالة متلفزة ومترجمة للعربية أعلن البابا فرنسيس، عن سعادته بزيارته المرتقبة للإمارات، والتي تعد الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول ديني من الفاتيكان إلى منطقة الخليج، ما يعني كتابة صفحة جديدة من تاريخ العلاقات بين الأديان..

ويرى المتابعون أن أهم ما في هذه الرسالة هي الكلمة التي كان يريد ابن زايد ان يسمعها، وتصل للعالم كله، علي لسان أهم قيادية دينية غربية، بأن الإمارات وحكامها عنوانا للتسامح ونموذجا للتعايش والأخوة، أو كما وصفهم البابا في كلمته “شعب يعيش الحاضر ونظره يتطلع إلى المستقبل”.

وحسب المراقبون فإن الزيارة تعد مكسبا لم يكن للفاتيكان أن يتخيله إلا على يد أمثال بن زايد وبن سلمان، حيث يعتبر مجرد وجود البابا في الجزيرة العربية انتصارا كبيرا لم يتحقق منذ مئات السنوات، مثله مثل مكسب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لسلطنة عمان، وعزف النشيد الإسرائيلي في أبو ظبي، ومشاركة الرياضيين الإسرائيليين في منافسات رياضية بالدوحة.

لا مرحبا

ورغم الاستعدادات التي اتخذتها الإمارات للزيارة المرتقبة التي سوف تشهد حضور شيخ الأزهر أحمد الطيب والقيادات المسيحية في كل الكنائس الموجودة بالجزيرة العربية ومنطقة الخليج، إلا أن هناك أصوات إماراتية عالية أعلنت رفضها للزيارة، واعتبرتها سياسية وليست دينية.

ونقلت تقارير صحفية عن شخصيات إماراتية رفضها للزيارة، خاصة وأن الإماراتيين ليسوا بحاجة لتأكيد احترامهم لبني الإنسان كافة ودون أي معايير أو استثناءات، خاصة وأن احترام الإنسان يقتضي عدم الخلط والتلبيس في ظواهر وبواطن السلوكيات والتصرفات، وبصورة واضحة لا تقبل التأويل، فإن قطاعات واسعة من الإماراتيين ترحب بزيارة بابا الفاتيكان إلى الإمارات ما دامت في أطرها الفنية والدينية ولا تحمل أية أبعاد أخرى يستفيد منها البعض في تبييض ما اسّود من صحائفه وسلوكياته إزاء الإماراتيين وغيرهم.

وتشير التقارير ذاتها أنه بحسب البرنامج المعلن، فإن المشهد الديني هو الأبرز في الزيارة، إلا أن السلطات التنفيذية والأمنية بالدولة تسعى لتوظيفها سياسيا وإظهار ما تقول عنه إنه “التسامح والتعايش”، هذا التسامح الذي ينعم به كل بني الإنسان حتى الملحد منهم باستثناء المسلم، بحسب التقارير، التي أكدت أن ابن زايد يعتقل علماء المسلمين سواء من الإماراتيين أو المقيمين، المخالفين له في التوجهات الفكرية والسياسية، فضلا عن سجله المخزي في اليمن.

ووفقا لهذه الأراء فإن البابا نفسه لا يجهل نوابا ابن زايد من الزيارة، خاصة وأن الانتهاكات الحقوقية في الإمارات معروفة لدى منظمات حقوق الإنسان العالمية، بالإضافة لضلوع ابن زايد في الكارثة الإنسانية التي تشهدها اليمن، هي أمور لا شك أن البابا يعرفها جيدا، وبالتالي فإن حضوره يمثل غطاء دينيا سوف يتم توظيفه على نطاق واسع سياسيا، والبابا يدرك أنه سوف يتم استغلال زيارته سياسيا، ولكن عقد أول قداس مسيحي في الجزيرة العربية يعتبر “مكسبا” عظيما يستحق هذا الثمن، كما فعل البابا تواضروس الثاني بابا الأقباط بمصر خلال زيارته للإمارات عام 2014.

آخرها الغراب الأسود

وحسب المتابعون فإن السجل الدموي لمحمد بن زايد حافل بالجرائم سواء داخل الإمارات أو خارجها، وبالتالي فإن حرصه علي أن تكون الإمارات تحت قيادته عنوانا للتسامح والتعايش فرصة ذهبية يستطيع من خلالها المضي في طريقه الدموي، خاصة وأن الإعلام العالمي لم يعد يدخر جهدا في فضح مخططات بن زايد الإقليمية والدولية، والتي كان آخرها ما كشفه تحقيق لوكالة “رويترز”، عن تورط الإمارات بتجنيد عملاء سابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكي والمخابرات الامريكية، لأغراض التجسس على خصومها وقرصنة هواتفهم وحواسيبهم.

وكشف التحقيق الذي نشرته الوكالة مؤخرا تحت عنوان: “المرتزقة الأمريكان داخل فريق الإمارات السري للاختراق”، أن المشروع الإماراتي السري أطلق عليه اسم “رافين”  أو “الغراب الأسود”، وهو فريق سري يضم أكثر من 12 عميلاً من المخابرات الأمريكية من أجل العمل على مراقبة الحكومات الأخرى والمسلحين ونشطاء حقوق الإنسان الذين ينتقدون النظام.

وتحدث التقرير عن “لوري سترود”، التي قدمت استقالتها من وكالة الأمن القومي الأمريكي، وعملت مع فريقها من داخل أحد القصور في أبو ظبي لمساعدة الإمارات على اختراق الهواتف وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بالأعداء، حيث تم تجنيد سترود من قبل أحد متعهدي الأمن السيبراني في ولاية ماريلاند، من أجل مساعدة الإمارات على إطلاق عمليات القرصنة، وهو المشروع الذي استمر حتى 2016.

وأضاف التحقيق أن الإماراتيين نقلوا مشروع “رافين” لشركة أمن إلكتروني في بلادهم، تدعى “دراك ماتر”، حيث اضطرت “سترود” ومعها عدد من الأمريكيين على إنهاء مهمتهم بعد أن تم الطلب منهم مراقبة مواطنين أمريكيين.

وكشفت “رويترز” أن الإمارات استخدمت قراصنة “الغراب الأسود” من أجل خدمة مشروعها الاستخباراتي الذي يستهدف نشطاء في حقوق الإنسان وصحفيين ومنافسين سياسيين.