العدسة – معتز أشرف:

يخطط الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي في مطلع ولايته الثانية المشكوك في نزاهة انتخاباتها، لمزيدٍ من المعاناة للمصريين في ضوء الحديث المتواتر عن إلغاء الدعم عن الوقود وخفضه عن الكهرباء، بشكل يضرب الفقراء في مقتل بالتزامن مع حملة واسعة لإسكات الصحافة في مصر، بعد الإطاحة بكل خصومه السياسيين، وحصار ثورة الغلابة في أوقات سابقة، ليتبقى شبح الخوف من ثورة جياع تلوح مع كل غلاء في مصر، فهل تحدث هذه المرة وينتفض الغلابة أم أنَّ الخوف له كلمته؟ نرصد الأوضاع قبيل الارتفاعات المتوقعة ونستشرف التداعيات.

 إلغاء الدعم

يتجه الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي في ولايته الثانية إلى رفع أسعار المواد البترولية، مرتين على الأقل خلال العامين الجاري والمقبل، من أجل تحقيق مزيدٍ من تنازلاته لصندوق النقد الدولي، بوصول زيادة أسعار الوقود إلى 100% من تكلفته، فيما عدا البوتاجاز، بنهاية برنامج ما يسمى “الإصلاح الاقتصادي في 2019”..

وبحسب  مذكرة بحثية، تعليقًا على تقرير صندوق النقد عن مراجعته الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، فمن المتوقع رفع أسعار الطاقة مرتين على الأقل من الآن وحتى نهاية البرنامج الاقتصادي للسيسي في نهاية يونيو 2019 ، وتذهب التوقعات إلى أن تكون نسبة الزيادة في أسعار الوقود حوالي 40 أو 50% في كل مرة.

وكان صندوق النقد الدولي، في تقرير مراجعته الثانية لمصر كشف عن أنَّ حكومة السيسي أبدت التزامها بتنفيذ الزيادة المقبلة في أسعار الوقود مع وضع آلية لتعديل أسعار المواد البترولية بشكل أوتوماتيكي بحلول شهر ديسمبر المقبل، فيما انتشرت شائعات مؤخرًا عن رفع وزارة البترول الأسعار، لكن نفيت رسميًا، فيما أكدت تقارير اعلامية أن الحكومة ستلجأ إلى زيادة أسعار المواد البترولية مرة أخرى خلال العام المالي الحالي، رغم تأكيدات وزيري البترول والمالية، بأنها لن تكون في العام المالي الحالي، ليكون الارتفاع الثالث حيث رفعت حكومة السيسي أسعار الوقود مرتين خلال 8 أشهر، الأولى بعد ساعات من تعويم الجنيه في 3 نوفمبر 2016، والثانية في نهاية شهر يونيو 2017.

وبحسب وثيقة حكومية فإنَّ حكومة السيسي تستهدف خفض دعم المواد البترولية في البلاد بنحو 26% ودعم الكهرباء 47% في مشروع موازنة السنة المالية المقبلة 2018-2019، وأظهرت الوثيقة أنَّ حجم الدعم المستهدف للمواد البترولية في الموازنة الجديدة يبلغ 89.075 مليار جنيه انخفاضًا من حوالي 120.926 مليار جنيه مستهدفة في 2017-2018، ويبلغ الدعم المقدر للكهرباء في السنة المالية الجديدة التي تبدأ في أول يوليو 16 مليار جنيه انخفاضًا من 30 مليار جنيه متوقعة في 2017-2018، وفقًا لرويترز.

الهدف النهائي للسيسي كشفه مصدران حكوميين لوكالة رويترز منذ التوقيع على قرض صندوق النقد الدولي، وهو  إلغاء دعم الوقود تمامًا خلال 3 سنوات، بداية من السنة المالية الحالية 2016-2017 وحتى 2018-2019، وهو ما تم الاتفاق عليه مع بعثة صندوق النقد في مصر، ووفقًا للخطة الموضوعة فمن المقرر ”أن تصل الأسعار إلى 100 % في 2018-2019.“

 عقاب جديد!

مراقبون يتحدثون على نطاق واسع أنَّ الارتفاع المتوقع لأسعار البنزين سيضرب بقوة من تبقى من محدودي الدخل والفقراء بعد تآكل الطبقة المتوسطة، وينذر بموجة جديدة من الغلاء الفاحش، وارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات بداية من الطعام مرورًا بكل الخدمات، وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو جهاز حكومي: إنَّ نسبة السكان تحت خط الفقر زادت من 16.7% عام 2000 إلى 27.8 % عام 2015 وفق آخر الإحصائيات المتاحة.

النقد وصل إلي قطاعات مهمة داخل إطار الدولة والمجتمع المدني لم تكن تعلن انتقاداتها في بداية فترة السيسي، وراج علي نطاق واسع في دواوين الحكومة أحاديث متكررة عن عقاب السيسي للمصريين منذ وصل لسدة الحكم، وتقول الدكتورة سعاد الديب، رئيس جمعيات حماية المستهلك: إنَّ “كل القرارات التي تتخذها الدولة، حوّلت الطبقة المتوسطة إلى طبقة فقيرة، مشيرة إلى أنَّ زيادة أسعار الوقود، أثرت على الطبقة الوسطى بشكل ضخم جدًا”، مشيرة إلى الطريقة الماكرة التي يتخذها السيسي لعقاب السيسي بقولها: “الرئيس السيسي يقوم بمنح الشعب امتيازات ومنح، ثم يقوم برفع الأسعار في اليوم التالي، ما جعل الطبقة الوسطى ادّهست”، مؤكدة أن “جميع القرارات التي يأخذها السيسي سوف يكون لها تأثير سلبي على شعبيته، خاصة أن المواطنين عندما تولى الرئيس السيسي الحكم في البلاد، كان ينظر إليه على أنه المنقذ”.

وشهدت مصر في ولاية السيسي الأولي 14 زيادة مباشرة في أسعار الوقود والكهرباء والسجائر وتذاكر مترو الأنفاق والقطارات، بخلاف 8 قرارات تسببت في إشعال أسعار مختلف السلع والخدمات، ما يشير إلى أنَّ قرارات زيادة الأسعار بصورة مباشرة أو غير مباشرة كانت تصدر بمعدل قرار كل نحو شهرين، وفي رصد تحليلي لقرارات حكومة السيسي منذ يونيو 2014، فإنَّ العدد الأكبر في قرارات زيادة الأسعار، جاء خلال العام 2017، وكانت الزيادات أكثر إيلامًا للفقراء ومحدودي الدخل من الطبقات المتوسطة.

اضطرابات متوقعة!

وفي مطلع العام الحالي توقع صندوق النقد الدولي، أن تقوم مصر بتخفيض فاتورة دعم الوقود إلى 2.4٪‏ من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية من 3.3 ٪‏ في السنة الماضية، وحذّر من مخاطر محتملة من بينها سياسة نقدية تيسيرية سابقة لأوانها وتدهور الوضع الأمني.

ورغم غياب ردّ الفعل الشعبي الميداني على خطوة رفع الدعم التي جرت في أوقات سابقة واقتصاره على مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الاعلامية إلا أنَّ مختصين بدراسات الإعلام والرأي يرون أنَّ الامر مختلف في مصر، وهو ما عبر عنه رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفي خضري بقوله: “الصورة في العمق تختلف عن السطح، فقد شهدت مصر حراكًا مجتمعيًا حدث في بداية مراحل إلغاء الدعم التمويني، لكنَّه خفت تدريجيًا في كل مرحلة لإلغائه حتى يشعر مراقب المشهد بأنَّ المصريين صاروا أمواتا، لكن هذه الرؤية غير حقيقية، فالمجتمع المصري له خصوصيته التي لا يعرفها إلا من درسها تاريخيًا وسيكولوجيًا، هناك نار مستعرة تحت رماد ساكن، وتنتظر الانفجار ما لم يحدث تغيير في بنية وتوجهات النظام”.

توقع صندوق النقد سبقه توقع مماثل لصحيفة الفورين بوليسي التي رصدت قبل عام أن ثورة جياع قادمة في مصر، مشيرة إلى قيام استغلال نظام السيسي لاتفاق صندوق النقد الدولي للضغط على الطبقات الدنيا وإثراء زمرة صغيرة من الجنرالات السابقين، موضحة أنَّ السلطات المصرية تقوم بتنفيذ الاتفاقية على حساب الفقراء، وهو ما أدَّى إلى سلسلة من الأزمات الاقتصادية، ابرزها ما حدث عندما اندلعت احتجاجات واسعة ضد نقص لبن الأطفال المدعم، فيما أكدت أنه رغم الثقة الكبيرة التي يمتكلها نظام السيسي في إحكام قبضته على مقاليد الأمور في القاهرة بعد إضعاف الأحزاب السياسية ووضعه النشطاء والمعارضين في السجون، إلا أنَّ الطبقة الوسطى، التي تحولت حاليًا للطبقة الدنيا، والطبقة الدنيا التي تحولت لطبقة معدومة لا تحتاج إلى تشجيع من الناشطين السياسيين المحترفين لإثارتهم للنزول إلى الشوارع، فيكفي الجوع ونقص الأدوية في إثارة تلك الاضطرابات، التي لا يستبعدها مراقبون محسوبون علي النظام نفسه.

ووفق ما نشرته صحيفةتسايتالألمانية للكاتب، يوخن بيتنر، الخبير الاقتصادي لدى الاتحاد الأوروبي  فإنَّ هناك بوادر ثورة مصرية جديدة على خلفية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي عجز النظام المصري عن تجاوزها؛ حيث يقول إنَّ “الثورة القادمة في مصر ستكون ثورة جياع “، فهل يفعلها الغلابة؟!