بمناسبة مرور 5 سنوات على إطلاق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، رؤية المملكة 2030، أطل علينا الأميرُ برأسه في لقاء تلفزيوني بثته التلفزيون الرسمي السعودي وقناة العربية وعدد من القنوات الأخرى.

كان الهدف من اللقاء تلميعَ الأمير، وإظهاره بمظهر القائد الشاب الطموح الذي حقق الإنجازات تلو الإنجازات لبلده وأبناء شعبه، وهي الصورة الذهنية التي يحاول بن سلمان وحاشيته تصديرها دومًا. حتى أنه كرر زاعمًا أنه استطاع تحقيق غالب أهداف رؤية 2030 في 2020.

وبرغم المظهر الغريب الذي ظهر به بن سلمان، وتشنجاته العصبية التي بدت على وجهه طيلة اللقاء، حاول أن يغطي ذلك بسرد الكثير من الأرقام والإحصاءات، في محاولة مستميتة لإبراز كفاءته وقدرته على القيادة والإدارة، وكذلك لإظهار أنه الأجدر والأقدر والأكفأ.

وفي سبيل ذلك، أهان الأميرُ ضمنيًا كل الملوك والوزراء والمسؤولين السابقين، فسياسات الملوك السابقين فاشلة، والوزراء السابقون جميعهم لم يكونوا أكفاء كما ذكر الأمير، و أكثر من 90٪ من مسؤولي الوزارات لا يمكن الاعتماد عليهم، ولا يوجد فريق عمل كفء يمكن الاعتماد عليه في المملكة، هكذا كرر الأمير الشاب، في محاولة لأن يظهر نفسَه على حساب الآخرين، كل الآخرين.

 

 

تضليل اقتصادي..

 

وبغض النظر عن الأرقام الاقتصادية الكثيرة التي حاول بن سلمان حشرَها في اللقاء، في محاولة لإبراز أن السنوات الخمس التي أدار فيها المملكة كانت كلها إنجازات وتقدمات منقطعة النظير، بيد أن وقائع وأرقامًا أخرى تدل أن الأمير كان يحاول تضليل شعبه عن طريق هذه الأرقام.

ففي الربع الأول من عام 2016، بلغت نسبة البطالة في المملكة العربية السعودية نحو 11.6٪، ثم صعدت هذه النسبة خلال عهد بن سلمان إلى نحو 12.9٪ في الربعين الأول والثاني من عام 2018، وكان الصعود الكبير -أو بالأحرى السقوط الكبير- في الربع الثاني من 2020، حيث وصلت نسبة البطالة في المملكة إلى 15.4٪، وهو ما يعني أن نسبة البطالة تصاعدت في عهده نحو 4٪.

 

من ناحية أخرى، بالرغم من أن السعودية تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، كما أنها تملك ما يربو على 500 مليار دولار كاحتياطي نقدي أجنبي، لكنها الدولة الأكثر فقرًا على مستوى دول الخليج.

ففي حين قدرت تقارير غير رسمية نسبة الفقر في المملكة ما بين 15-25٪، أكدت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، في عدة تقارير سابقة، تزايد معدلات البطالة والفقر، كما أشارت إلى أن “ما بين مليونين إلى أربعة ملايين مواطن سعودي يعيشون على أقل من 530 دولار شهريًا (أي نحو 17 دولارًا يوميًا)، وأن الدولة تتعمد إخفاء نسب الفقر”.

 

 

أولويات مخادعة..

 

علاوة على ذلك، حاول الأميرُ إظهار نفسه على أنه القائد الاستثنائي الذي يملك خططًا استراتيجية ويرتب أولويات بلاده، الأهم ثم المهم. 

لكن لم يكلف المحاورُ نفسَه بأن يسأل ولي العهد عما إذا كان اليخت الضخم الفخم الذي اشتراه بقيمة 550 مليون دولار أمريكي من أولويات رؤية 2030 أم لا؟

كذلك لم يسأله عن إهدار نحو نصف مليار دولار أمريكي أخرى في شراء لوحة فنية مشكوك في نسبتها إلى الفنان الإيطالي، ليوناردو دافنشي، ليس لشيء إلا نكاية في العائلة القطرية المالكة، حيث اعتقد الأمير المراهق أن العائلة القطرية تسعى للاستحواذ على اللوحة، ما جعله يرفع سعرها في المزاد، وهو ما ثبت خطؤه بعد ذلك، حيث كان الملياردير الصيني، ليو يكيان، هو من قام برفع قيمة المزاد. أكان ذلك من أولويات رؤية 2030؟

كذلك هل كان شراء القصر الفرنسي الضخم ذي الـ 50 ألف قدم مربع بنحو ربع مليار جنيه استرليني من أولويات الرؤية التي تحدث عن تحقيق غالب أهدافها؟!

 

 

تجاهل الأسئلة الصعبة..

 

بالتأكيد لم يستطع المحاورُ توجيه هذه الأسئلة إلى بن سلمان، فاللقاء كان في البلاط الملكي الخاص بالأمير المستبد، الذي أعلن بكل صراحة في اللقاء أن المتطرفين جزاؤهم القتل، بغض النظر عن معايير التطرف لديه، وبغض النظر عمن يستطيع أن يحكم بهذا الحكم، لكن هذه هي عقلية الأمير الديكتاتور.

وما يثبت الخلل والتضليل في المنهجية التي يطرحها بن سلمان هو اعتقاله لمجموعة من الدعاة المعروفين بالوسطية والسماحة، فهل كان الشيخ سلمان العودة متطرفًا حين دعا إلى عودة العلاقات الأخوية بين الأشقاء القطريين والسعوديين؟ وكذلك الكثير الكثير من العلماء والدعاة والحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمرأة الذين لم يعرف عنهم تطرف قبل ذلك.

وبغض النظر عن هؤلاء، هل الأمير محمد بن نايف وغيره من أمراء العائلة المالكة المضيَّق عليهم والمعتقل بعضهم متطرفون أيضًا؟

ليس هناك أي رابط يجمع كل هؤلاء المضيَّق عليهم سوى أنهم ليسو من أتباع الأمير المستبد، وهو ما يعد سببًا كافيًا لدى بن سلمان للنيل منهم باعتبارهم متطرفين.

بن سلمان لم يعتبر قتل صحفي سعودي سلاحه الكلمة في قنصلية بلاده تطرفًا، لكنه اعتبر أن عدم اتباعه تطرف وإرهاب.

وحتى هذه اللحظة، فالمتهمون بقتل الصحفي جمال خاشقجي لا يزالون أحرارًا نافذين في المملكة، بل ومقربين من بن سلمان.

حاول الأمير كذلك التأكيد على مسألة الهوية الإسلامية للمملكة، وكرر أن “القرآن دستورنا” نحو 3 مرات، لكنه في المقابل يسمح بالحفلات الماجنة وليالي الرقص والعهر في قلب المملكة السعودية، التي فيها قبلة المسلمين الأولى، ضيَّق الأمير المستبد على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأطلق يد هيئة الترفيه لتدخل الفساد على المجتمع السعودي المحافظ المتدين بطبعه. حتى أن بن سلمان يزج بمن يتفوه بأي كلمة انتقاد ضد هيئة الترفيه في السجن، فهل هذا ما يأمره به القرآن؟

كذلك حاول بن سلمان تصدير أن المصلحة السعودية هي المحرك الأول لسياساته الخارجية، لكنه لم يتطرق بأي حال من الأحوال إلى المصلحة السعودية في حرب اليمن، التي استنزفت السعودية، واستنزفت اليمن وقسمته، ولم يجن منها السعوديون أو اليمنيون أي شيء سوى الخراب والدمار والانقسام.

 

برغم تلك المقابلة الفاشلة، وبرغم الجهد المبذول في إعدادها والتجهيز لها، إلا أن ثمة واقع قاتم مظلم تعيشه المملكة، وحقائق على الأرض فاضحة لكل أشكال تجميل أو تزيين الصورة التي يراها العالم كله للأمير المستبد.

 

اقرأ أيضًا: رغم أهميته.. عقبات في طريق الحوار الأمني ​​الإقليمي في الشرق الأوسط