تشهد هذه الأيام الذكرى السنوية الرابعة لتوقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وهي خطوة اعتُبرت حينها “تاريخية” من قبل الموقعين، ولكنها لاقت معارضة شديدة في العالم العربي والإسلامي، حيث اعتبرها الكثيرون خيانة للقضية الفلسطينية.
في 15 سبتمبر 2020، وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، اتفاقيات “أبراهام” في البيت الأبيض، تحت رعاية الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب.
تلك اللحظة التي وثّقت التصافح بين القادة الثلاثة لا تزال محفورة في أذهان الكثيرين، وخاصة الإماراتيين والعرب، الذين يرون في هذا الاتفاق خيانة للقضية الفلسطينية وتخلّيًا عن المقاومة ضد الاحتلال.
أهداف خبيثة
منذ توقيع اتفاقية التطبيع، تبنّت الإمارات استراتيجية معقدة جمعت بين محاولة تحقيق مكاسب اقتصادية وأمنية من هذا الاتفاق، وبين الحفاظ على موقف علني منتقد لبعض الإجراءات الإسرائيلية للحفاظ على مصداقيتها أمام شعوبها والعالم العربي.
ولكن هذه الاستراتيجية لم تؤتِ ثمارها بالشكل المتوقع. ورغم أن التطبيع جلب بعض الفوائد الاقتصادية المحدودة، فإن إسرائيل حققت مكاسب أكبر بكثير، بينما وُضعت الإمارات في موقف حرج أمام شعوبها وشعوب المنطقة.
على الرغم من وعود قادة الإمارات بأن التطبيع سيمنع إسرائيل من ضم أراضٍ فلسطينية، إلا أن إسرائيل استمرت في سياساتها الاستيطانية دون رادع، ما يعني أن الإمارات لم تحقق أهدافها المنشودة من هذا الاتفاق.
خسائر نظام بن زايد
تحمل الإمارات اليوم عبء العواقب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لاتفاقية التطبيع. فقد ارتفعت حدة الانتقادات في العالم العربي والإسلامي ضد الإمارات بسبب تطبيعها العلاقات مع إسرائيل، خاصة في ظل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة.
تشير تقارير دولية إلى أن الإمارات تواجه معضلة كبيرة في كيفية تبرير علاقتها مع إسرائيل في وقت يستمر فيه العدوان على الفلسطينيين. هذه الانتقادات لم تقتصر على العالم الخارجي، بل وصلت إلى داخل الإمارات نفسها، حيث يشعر الكثير من الإماراتيين بالغضب تجاه صمت الحكومة عن جرائم الحرب الإسرائيلية.
كما تعاني الإمارات من توترات إقليمية متزايدة تؤثر سلباً على اقتصادها، بما في ذلك الهجمات التي يشنها الحرس الثوري الإيراني على السفن قبالة سواحل الإمارات.
اقتصادياً، حققت العلاقات التجارية بين الإمارات وإسرائيل ارتفاعاً ملحوظاً منذ توقيع اتفاقية التطبيع. في عام 2023، بلغت التجارة الثنائية حوالي 3 مليارات دولار، بزيادة بنسبة 17% عن العام السابق.
ومع ذلك، شهدت العلاقات التجارية تباطؤًا في الربع الأخير من العام بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة. وعلى الرغم من ذلك، استمر نمو التجارة في النصف الأول من عام 2024، مما يعكس اهتمام الإمارات بالحفاظ على علاقاتها التجارية مع إسرائيل، رغم الانتقادات الدولية والمحلية.
مع هذا، فإن الأضرار التي لحقت بسمعة الإمارات على المستوى الإقليمي، نتيجة تطبيعها مع إسرائيل، كانت فادحة، حيث يعتبر الكثيرون أن التجارة مع أبوظبي تمثل دعماً غير مباشر للاحتلال الإسرائيلي.
تحديات وتداعيات
إلى جانب الخسائر السياسية، تواجه الإمارات أيضاً تحديات أمنية واقتصادية نتيجة تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران. شنّ الحرس الثوري الإيراني العديد من الهجمات على السفن قبالة سواحل الإمارات، وهو ما أثّر بشكل مباشر على حركة التجارة والشحن في البحر الأحمر، أحد أهم الممرات التجارية للإمارات.
تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه التوترات إلى اضطراب حركة الشحن، ما سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الإماراتي غير النفطي الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية. كما أن ارتفاع حدة التوترات بين إسرائيل وإيران يزيد من المخاطر التي تواجه الإمارات، خاصة في ضوء التهديدات المتبادلة بين الطرفين.
بعد مرور أربع سنوات على التطبيع، تجد الإمارات نفسها في موقف صعب. من ناحية، لا تزال ملتزمة باتفاقيات التطبيع وتحافظ على علاقاتها مع إسرائيل. ومن ناحية أخرى، تواجه ضغوطاً كبيرة من شعوبها ومن العالم العربي لإنهاء هذه العلاقات، خاصة في ظل استمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. حتى الآن، لم تقم الإمارات باتخاذ أي خطوات جدية لتعليق أو إلغاء اتفاقية التطبيع، على عكس البحرين التي قامت بتعليق التجارة مع إسرائيل بسبب العدوان على غزة.
ومع ذلك، تبقى الإمارات في موقف المتفرج، حيث تحاول التوازن بين مصالحها الاقتصادية والتجارية وبين الضغوط السياسية والإقليمية التي تزداد يوماً بعد يوم.
الخلاصة يبدو أن الإمارات لم تحقق الكثير من التطبيع، بل على العكس، تعاني من خسائر متعددة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. الانتقادات التي تواجهها الدولة من العالم العربي والإسلامي تجعل من الصعب عليها الاستمرار في هذا المسار دون إعادة تقييم جادة للسياسات المتبعة.
وبعد أربع سنوات من التطبيع، يمكن القول إن الإمارات عادت “بخفي حنين”، حيث لم تحقق الفوائد المأمولة من هذا الاتفاق، بل تواجه اليوم تبعاته السلبية. مع ذلك، يبقى للقادة في أبوظبي فرصة لتصحيح المسار، وإعادة النظر في علاقتها مع إسرائيل، بما يعيد للدولة مكانتها الإقليمية ويجعلها جزءاً من الحل لا من المشكلة.
اقرأ أيضًا : مواجهة محتملة بين الإمارات والسعودية في حضرموت.. سيناريوهات خطيرة
اضف تعليقا