تبقى قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران، كاشفة مدى التخبط الذي تعانيه أبوظبي في إدارة شؤونها الخارجية، فضلا عن ازدواجية معايير في التعاطي مع الأزمات المحيطة بها.

فها هي تبقي على علاقات تجارية ضخمة مع دولة تحتل جزر تابعة لها بالقوة رغم أنهما يتناصبان العداء، بينما تقطع كل أوصال العلاقات مع دولة عربية جارة بناء على اتهامات واهية، ولأسباب تأكد للجميع ضعف حجتها.

معركة كلامية غير متكافئة

اجتماع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي في أبو ظبي، السبت، شهد تفجر القضية من جديد، حين كشف مسؤول إيراني سعي الإمارات تضمين الإعلان الختامي للاجتماع تذكيرا باحتلال إيران لجزرها الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى.

المتحدث باسم الخارجیة الإیرانیة “بهرام قاسمي” شدد في تصريحات صحفية، على أن الجزر “الإیرانیة الثلاث في الخلیج الفارسي”، جزء لا یتجزأ من إیران التي لن تتنازل أبدا عن حقها التاریخي في هذه الجزر.

رغبة الإمارات في تضمين الإعلان الختامي للاجتماع ما يخص احتلال إيران للجزر دفع، بحسب قاسمي، “الوفدين الإیراني والباكستاني المشاركين للاحتجاج على هذا الأسلوب في إدارة الجلسة”.

وتابع: “النص المقدم من قبل وفد الإمارات تضمن مزاعم فارغة حول الجزر.. وواجه احتجاجا شدیدا من قبل الوفد الإیراني الذي غادر أعضاؤه الاجتماع، ما أدى إلى حدوث توتر في الاجتماع وانتهائه وخروج سائر الوفود تدریجیا..”.

الرد الإماراتي على تصريحات المسؤول الإماراتي لم تكن على المستوى المطلوب، ولا في نفس القوة من حيث الألفاظ والتمسك بالحق والدفاع عنه، بل جاءت كلماته خجولة إلى حد كبير، لا تمثل بحال من الأحوال دولة تسعى لاسترداد أرضها المحتلة.

أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي اكتفى بالقول، إن “إيران تحرج نفسها في كل منتدى دولي، لأن احتلالها للجزر الإماراتية يبقى غير قانوني وغير شرعي وغير معترف به، بينما الإمارات تدعو لحل القضية سلميا وعبر الحوار والتحكيم”.

وغرد عبر تويتر: “قضية جزر الإمارات المحتلة مثال واضح أن منطق الاحتلال والقوة والأمر الواقع لا يصنع شرعية دولية ولا يقنن الاحتلال، ورفض دعوات الإمارات السلمية لحلّ هذه القضية يضع إيران في خانة حرجة..”.

اللافت أن تلك المعركة الكلامية غير المتكافئة، سبقتا في الآونة الأخيرة تحديات واستفزازات إيرانية شديدة اللهجة للإمارات، التي وقفة متفرجة ومكتفية بسيل من البيانات والتصريحات الجوفاء التي لا تعيد حقا.

في الثلاثين من يناير الماضي، زار قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد جعفري، جزيرة أبو موسى وأكد من هناك أن الجزيرة هي “قلب غيران النابض”، وقال: “على الأعداء أن يعلموا أن هذه الجزر جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية.. المقاتلون الإيرانيون سيدافعون عن كل شبر من هذه الجزر كمن يدافع عن شرفه”.

مفارقة الأسد والنعامة

المثير هنا أنه رغم تلك اللغة العدائية والحرب المستعرة بين الجانبين رغم أنها اقتصرت على ميدان الدبلوماسية والتصريحات الإعلامية، إلا أن الواقع يكشف تعاونا وثيقا بين البلدين في مجال الاقتصاد والتجارة.

المفارقة أن الحديث عما يمكن أن نسميه التخاذل الإماراتي أمام إيران التي تحتل جزرها بالقوة، يتزامن مع تأكيد أبو ظبي على تشديد حصار جوي وبري وبحري ومقاطعة فرضتها على قطر قبل أقل من عامين، رفقة السعودية ومصر والبحرين.

وبينما شمرت الإمارات عن سواعدها واتخذت إجراءات قوية على أرض الواقع ضد قطر بناء على اتهامات كيدية ومزاعم ثبت بطلانها، تراجعت أمام إيران التي تحتل جزرها ولم تستطع حتى تخفيف مستوى التعاون التجاري بينهما.

في 23 فبراير المنقضي نفت أبو ظبي عبر الهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية، تخفيف الحظر الذي فرضته على حركة التجارة مع قطر، بعد أنباء تم تداولها على نطاق واسع تضمنت إعلان الإمارات إلغاء حظر الشحنات ذات المنشأ القطري من دخول موانئ الإمارات ومياهها الإقليمية، والشحنات ذات المنشأ الإماراتي إلى قطر.

الإعلامي القطري جابر الحرمي غرد في وقت سابق: “دول الحصار تهلل للعقوبات التي تحدثت عنها أميركا على إيران.. جميل.. لكن هل يمكن لدولة مثل الإمارات أن توقف تعاملاتها التجارية والبالغة نحو 20 مليار دولار مع إيران وأن تطرد نحو 10 آلاف شركة إيرانية موجودة فيها بعضها تابع للحرس الثوري..؟! أسمعونا أصواتكم..”.

“حبايب”.. الأرقام لا تكذب

بعيدا عن ميدان الصراعات الكلامية الجوفاء، يشهد الواقع بمستويات قياسية في التعاون التجاري بين الإمارات وإيران، حيث حافظت الإمارات على كونها الشريك التجاري العربي الأول مع إيران، رغم تراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 11 مليار دولار العام الماضي (6.5 مليارات دولار صادرات إماراتية و4.5 مليارات صادرات إيرانية).

وتحتل إيران المرتبة الرابعة في قائمة الشركاء التجاريين للإمارات، في حين تعتبر الأخيرة الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين، وتستحوذ الإمارات على 90% من حجم التجارة بين دول الخليج وإيران، وكان التبادل التجاري بينهما قد سجل أعلى معدل له عام 2011 عندما بلغ 23 مليار دولار.

ووفق تقديرات صادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية، يعيش في الإمارات من 400 إلى 500 ألف إيراني، نسبة كبيرة منهم من التجار ورجال الأعمال، في حين نقلت وكالة أنباء فارس عن إحصاءات صادرة عن دائرة الأحوال الإيرانية أن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات يبلغ 800 ألف نسمة.

هناك أربع جامعات إيرانية في الإمارات، وما يزيد عن 30 ألف طالب إيراني يتلقون تعليمهم هناك، كما تعتبر حركة الطيران بين البلدين نشطة جدا، إذ توجد 200 رحلة طيران أسبوعية بين الإمارات وإيران، منها 50 رحلة أسبوعية بين طهران ودبي، وفق إحصاءات وزارة الخارجية الإيرانية.

وبحسب مجلس الأعمال الإيراني في دبي، فإن الاستثمارات الإيرانية في الإمارات تحتل المرتبة الثانية بعد الأمريكية، إذ تتراوح بين 200 و300 مليار دولار، كما تمثل ثروة الجالية الإيرانية في الإمارات ما بين 20 و30% من حجم ثروة الأصول المادية في الإمارات، وفقا لإحصاءات عام 2012.

مصادر إيرانية، تقدر عدد الشركات الإيرانية المسجلة رسميا في دبي وحدها بنحو 7660 شركة، كما تتحدث مصادر أخرى عن وجود ما يقرب من 13 ألف رجل أعمال إيراني برؤوس أموال ضخمة يستثمرون في الإمارات.

80 ألف إيراني يعيشون في دبي، منهم 8200 تاجر يديرون شبكة ضخمة من الأعمال ويستثمرون بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والإلكترونيات والإطارات والمعدات المنزلية وغيرها من المواد.

وفي تقرير لها عقب الاتفاق النووي مع إيران -اتفاق 5+1 الذي انسحبت منه واشنطن مؤخرا- قالت مجلة “إيكونوميست” البريطانية إن الإمارات تستضيف على أراضيها أكثر من 10 آلاف رجل أعمال إيراني وشركات تجارية إيرانية.

وكانت الإمارات من أكثر الدول التي حققت فوائد اقتصادية بفضل موقعها كمنطقة ترانزيت للتجارة الإيرانية في سنوات الحصار والعقوبات على إيران.

ومنذ فرض العقوبات الأممية عليها كانت إمارة دبي بمثابة الرئة للاقتصاد الإيراني والباب الرئيسي لأهم الواردات التي يحتاج إليها الاقتصاد الإيراني.