العدسة – معتز أشرف:

تداعيات خطيرة وشكوك كبيرة رافقت قرار توقيف دبلوماسي إيراني مُعتَمد في فيينا يُدعَى أسد الله الأسدي، يشتبه بتورُّطه في التخطيط لهجوم على مجموعة إيرانية معارضة في فرنسا.

الشكوك- وفق ما ذهب إليه مراقبون- تتجه إلى تورُّط أمريكا في اللعبة، أما التداعيات فهي ما تؤكّد الشكوك، وهو ما نستعرضه.

الصيد في الماء العكر!

كان أول المستفيدين من التوقيف، واصطاد في المياه العكرة، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي دعا أوروبا، الأربعاء، إلى اتخاذ موقف أشد صرامة تجاه إيران، بعدما جاءت الضربة له على طبق من فضة، وقال نتنياهو في كلمة ألقاها في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة: “ليس من قبيل الصدفة إحباط هذا الهجوم” في إشارة إلى ما قيل عن مشاركة الدبلوماسي في تفجير مزمع لاجتماع للمجلس الوطني لـ”المقاومة الإيرانية”، وهو الجناح السياسي لجماعة “مجاهدي خلق”، التي شنَّت كفاحًا مسلحًا ضد الحكومة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية، في العام 1979، واغتالت عشرات من كبار المسؤولين الإيرانيين.

نتنياهو استغلّ الفرصة وسدد ضربة قوية لتحركات إيران المستمرة في أوروبا، وقال في دهاء: ” إنّ إحباط المؤامرة المزعومة، في الوقت الذي يزور فيه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أوروبا؛ سعيًا لحماية مزايا اقتصادية حصل عليها من الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة، هو مثال على النفاق والوقاحة الإيرانية، منقطعة النظير”. بحسب تعبيره.

ولم يفوِّت نتنياهو اللحظة، حيث طالب بتصعيد أوروبي ضد إيران، قائلًا: “أقول لزعماء أوروبا: أوقفوا تمويل النظام الإرهابي الذي يموّل الإرهاب ضدكم، وعلى أراضيكم. كفى سياسة الاسترضاء والضعف تجاه إيران”.

يأتي تحذير نتنياهو في أعقاب تحذير مماثل قبل أيام من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاتحاد الأوروبي؛ حيث أكد أن الولايات المتحدة ستعاقب الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران، لكن يبدو أن لأمريكا يدًا في اللعبة، وفق بعض الشكوك الدائرة.

تصعيد دبلوماسي حرج

وفي وقت حرج، تحاول فيه إيران استقطاب القارة البيضاء إليها، ووسط جولات مكوكية للرئيس الإيراني حسن روحاني ومساعديه في الاتحاد الأوروبي، اضطرت إيران إلى التصعيد فور توقيف الدبلوماسي الإيراني، وأعلنت الخارجية الإيرانية الأربعاء أنها استدعت سفيري بلجيكا وفرنسا والقائم بأعمال السفير الألماني على خلفية اعتقال دبلوماسي إيراني على الأراضي الألمانية بطلبٍ من فرنسا.

وفي المقابل أعلنت وزارة الخارجية في النمسا أنها طلبت من طهران رفع الحصانة الدبلوماسية عن الدبلوماسي، لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني، حاول لملمة الأزمة في فيينا، حيث دعا إلى الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني، ووعد المستشار النمساوي سيباستيان كورتز الذي طالبه في لقاء صحفي بـ” توضيحات كاملة” بأنه– أي روحاني – يدعم هذا التحرك.

وصرَّح روحاني “سنظل في الاتفاق طالما ذلك ممكن لإيران ولن نتخلى عنه شرط أن نتمكن أيضًا من الإفادة منه”. مضيفًا أنَّ “إيران ستبقى في الاتفاق إذا قدمت الدول الموقعة الأخرى باستثناء الولايات المتحدة ضمانات لمصالحها”.

وفي سويسرا كانت المياه تجرى قليلًا لصالح التهدئة والتعاون، وذلك بحسب الرئيس الإيراني  حسن روحاني، الذي كتب في تغريدة على موقع تويتر: أجرينا مفاوضات بناءة وودية مع آلان بيرسي، الرئيس السويسري، في برن وكلا البلدين عازمان على تحقيق التعاون الوثيق والهادف المشترك في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والتقنية والسياحية مع احترام القانون الدولي، والاتفاقيات التي تم التوصل إليها، تبشر بمستقبل واعد في العلاقات الثنائية”!!.

 موقف الاتحاد الأوروبي!

وما يزيد من حساسية الوضع أن وزراء خارجية الدول الخمس الموقِّعة على الاتفاق حول برنامجها النووي يجتمعون اليوم الجمعة في فيينا للمرة الأولى منذ انسحاب الولايات المتحدة منه في مايو الماضي، لكن الصراع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين دول الاتحاد قد يرشّح لاستغلال أبناء القارة البيضاء لورقة إيران في مواجهة ترامب. وفق ما يقول مراقبون.

ترامب كعادته، شنّ هجومًا كاسحًا على الاتحاد الأوروبي قبل أيام دون مراعاة لأي حسابات، وشبَّه ممارساته التجارية بنفس ممارسات للصين؛ حيث ذكر أنه من “المرجَّح أن الاتحاد الأوروبي يفعل بالضبط ما تفعله الصين، فقط هو أصغر”.

واضاف ترامب في تصريحات متلفزة: “ما يفعلونه معنا أمر فظيع، وبينما يرسلون هم إلى هنا سياراتهم المرسيدس، فإننا لا يمكننا أن نرسل بسياراتنا إلى هناك”، متابعًا بالقول: “الاتحاد الأوروبي لا يرغب في شراء منتجات زراعية من الولايات المتحدة، فهم يحمون مزارعيهم، بينما نحن لا نحمي مزارعينا”.

وأوضح أن “الاتحاد الأوروبي حقق فائضًا بقيمة 151 مليار دولار في ميزانه التجاري مع الولايات المتحدة خلال العام الماضي”، وهو ما دفع إدارة ترامب في وقت سابق لفرض تعريفات جمركية على واردات الصلب والألومنيوم القادمة من أوروبا، وتدرس إضافة تعريفات أخرى على واردات السيارات والشاحنات وقطع غيار السيارات.

وفي المقابل، حذّرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الرئيس، دونالد ترامب، من خطر “حرب” تجارية إذا نفذت الولايات المتحدة تهديدها بفرض رسوم جمركية على وارداتها من السيارات الأجنبية، وقالت أمام مجلس النواب في برلين: “إن الولايات المتحدة سبَّبت أساسًا “نزاعًا تجاريًا”، بعدما رفعت الرسوم الجمركية المفروضة على الفولاذ والألومنيوم، ويمكن أن تسبّب “حربًا تجارية” حقيقية إذا فرضت رسومًا على السيارات.

أمريكا متورطة!

وفق نظرية المؤامرة ومن المستفيد، جاءت تصريحات مسؤولي إيران لتشير إلى الأصابع الأمريكية في الجريمة، دون تصريح، حيث أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن هذه القضية “ليست إلا مؤامرة لضرب العلاقات الإيرانية الأوروبية وهي تأتي بالتزامن مع زيارة الرئيس، حسن روحاني، إلى أوروبا”.

وشدد عراقجي على أنّ الحادث حصل في الوقت الذي من المتوقع فيه أن يجري الاجتماع المرتقب اليوم بين وزراء خارجية إيران ودول مجموعة 4 + 1 (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)، “وذلك من أجل المصالح الأمريكية والأهداف الصهيونية”.

وأوضح عراقجي قائلًا، حسب بيان رسمي: “وفق الوثائق والشواهد الموجودة فإنّ دور زمرة خلق الإرهابية واضح في هذه القضية كما قد تمّ ضبط مواد متفجرة برفقة شخصين ينتميان لهذه العصابة الإرهابية”.

المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي أكد كذلك في نفس الإطار أن ما حدث هو سيناريو أخير لتعکیر صفوة العلاقات بين إيران وأوروبا، مؤكدًا أن هذا السيناريو تمّ التخطيط له وتنفيذه للمساس بالعلاقات بين إيران وأوروبا في هذه اللحظة الحساسة، مشددًا على أن المسؤولين المعنيين في إيران على استعداد لإبداء التعاون اللازم من خلال تقديم الوثائق اللازمة للكشف عن الأبعاد الحقيقية لهذا السيناريو المخطط له مسبقًا.

وألقى قاسمي صراحة باللائمة على أنصار “مجاهدي خلق”، قائلًا: “إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومثلما أعلنت مرارًا فإنها ترفض وتدين أي شكل من أشكال العنف والأعمال الإرهابية في أي نقطة كانت من العالم، إنه وفقًا للمعلومات المتوفرة فإن الأفراد المعتقلين في بلجيكا هم أعضاء معروفون ومن قسم العمليات لتلك الزمرة( يقصد مجاهدي خلق)”.

وراجت في الفترة السابقة اتهامات واسعة لحركة مجاهدي خلق بالانخراط في تحالفات أمريكية إسرائيلية، وكشفت تقارير إعلامية أن عددًا من أركان إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، ربما كانوا على علاقة بمنظمات إيرانية “إرهابية”، وفقًا للتصنيف الأمريكي، وذلك بعد الكشف عن تلقي مسؤولين أمريكيين بارزين أموالًا مقابل إلقاء خطابات في فعاليات أقامتها منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة.

وذكرت شبكة cbsnews الإخبارية أن إلين تشاو، التي تمّ اختيارها وزيرة للنقل في الإدارة الأمريكية الجديدة، تلاحقها تهمة تلقي رشاوى من منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية، بسبب تقاضيها 50 ألف دولار عام 2015 مقابل إلقاء خطاب مدته 5 دقائق للجناح السياسي للمنظمة.