العدسة – إبراهيم سمعان

قبل إحياء الذكرى السابعة للإطاحة بزين العابدين بن علي العام 2011، تتواصل في تونس التظاهرات ضمن حركة الاحتجاج الاجتماعي ضد قانون المالية، وهي الاضطرابات التي كشفت النقاب عن إخفاقات ثورة “الحرية والكرامة” على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ووضعت علامات استفهام حول اعتبار الكثيرين أنها نموذج لثورات “الربيع العربي”.

صحيفة “لوموند” الفرنسية، سلطت الضوء- من خلال افتتاحيتها التي جاءت تحت عنوان “تونس: على خلفية التحول الذي يحتفل به الخارج”- على المظاهرات التي تشهدها البلاد، حيث أشارت إلى أنه بعد انقضاء سبع سنوات على ثورة عام 2011، فإن الفجوة بين الساحل المزدهر والمناطق النائية المنسية أعمق من أي وقت مضى، كما يتضح من تزايد عدد الاحتجاجات.

وأوضحت أنه منذ بداية الأسبوع، تتضاعف المظاهرات في المناطق النائية في بعض مناطق تونس؛ والسبب في ذلك هو قانون المالية الجديد، نظرا لانعكاساته على زيادة الأسعار التي تضرب الطبقات الاجتماعية الأكثر تواضعا، مشيرة إلى أنه على هامش التجمعات، اندلعت الاضطرابات، مما أدى في بعض الحالات إلى أعمال تخريب ونهب، وألقت الشرطة القبض على نحو 600 شخص.

وأضافت “لوموند”: هذه الاضطرابات تلقي الضوء على ما وراء المشهد الانتقالي التونسي الذي احُتفل به في الخارج، أي الفشل الاجتماعي والاقتصادي لثورة 2011، التي أطاحت بالديكتاتور زين العابدين بن علي، وفجرت الثورات العربية، التي كان يقودها بشكل أساسي شباب المناطق المحرومة داخل البلاد.

ورأت الصحيفة أن الانقسام الإقليمي بين التونسيين- وبعد مرور سبع سنوات- أعمق من أي وقت مضى، وهذا أمر لا يثير العجب، فالثورة التي سمحت ببدء عملية ديمقراطية جديرة بالثناء، لم تؤثر على النظام الاقتصادي الذي كان ساريا قبل عام 2011، حيث حافظت جماعات المصالح التي استفادت من الديكتاتوريات السابقة، على مواقفها في الإطار السياسي الجديد، وتصدت لأي إصلاح جذري، بما في ذلك النظام الضريبي الغير عادل.

كما أكدت أن الوقت قد حان لأن تكون النظرة الخارجية لتونس أقل سذاجة، فالاحتفال العاطفي بـ”النموذج الديمقراطي” التونسي، يجب أن يفيق من تجاهله لقوى الوضع الراهن، الذين يحاولون تفريغ جزء من الثورة من جوهره، وإذا أراد الأوروبيون إثبات صدق دعمهم للشعب التونسي، فعليهم أولا أن يحبطوا الخطاب الذي يعيق المكاسب الديمقراطية.

لقد استفادت تونس كثيرا من المستوى الدولي، نتيجة التعاطف التلقائي كنموذج في العالم العربي الإسلامي، بدون حدوث منافع اقتصادية كبيرة يجب الاعتراف بها، تقول “لوموند”.

وبينت أن الإشادة بالنموذج الديمقراطي في تونس لا يجب أن يمنع أصدقاء هذا البلد من طرح بعض الأسئلة المحرجة، ومنها: هل من الطبيعي ألا تطال التضحيات– التي لا ينكرها أحد، والناتجة عن وجوب تقليص نسبة العجز- إلا الطبقات المتوسطة والأكثر تواضعا، فيما تبقى مستحقات الطبقات الميسورة من الضرائب دون المستوى؟.

هل من الطبيعي- تابعت- أن تشهد تونس تدعيما للنظام الرئاسي، يعمل عليه جاهدا رئيس الدولة الباجي القائد السبسي مخالفا بذلك النهج البرلماني المنبثق عن الدستور الذي اعتمد عام 2014؟ .

كما تساءلت “لوموند” أيضا، هل من الطبيعي أن يتقاسم التحالف الحاكم المكوّن من نداء تونس وحزب النهضة الإسلامي مقوّمات الدولة بشكل خبيث، ويقضي بالتالي على السلطات المضادة؟.

وفي النهاية، خلصت الصحفية الفرنسية إلى أن هذا الإنكار يفسح المجال أمام عودة النظام الاستبدادي، ويغذي غضب الشارع التونسي، ومطالبة القادة التونسيين باحترام وعود 2011 يشكل أفضل طريقة لضمان استقرار هذا البلد الفريد.

ويرى كثير من التونسيين أنهم كسبوا الحرية، لكنهم خسروا في المقابل مستوى العيش، منذ الإطاحة بـ”بن علي”، ورغم أنها استجابت للاحتجاجات الاجتماعية إثر الثورة في 2011، بعمليات توظيف مكثفة في القطاع العام، تجد الدولة التونسية نفسها اليوم أمام صعوبات مالية بعد سنوات من التدهور الاقتصادي، العائد خصوصا إلى تراجع السياحة بعد الهجمات التي وقعت في 2015.