بعد أسابيع من حالة عدم اليقين، اقترحت اللجنة الانتخابية الليبية مؤخرًا تأجيل الانتخابات لمدة شهر حتى 24 يناير، وذلك بسبب الخلافات بين القوى السياسية المختلفة على الأساس القانوني للانتخاب.

 كان الهدف من هذه الانتخابات إخراج ليبيا من الاضطرابات ودفع البلاد إلى الأمام والتخلص من الصراع والانقسام العميق الذي حدث عقب الإطاحة بالحاكم القديم معمر القذافي في عام 2011. ومع ذلك، لم تسير العملية الانتخابية كما هو مخطط لها، وفي الواقع، لم يكن هذا مفاجئًا.

 في حين أن التطورات على أرض الواقع تلمح منذ فترة طويلة إلى أن هذه الانتخابات لا يمكن أن تستمر، فمن المتوقع أن يؤدي هذا التأجيل إلى تفاقم التدهور السياسي والأمني ​​والاقتصادي للبلاد، حيث أن المخاوف المتزايدة من الفراغ السياسي الذي يلوح في الأفق قد تؤدي إلى تجدد الصراع وعدم الاستقرار الاقتصادي.

بالنسبة لليبيين، وكذلك المجتمع الدولي، أثارت انتخابات ديسمبر بارقة أمل في احتمال تشكيل حكومة شرعية يمكنها تحقيق استقرار طويل الأمد، والمساعدة في تنشيط الاقتصاد الهش.

 على مدى الأشهر القليلة الماضية، كان استعداد البلاد للتصويت أمرًا شاقًا بقدر تعددها، من توفير الأمن والنظام، وإبعاد المقاتلين والمرتزقة الأجانب، وكذلك عدم وجود توافق في الآراء بشأن قوانين الانتخابات.

 منذ البداية، كانت العملية الانتخابية في ليبيا معقدة ومربكة وتفتقر إلى الوضوح والشفافية، فكانت العملية برمتها غير منظمة للغاية، مثل عدم وجود إطار قانوني مقبول بشكل عام للانتخابات، أو حقيقة أن مفوضية الانتخابات لم تكن قادرة على تحديد المرشحين المؤهلين.

 في هذا الصدد، تم استبعاد المرشحين ثم إعادة قبولهم. على سبيل المثال، لم يكن سيف الإسلام القذافي، نجل الدكتاتور الليبي المخلوع، مؤهلًا لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في البلاد وفقًا للجنة الانتخابات الليبية، ومع ذلك، ألغت محكمة في سبها قرار لجنة الانتخابات بإلغاء ترشيح سيف الإسلام لانتخابات ديسمبر، مما أضاف مزيدًا من الارتباك، وأظهر أيضًا عدم وضوح دور القضاء في تسوية الخلافات حول أهلية المرشحين.

من الضروري ملاحظة أنه منذ عام 2011 ، شهدت ليبيا واحدة من أكثر التحولات الثورية تحديًا لجميع الدول العربية.  فعلى عكس مصر وتونس، شهدت ليبيا فعليًا ما يسمى بالتدمير الكامل للمؤسسات الوطنية والإدارة الحكومية في أعقاب الإطاحة بالقذافي. اثنان وأربعون عامًا من نظام القذافي ترك ليبيا بأقل مستوى من التحسن في كل قطاع تقريبًا.

 لذلك بموته وتفكك نظامه، انهارت الدولة الليبية، وتركت البلاد في حالة فوضى عارمة. وسبب الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة وضع ليبيا في موقف لا توجد فيه نقطة انطلاق أو مثال حديث للدستور الجديد.

 في أعقاب ثورة 2011، لم تتم عملية وضع الدستور الليبي في ظل ظروف طبيعية أو سلمية، بل في خضم التوترات السياسية المتصاعدة والصراع العسكري. ثم في عام 2014، تم وضع عملية صياغة الدستور، وتم إصدار مسودة الدستور الناتجة في عام 2017. وتعددت أسباب هذا الإخفاق، حيث يتضمن تحديات داخلية وخارجية تواجهها هيئة وضع الدستور، ولكن يوجد سبب آخر، وهو الانقسام المستمر بين  مختلف الشركاء على كيفية ترتيبات مشروع الدستور النهائي.

 ترك التأخير في العملية الدستورية المؤسسات الليبية مع القليل من الشرعية، كما أدى إلى مزيد من الانقسام بين الجماعات المتنافسة. وبالتالي، فإن حل الأسس الدستورية والقانونية للانتخابات أمر بالغ الأهمية، وعلى الرغم من أن الانتخابات ضرورية لتحقيق الاستقرار، إلا أن الانتخابات سيئة التوقيت سيكون لها بالتأكيد آثار سلبية على تعزيز المصالحة والاستقرار.

قد يؤدي خروج العملية المدعومة من الأمم المتحدة عن مسارها إلى خطر عودة ليبيا إلى الصراع، حيث يمكن لبعض الشخصيات السياسية مثل عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب وحليف خليفة حفتر، الاستفادة من الوضع الحالي ومحاولة رفض شرعية حكومة الوحدة الوطنية الحالية المدعومة من الأمم المتحدة، ومحاولة تشكيل حكومة موازية جديدة في الشرق.

 بسبب هذا القلق، ذكرت بعض الدول مؤخرًا، بما في ذلك المملكة المتحدة، أنه وفقًا لخارطة طريق منتدى الحوار السياسي الليبي (LPDF) والاتفاقية السياسية الليبية (LPA)، تواصل المملكة المتحدة الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية باعتبارها السلطة المكلفة بقيادة  ليبيا إلى الانتخابات، ولا تؤيد إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية.

 لم تتم معالجة القضايا الرئيسية في البلاد المتعلقة بقانون الانتخابات والصعوبات الأمنية، ولذلك من غير المرجح أن يتم حلها في غضون شهر واحد، ومن الواضح أن هذه الانتخابات قد فات موعدها. يعتقد العديد من الليبيين أن أولئك الذين يشغلون مناصب السلطة السياسية لديهم تفويض محدود للغاية.

في الوقت نفسه، كما هو عليه اليوم، لا يوحي المشهد السياسي والأمني ​​في البلاد حاليًا إلى وجود احتمالية إجراء الانتخابات. فليبيا لا تزال بحاجة إلى إحراز تقدم كبير في العديد من القضايا الرئيسية، مثل إعادة توحيد المؤسسات، والإجماع على الدستور، والإصلاح الاقتصادي، وإصلاح قطاع الأمن، والمصالحة.

 وبالتالي، قد يكون من الحكمة التفكير في استراتيجية طويلة المدى لتعزيز الظروف الميسرة قبل الإصرار على إجراء انتخابات في الأشهر المقبلة.