يأبى الديمقراطيون في الولايات المتحدة أن تضع معركة عزل الرئيس دونالد ترامب أوزارها، فبعد أن بدا للمراقب أن نتائج تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016 قد حسمت الجدل، ومالت الكفة لمصلحة براءة ترامب، الذي سارع إلى إعلان أن التحقيق أصبح من الماضي بعد أن برَّأ ساحته.

عادت الأضواء لتسلَّط من جديد على القضية، مع تصويت اللجنة القضائية في مجلس النواب ضد وزير العدل ويليام بار، واتهامه بـ”ازدراء الكونغرس”، لتبدأ معركة قضائية ضده، بالتوازي مع الإعلان فجأة عن استدعاء نجل ترامب الأكبر، للإدلاء بإفادة أمام الكونغرس.

ومع ظهور مؤشرات عديدة على أن الديمقراطيين قد يمضون قدماً، بالأشهر المقبلة، في إجراءات عزل الرئيس، يرى مراقبون أن التصعيد الأخير بمنطقة الخليج العربي ومضيق هرمز ضد إيران ودق طبول الحرب مرتبط بالشأن الداخلي، ومحاولة لصرف أنظار الرأي العام الأمريكي عن القضية.

 

رؤية ديمقراطية متعددة

ورغم اتفاق قيادات الحزب الديمقراطي وقواعده على أن فترة حكم الرئيس ترامب هي الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، على مختلف الصعد الداخلية والخارجية، وفيما يتعلق بصورة ودور أمريكا بالخارج، فإنهم يختلفون في التعاطي مع مسألة العزل.

فالجناح التقدمي للحزب، الذي يمثله الجيل الأكثر شباباً، يرى أن المضي في خطوات العزل يحقق مصالح البلاد، ويقدم لها الحماية من التوجهات اليمينية التي يمثلها الرئيس.

وفي هذا الإطار قدَّم برلمانيون ديمقراطيون ومنظمات تقدمية، الخميس (9 مايو 2019)، عرائض بالعاصمة واشنطن، وقَّع عليها عشرة ملايين أمريكي، يطلبون من الكونغرس إطلاق إجراءات عزل الرئيس.

وعرض النائبان آل غرين ورشيدة طليب، وممثلون عن عدد من المنظمات، بينها “موف أون” و”ويمنز مارش”، أمام مبنى الكونغرس ملفاً إلكترونياً يتضمن العرائض الموقَّع عليها.

النائب آل غرين قال أمام حشد من المواطنين: “بين أيدينا عشرة ملايين سبب لأن نكون هنا اليوم”.

من جهتها، قالت النائبة رشيدة طليب: “في مواجهة هذه الحقبة القاتمة لبلدنا، حان الوقت، من وجهة نظري، لأجل الكفاح لعزل ترامب”.

وكانت طليب قدمت مشروع قرار يدعو اللجنة القضائية إلى التحقيق لمعرفة ما إذا كان ترامب ارتكب أفعالاً تسوغ بدء إجراءات عزله.

في المقابل يتبنى القادة التقليديون بالحزب الديمقراطي موقفاً أكثر اعتدالاً من مسألة عزل الرئيس، ويرون أن الخطوة قد تؤدي إلى انقسام في الولايات المتحدة، ويفضّلون الوصول مع ترامب إلى الانتخابات المقررة عام 2020، ومن خلالها يتم توحيد الجهود لعدم وصوله إلى فترة ثانية.

وفي هذه الأثناء تعيش الأوساط السياسية بالولايات المتحدة حالة غير مسبوقة من التوتر بين الديمقراطيين والبيت الأبيض، بسبب رفض الأخير التعاون مع التحقيقات البرلمانية التي تجريها لجان في الكونغرس بمجلسيه، خصوصاً مسألة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية.

وقالت رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديمقراطية نانسي بيلوسي: إن “الولايات المتحدة تمر بأزمة دستورية، بسبب رفض ترامب التعاون مع التحقيقات”.

وأضافت في تغريدة على “تويتر”: إن “قرار ترامب وإدارته تجاهل قَسم اليمين الذي أدوه تسبب في أزمة دستورية، إنه لأمر مروع أن تكون الإدارة عقبة أمام حماية انتخاباتنا وحصول الشعب الأمريكي على الحقيقة!”.

 

إيران كبش الفداء

وصول البارجات الأمريكية إلى مياه الخليج وقاذفات الـ”بي-52″، والتحشيد الإعلامي تجاه إيران في فترة قصيرة، كان أمراً مفاجئاً للعالم؛ وللداخل الأمريكي ذاته، بحسب محمد ناصر الحسني الناشط الحقوقي في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير).

الحسني قال لـ”الخليج أونلاين”: إن “خطوة رفع الإعفاءات عن الدول التي تستورد النفط الإيراني، ومحاولة تصفير صادرات إيران النفطية، كانت متوقعة مع مرور عام على قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، وكان يُفترض أن تنتظر الإدارة الأمريكية نتائج هذه الخطوة، والتي يُفترض أن تدفع طهران إلى التنازل”.

واستدرك قائلاً: “لكن إدارة ترامب فاجأت الجميع بشبه إعلان حرب في منطقة الخليج، من خلال ادعاء وجود معلومات استخباراتية تشير إلى تخطيط إيران لمهاجمة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وبهذه الخطوة تم شغل الرأي العام الأمريكي بحرب قادمة، عن متابعة الخيوط التي تتكشف يوماً بعد يوم عن تلاعب الإدارة بالمؤسسات الديمقراطية في البلاد، وتهرُّب ترامب الضريبي، وكذب وزير العدل”.

وكانت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية قالت السبت (11 مايو 2019)، إن العالم يعيش أجواء تشبه تلك التي سبقت حرب غزو العراق عام 2003، تعليقاً على نشر الولايات المتحدة طائراتها وسفنها في مياه الخليج العربي؛ رداً على ما قالت واشنطن إنها تهديدات إيرانية لاستهداف مصالحها ووجودها في المنطقة.

وأضافت المجلة في تقرير ترجمه “الخليج أونلاين”، أن إدارة ترامب تقول إنها لا تريد الحرب مع إيران، لكن كثيراً من أفعالها توحي بخلاف ذلك، فمنذ أن قرر الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإدارته تثير التوترات مع طهران؛ تارة بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية، وتارة بخنق صادرات إيران النفطية، وأخيراً تصنيف “الحرس الثوري” منظمة إرهابية.

وأشارت المجلة إلى أن أغلب التقارير تؤكد أن إدارة ملف إيران في يد مستشار الأمن القوميِّ جون بولتون، الذي دعا مراراً إلى تغيير النظام في طهران، وهو الشخصية الرئيسة التي دفعت باتجاه الحرب على العراق، قبل سنوات.

ويرى عمر عبد الرحمن الهلالي، الصحفي العراقي المقيم في ولاية كاليفورنيا، أن إيران أصبحت “كبش فداء” لمشاكل ترامب الداخلية.

واستدل الهلالي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، على صحة هذا التحليل، بالقول: إن “كل المؤشرات التي تطلقها أركان الإدارة الأمريكية تتجه نحو عدم خوض حرب في هذه المرحلة، وإنما الضغط بكل الوسائل، وعلى رأسها الاقتصاد، لجلب إيران إلى طاولة المفاوضات”.

وأضاف: إنَّ “فرص التفاوض تتراجع مع تصاعد التوتر والتهديدات العسكرية، وهذا أمر معروف بالبداهة في التعاطي مع الشأن السياسي”، مشيراً إلى أن “التصعيد العسكري جاء متزامناً مع سعي الكونغرس إلى نزع الثقة عن وزير العدل ويليام بار بعدما حدث في شهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ، ثم رفضه الشهادة أمام مجلس النواب، وتصاعد المطالبة بعزل ترامب”.

واستدرك الهلالي بالقول: إن “التصعيد مع إيران الآن، ولو بشكل عمليات عسكرية محدودة، سيوفر ضمانة لترامب بالنجاة من الملاحقة، من خلال تحويل اهتمام الإعلام والرأي العام الأمريكي والعالمي نحو الحرب، عِلماً أن الأمريكيين يقفون عادة خلف رئيسهم حينما تخوض بلادهم أي حرب خارجية”.

يشار إلى أن الديمقراطيين طالبوا بالحصول على البيانات الضريبية لترامب، لكن إدارته رفضت ذلك، معتبرة أنها طلبات غير مسوَّغة، ويرى بعض المراقبين أن ترامب ربما يدفع بالديمقراطيين إلى بدء إجراءات عزله ضمن خطة انتخابية محسوبة بشكل جيد، لأن الجمهوريين يشكلون أغلبية في مجلس الشيوخ؛ ومن ثم سيعطلون أي إجراء ضده، وهو ما يوفر له دعاية لانتخابات 2020.

رئيسة مجلس النواب الأمريكي تحدثت عن هذا السيناريو يوم الثلاثاء (7 مايو2019) وقالت: إن “ترامب يستفزنا لكي نبدأ إجراءات الإقالة، لذلك هو يقوم بالاستفزاز يومياً، لأنه يعلم أن ذلك سيثير انقساماً عميقاً في البلاد، لكنه لا يكترث لذلك، فهو يريد فقط توطيد قاعدته” الانتخابية.