المذابح في إدلب في ازدياد مستمر، مخلفة ملايين لا مأوى لهم… واستقرار الشرق الأوسط بأكمله في خطر

من الواضح أن الأزمة السورية ليست ضمن جدول أعمال قمة مجموعة السبعة المنعقدة نهاية الأسبوع الجاري في بياريتس في فرنسا، فغياب اثنين من اللاعبين الرئيسيين – روسيا وتركيا- يعني أن القمة لن تسفر عن أي مبادرات جوهرية بخصوص سوريا.

كما يبدو أن الزعماء الأوروبيين – الذين يعانون من مشاكل أخرى- يفضلون عدم التفكير في سوريا على الإطلاق، وكذلك الحال مع دونالد ترامب الذي قام بغسل يديه من الصراع الدائر هناك، رغم أن قادة البنتاغون يقاومون مطالبته بسحب جميع القوات الأمريكية.

إن إهمال الحكومات الغربية للحرب المستمرة منذ ثمانية أعوام، وما نتج عنها من نتائج سلبية على المدنيين، ليس غريباً على تلك الحكومات، ولكنه سيظل موقفاً غير مقبولاً وغير مبرراً، على الرغم من قيامهم بالتدخل في بعض الأوقات منددين ببعض الأحداث التي لم يكن منطقياً تجاهلها، كالهجمات بالأسلحة الكيماوية وغيرها من جرائم الحرب المروعة، بل أعطت تلك الدول الأولوية الكبرى في ردود أفعالها، لانتقاد جرائم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

هذا الفشل الجماعي في مواجهة واحدة من أبرز وأبشع الحروب التي يشهدها العصر الحالي، يدفع ثمنه الشعب السوري، والشعب السوري وحده لا غير.

في إدلب، شمال غرب سوريا، يتعرض أكثر من 3 ملايين شخص لهجمات قوات النظام السوري، والمدعومة بالقاذفات والمدفعية الروسية، ما نتج عنه مقتل أكثر من 800 مدنياً -من غير المشاركين في تلك الحرب، منذ أبريل/نيسان الماضي، كما فر ما لا يقل عن نصف مليون مدني نحو الحدود التركية، وأغلبهم كان قد نزح إلى إدلب في أوقات سابقة هروباً من الحرب التي دمرت مدنهم.

وعلى الرغم من النداءات المتكررة للتدخل للمساعدة من جانب الأمم المتحدة، ووكالات الإغاثات الدولية والمنظمات المحلية مثل الخوذ البيضاء، فإن الفوضى هي ما يتصدر المشهد في إدلب، بعد انتشار المذابح، المتصاعدة، منذ سقوط قوات بشار الأسد في مدينة خان شيخون جنوب إدلب الأسبوع الماضي، ليجد السوريون أنفسهم في مأزق، فمن جهة يجب عليهم الفرار من بلدتهم التي طالتها الحرب، ومن جهة أخرى تتفاقم محنة السكان الفارين من إحجام تركيا عن قبول المزيد من اللاجئين وعزمها على إجبار الكثير من بين 3.6 مليون سوري موجودون بالفعل في تركيا على الخروج من المدن الكبرى والعودة عبر الحدود.

وإن لم يكن بدافع الشفقة، فلأسباب تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الأخرى، يجب على القادة الغربيين أن يولوا المزيد من الاهتمام للأزمة السورية.

من جانبه ساهم رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، في الحفاظ على الخط في إدلب العام الماضي، عندما أنشأ مراكز مراقبة عسكرية لإبقاء قوات النظام والمتمردين والجهاديين منفصلين، لكن مع الوقت، تنهار هذه التكتيكات، ففي الأسبوع الماضي، تعرضت قافلة تركية للهجوم، مما دفع أردوغان إلى عقد اجتماع طارئ مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لمباحثة الأوضاع.

وإذا فقد أردوغان الصبر، فقد تكون العواقب وخيمة؛ وعلى غرار العمليات التركية التي حدثت من قبل في “الباب وعفرين وعزاز”، يمكن أن يأمر بالمزيد من التوغلات العسكرية في سوريا لإنشاء ما تسميه أنقرة “ملاذات آمنة”، وقد يتحدى كذلك سيطرة الأكراد السوريين المؤيدين للغرب على مناطق شرق الفرات، وبإغلاق طريق الهروب الرئيسي لمدنيي إدلب -تركيا-، يمكن أن يتسبب هذا في نزوح جماعي آخر للاجئين في اتجاه أوروبا، على غرار ما حدث في عام 2015.

من ناحية أخرى أكراد سوريا، المدعومين على أرض الواقع من قبل القوات الأمريكية والبريطانية الخاصة، يمثلون عنصرًا حيويًا في المعركة غير المكتملة ضد داعش، الذي تتحدث التقارير في كافة أنحاء المنطقة عن عودتهم الوشيكة في شمال سوريا والعراق، وبحسب ما وُرد، شنت الخلايا النائمة 43 هجومًا في المناطق الكردية السورية منذ أواخر يوليو/تموز الماضي.

في الوقت نفسه، تستخدم إسرائيل، بمباركة من ترامب وربما بوتين أيضاً، الفوضى السورية لتوسيع حرب غير معلنة ضد إيران، حيث شنت غارات جوية عديدة على القوات الإيرانية ووكلائها داخل سوريا، وهي الآن توسع حملتها لتشمل أهدافاً إيرانية في العراق، كما أصابت مستودعات الذخيرة وقاعدة عسكرية شمالي بغداد يستخدمها الحرس الثوري الإيراني في غارات إسرائيلية غير معلومة المصدر.

وتلخيصاً للمشهد، نجد أن إدلب، داعش، إسرائيل – إيران، هم العناصر الرئيسية في تلك الأزمة، إنهم مزيج سام، توسعهم هو نتاج لفشل الغرب في التحرك بحزم لإنهاء الحرب السورية.

هذه التصعيدات تنذر بمزيد من عدم الاستقرار داخل منطقة الشرق الأوسط، الغير مستقر بالفعل.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا