العدسة – معتز أشرف

زيارات ومؤتمرات وخطابات وصراعات، ضجيج قد يجلب طحينا وقد لا يجلب، ضمن رحلة عمر خمسيني لمنظمة التعاون الإسلامي بعد إنشائها في عام 1969 عقب إحراق قوات الاحتلال الصهيوني للمسجد الأقصى الشريف، وغيرت اسمها الأول الذي عرفت به في مهدها باسم منظمة المؤتمر الإسلامي إلى منظمة التعاون الإسلامي بحلول عام 2011، وحاولت تركيا عقب رئاستها مؤخرا للأمانة العامة تطويرها والانطلاق بها، ولكن هل تشهد تطورا وإضافة وتحقيقا لأهدافها أم تظل منظمة بروتوكولية للاجتماعات وتنسيق المواقف فقط دون تأثير ودون تفعيل لطموحاتها في ظل التغيرات الكبرى في المنطقة والشرق الأوسط والعالم الإسلامي والعربي.

اسم المنظمة قفز إلى سدة الاخبار، مع انطلاق أعمال الجلسة العشرين للجنة العامة التابعة لمؤتمر برلمانات الدول الأعضاء في المنظمة في دورته الـ13 الخاصة بالقدس، في العاصمة الإيرانية طهران وسط غياب خليجي وحضور للنظام السوري وتخفيض لمستوى تمثيل الأردن، بالتزامن مع زيارة رسمية إلى مصر يقوم بها الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين في أول تواصل دبلوماسي ميداني بعد غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن قمة القدس الاستثنائية في تركيا.

 المنظمة الثانية عالميا

هي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، حيث تضم في عضويتها سبعًا وخمسين دولة موزعة على أربع قارات، وتصف نفسها علي موقعها الرسمي بأنها ” الصوت الجماعي للعالم الإسلامي” وإن كانت لا تضم كل الدول الإسلامية وأنها تهدف ل “حماية المصالح الحيوية للمسلمين  البالغ عددهم نحو 1,6 مليار نسمة. وللمنظمة عضوية دائمة في الأمم المتحدة.

وجرى اعتماد ميثاق منظمة التعاون الإسلامي في الدورة الثالثة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية في عام 1972 ، ووضعت الدورة الاستثنائية الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي التي عُقدت في مكة المكرمة في ديسمبر 2005 خطة على هيئة برنامج عمل عشري يهدف إلى تعزيز العمل المشترك بين الدول الأعضاء، وبحلول نهاية عام 2015، استُكملت عملية تنفيذ مضامين برنامج العمل العشري لمنظمة التعاون الإسلامي بنجاح، وقامت المنظمة بصياغة برنامج جديد للفترة الممتدة بين عامي 2016  و2025.

ومن أهم أجهزة المنظمة، القمة الإسلامية، ومجلس وزراء الخارجية، والأمانة العامة، بالإضافة إلى لجنة القدس وثلاث لجان دائمة تُعنى بالعلوم والتكنولوجيا، والاقتصاد والتجارة، والإعلام والثقافة. وهناك أيضاً مؤسسات متخصصة تعمل تحت لواء المنظمة، ومنها البنك الإسلامي للتنمية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو). وتؤدي الأجهزة المتفرعة والمؤسسات المنتمية التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي أيضاً دوراً حيوياً وتكميليا من خلال العمل في شتى المجالات.

خلافات مستمرة

لم يكن غياب قادة مصر والسعودية عن مؤتمر القدس في تركيا، إلا تعبيرا عن خلافات مستمرة دون حل فعال من المنظمة، حيث شهد مؤتمر البرلمانات الإسلامية المنعقد بطهران غياب خليجي  مع استمرار الصراع الحاد بين جدة وطهران ، خاصة وأن الأخيرة استضافت بكرم واسع الوفد السوري الناطق باسم النظام السوري الذي حاول استثمار الموقف في الهجوم علي السعودية غريمة إيران، وهو ما دفع الوفد الكويتي برئاسة النائب الدكتور عودة الرويعي للتصدي لإدراج بند في شأن ادعاءات كاذبة ساقها وفد مجلس الشعب السوري بمنع المملكة العربية السعودية الحجاج السوريين من أداء مناسك الحج، والتصريح بأن البند هو محاولة من “ممثل الوفد السوري لتشويه صورة السعودية والافتراء عليها ” مؤكدا أن “غياب الوفد السعودي عن حضور المؤتمر لا يعني أن تتغاضى الكويت أو غيرها من الأشقاء عن الرد على هذه المحاولات والتصدي لها”.

وفي الاتجاه ذاته، غاب رئيس مجلس النواب الأردني عاطف طراونة عن اجتماع البرلمانيين رغم أنه الذي طالب به، ووصل وفد بلاده برئاسة نائبه الأول بسبب مستجدات سياسية حدثت في الاتجاه الأردني بحسب صحيفة “عمون” المحلية تنطوي على رسالة أردنية سياسية تخفف من الانفتاح على إيران في ظل ترتيبات أردنية سعودية حصلت خلف الكواليس، رغم أن الطراونة الشخصية الأردنية الوحيدة التي زارت طهران في العامين الماضيين.

فشل وترهل

منظمة ضخمة، رأي رئيس البرلمان العربي الأسبق على الدقباسي في تصريحات متلفزة أنها أثبتت فشلها خلال السنوات العشر الأخيرة واستدل على ذلك بالاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون في بورما وسوريا والعراق والصومال، إضافة إلى ما اعتبره تدخل دول أعضاء -في إشارة إلى إيران- في شؤون الدول الأخرى الأعضاء، مشيرا إلى فشل المنظمة حتى على الصعيد الثقافي في ظل محاولات التشويه التي يطال صورة الإسلام والمسلمين.

وطالب الدقباسي بضرورة إعادة النظر في عمل منظمة التعاون الإسلامي، وقال ” لا قيمة للمنظمة إذا لم تحقق أهدافها.. وستكون عبئا على الدول الإسلامية ، نريد منظمة جادة تصل إلى الضعفاء والمساكين أمام الهجمة البربرية على العالم الإسلامي”.

مراقبون أكدوا أن منظمة التعاون الإسلامي هي مسيرة من الفشل والإخفاق، وأنها علي  كاهلها تاريخ من الإخفاق والفشل، فلم يُشهد لها دورًا حقيقيًا في المشهد العالمي، سوى الشجب والتنديد لكل ما يصيب الدول العربية والإسلامية –على وجه التحديد- من كوارث وأزمات.

وبحسب تقرير نشرته جريدة الوفد المصرية فإنه طوال السنوات الماضية تقمصت المنظمة دور المُدين لكل ما يحدث، ولم تخرج بياناتها سوى للشجب والتنديد خلال المؤتمرات والمحافل الدولية، ورغم تضخم الأزمات في دول العالم الإسلامي والعربي، إلا أن المنظمة لم تعد بوابة المتفرج، ولم تخرج بأي حلول جذرية، بشأن الأزمات الحالية، لاسيما في فلسطين وغزة، واليمن والسودان وليبيا والعراق وسوريا وأفغانستان، باكستان، والصومال، ونيجيريا ، ولم تتخذ موقفًا من المجازر التي تعرض لها المسلمون في بورما وميانمار في أبشع عملية تصفية عرقية ‏شهدها التاريخ الحديث.

التقرير أكد أن المنظمة فشلت في التحول لتكتل قوي وناجح مثل الاتحاد الأوروبي، الذي حقق الوحدة الاقتصادية والسياسية، التي مكنته من مواجهة أي تهديدات قائمة ومحتملة، ودفع الصمت الذي حل بالمنظمة منذ سنوات، أعضاؤها للجوء إلى منظمات دولية أخرى أبرزها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأطراف دولية كبرى على رأسها الولايات المتحدة، ليبحثوا عن حلول أخرى لأزماتهم، بعدما عجزت التعاون الإسلامي التي تعد ثاني أكبر منظمة عالمية بعد الأمم المتحدة عن حلها.

آمال تركية

وفي ظل هذه الاوضاع آلت رئاسة المنظمة في قمتها الثالثة عشرة في اسطنبول لتركيا مما فتح المجال أما فترة جديدة من “التعاون والتكافل” وإحياء ما ينتظره المسلمون من هذه المنظمة، بحسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس الحالي للمنظمة والذي أكد في خطاب توليه المسئولية  أهمية تحويل منظمة التعاون الإسلامي لـ”وحدة حقيقية” للمسلمين بعدما لم ينتج عن المنظمة ما كان مُنتظرا من “تقارب وتعاون” ، ولم تقم بأي دور فعال كما هو مطلوب في الصراعات التي نتجت بعد اندلاع ثورات الربيع العربي.

صحيفة صباح التركية أكدت الإصرار التركي على تغيير وضع المنظمة، وكتبت تحت عنوان  “مقترحات لمستقبل الأمة” أن مقترحات “أردوغان” التي تنطلق من مفهوم “لا يتضرّر من الصراع سوى المسلمين” تعكس أنه يمتلك إرادة “لتبني مستقبلها” موضحة أنه إذا ما توصلت القوى الفاعلة في المنطقة إلى نقطة فهم خطر بقاء الصراع والفوضى حينها يمكن أن تكون دعوة تركيا بداية “للخروج من الأزمة” أما خلاف ذلك فستقول شعوب الشرق الأوسط لمقترحات أردوغان “كفى” ويتجهون للتعبير بطريقة أخرى، وهو ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.