العدسة – معتز أشرف

ما بين حين وآخر تخرج تصريحات من هنا وهناك للحديث عن اتصالات بين نظام عبد الفتاح السيسي وجماعة الإخوان المسلمين، للبحث عن تسوية سياسية، ولكن الحقيقة الخفية في الكواليس تكشف عن تفاصيل كثيرة لتفاصيل مساومة السيسي لقيادات الإخوان المسلمين في السجون بحسب وصف مصادر وثيقة الصلة بما جرى، تلك المساومات التي كثيرا ما تقابل بالرفض من قيادات جماعة الإخوان المسلمين وإحالة الجهة المفاوضة إلى الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب للبلاد بوصفه الرئيس الشرعي للبلاد.

الاتصال الأهم

المصادر التي تحدثت للعدسة، طالبة عدم ذكر أسمائها، كشفت عن الاتصال الأهم والذي لم يكتمل بسبب- ما وصفته المصادر- بـ”أطماع السيسي”، ووفقا لها فبعد “مجزرة رابعة العدوية والنهضة” والتي ارتقى فيها المئات، جرت اتصالات من وسطاء في الفترة ما بين أكتوبر 2013 حتى فبراير 2014، للوصول إلى نقطة التقاء بين الجماعة والمؤسسة العسكرية، أجراها د.زياد بهاء الدين الذي كان عضوا بارزا في حكومة د.حازم الببلاوي، ود.محمد علي بشر وزير التنمية المحلية في حكومة د.هشام قنديل، والمسجون حاليا،  بعلم الفريقـ آنذاك- عبد الفتاح السيسي وموافقته هو وقيادات الجيش على تلك اللقاءات، وتوصلوا عبر ممثلين لهما في جنيف إلى اتفاق مبدئي من أربع نقاط، يتحدث عن وضع تصور يناقش في مرحلة لاحقة لموقف الدكتور محمد مرسي، مع عودة الجيش للثكنات، وتطبيق العدالة الانتقالية على ضحايا الثورة، وعودة الحياة السياسية والحريات في البلاد، وكان الاتفاق علي عودة كل طرف إلى معسكره للتأكيد النهائي علي الاتفاق، الذي وافق عليه الإخوان مبدئيا، ولكن فوجئ الطرف الحكومي بالإطاحة به والحكومة كلها بصورة مفاجئة وإبعاد العناصر التي كانت تدعم التسوية السياسية مع الإخوان، ثم فوجئوا بإعلان السيسي ترشحه في الانتخابات الرئاسية في 2014 علي غير وعود السيسي السابقة بعدم وجود رغبة لديه في الترشح للرئاسة، وهو الأمر الذي اتضح بعد ذلك أنه مرتّب من السيسي باقتراح من جهاز الأمن الوطني الذي قدم قيادته له تصورا يتناغم مع تحالفاته مع الإمارات والسعودية وقتها بوقف الاتصالات مع الجماعة وتقديم سيناريو إقصاء للإخوان ميدانيا وإعطاء جهاز الأمن الوطني فرصة للسيطرة علي الموقف والذين وعدوه بالقضاء علي الإخوان كلية مع جرّهم إلى مربع العنف بحسب ما وصل للمصادر عن طريق الطرف الحكومي في وقت لاحق عبر وسطاء وهو الذي دعا الطرف الحكومي إلى البعد عن المشهد السياسي كلية بعد أن أفشلت أطماع السيسي كل خطوط التسوية المبكرة لصالح نشر العنف للسيطرة علي المقاليد بقبضة أمنية باطشة.

الاتصال الثاني

اتصالات أخرى غيرناضجة بحسب وصف المصادر من مستويات أمنية عديدة قابلت قريبين للإخوان في السجن منهم المحامي عصام سلطان والمستشار رفاعة الطهطاوي أو ناقشت الإخوان حول الأوضاع الراهنة، وقالت إنها تمثل رغبة للسيسي أو وزارة الداخلية، وقدمت مساومات متباينة تدور علي فرض الأمر الواقع على الإخوان وحلفائهم، وهي المساومات التي رفضت بالإجماع من القيادات العليا للإخوان في السجون.

الاتصال الآخر الذي فضلت المصادر التطرق إليه، حدث ما بين مارس وأبريل  2017، حيث أرسل “السيسي ” مباشرة  باسمه حسن راتب رجل الأعمال المعروف والذي كان على علاقة قديمة بالإخوان في وقت سابق، إلى المرشد الأسبق الراحل محمد مهدي عاكف، وكان رسالة السيسي الأولى لـ”عاكف” هو حثه علي مقابلته والتحدث إليه مقابل الإفراج الصحي عنه، وهي الرسالة التي نقلت تحت إشراف الأمن الوطني في مستشفي ليمان طرة حيث كان يعالج “عاكف”، وهي ما رفضها في وقتها مبررة ذلك بأنه “لا يضع يده في يد قاتل” ووصف السيسي بأنه “ولد مخادع وخائن”، مؤكدا أنه لن يضع يده في يد السيسي بعد كل ما صنعه في البلاد من خراب ودمار بحسب مضمون ما نقل عنه في وقتها بحسب مصادر أخرى قابلته قبل وفاته بوقت قصير.
ويرفض الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين كل المحاولات التي تتم معه للقبول بالاتصال بأي جهة أو شخصية، بحسب المصادر التي أكدت أنه يبرر ذلك بوجود “رئيس شرعي للبلاد اسمه الدكتور محمد مرسي يجب أن تتم معه كل النقاشات ” مؤكدا أن “الإخوان جزء من الشعب الذي اختار الرئيس مرسي في تجربة ديمقراطية شهد بها العالم وأنه لن يقدم الجماعة على صاحب القرار الدكتور محمد مرسي في أي شيء”، مشيرا كذلك إلى أنه “ولي دم ” ولن يضع يده في يد من يتهمه بقتل ابنه وآلاف من المصريين، وهو كذلك ما يقول  مضمونه الدكتور “محمد سعد الكتاتني” رئيس مجلس الشعب في 2012 ورئيس حزب الحرية والعدالة، الذي كثيرا ما يرد علي أي محاولة للاتصال به بترحيبه بأي تسوية سليمة ومنصفة  للأوضاع في مصر ولكن اشترط أن تتم عبر الرئيس الشرعي للبلاد الدكتور محمد مرسي حتي تستقيم الأمور ولا يتم القفز علي إرادة الشعب.

المصادر كشفت كذلك لـ”العدسة ” عن أن جهة سيادية بمصر، استأذنت “السيسي” لجس نبض الإخوان وترك فرصة لها في ظل سيطرة الأمن الوطني علي الملف فوافق على مضض، حيث وسطت هذه الجهة  المحامي المعروف منتصر الزيات للحديث مع الإخوان ومجموعات 30 يونيو لمعرفة ما يريدون لحل الأزمة الحالية في مطلع عام 2017، وتواصل بالفعل مع الإخوان ومعه عرض أمني من الجهة السيادية بضرورة نبذ الإخوان للعنف وتسليم أسماء “المقاتلين” لديها، وهو ما استنكرته القيادة الإخوانية البارزة التي التقت منتصر الزيات، واعتبرت العرض ” غير مقبول ولا يتحمل استكمال الحديث ويجب تغييره لأن تلك الجهة تعلم يقينا بحسب القيادة الإخوانية نبذ الإخوان للعنف وعدم وجود مقاتلين لديها، ولا نية لديها لاستخدام العمل المسلح “، إلا أنه بعد أيام من الاتصال حالت دون تواصل الحوار تدخل جهاز الأمن الوطني باستدعائه منتصر الزيات حيث قام بتعنيفه على إجراء الاتصال مع الإخوان وطالبته بوقف الاتصال بالجهة السيادية الأخرى، وهو ما دفع الزيات إلى إعلان اعتزال العمل السياسي حينها.

المصادر التي تحدثت إلى العدسة، تري أن هناك توافقا واسعا بين قيادات الإخوان المسلمين بأنهم لن يضعوا أيدهم في يد السيسي حتى لو طال حكمه بقوة الدبابة والسلاح، ولكن الإخوان قد يفكرون في الموافقة علي الحوار مع قيادات عسكرية  بشرط أن يستبعد السيسي من المشهد، وأن يدور الاتصال علي أجندة واضحة لإنقاذ مصر مع وضع تصورات تجعل الدكتور مرسي مفتاحًا للحل، وليس ضده، بجانب الإفراج عن المعتقليين والمعتقلات، وتقديم حقوق الشهداء بالطرق المناسبة قانونيا وفق أطر العدالة الانتقالية دون جر مصر إلى مزيد من التدهور والتأخر.

مؤشرات متقاربة

يؤكد ما ذهبت إليه المصادر، ما أعلنه قيادات الإخوان في السجون والمتحالفين معهم عندما خرجوا في جلسة 20 مايو 2017 الماضي، وكشفوا عن ضغوط من النظام الحالي الذي وصفوه بالانقلابي للتسوية مع “السيسي” لوقف التعذيب في السجون، بحسب ما قالوا، كما قدم المحامي البارز عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط المصري، مذكرة كشف فيها عن حضور قيادة أمنية كبيرة تساومه على حقوقه مقابل إصدار بيان أو تصريح تأييد للرئيس الحالي وهو ما رفضه سلطان في مذكرته بينما كشف الدكتور أحمد عارف، المتحدث باسم جماعة «الإخوان المسلمين»، في أكثر من كلمة له في الجلسات الخاصة بالقضية التي يحاكم فيها المعروفة إعلاميا باسم ” فض رابعة العدوية” عن وجود مساومات سياسية من أجل دعم النظام الانقلابي، معلنًا رفضه والجماعة لأي ابتزاز سياسي.

كما جاء بيان “الإخوان المسلمين” في مصر، منذ أيام، ليؤكد نفس الرد المعتاد على لسان قيادات الإخوان بالسجون حيث قال البيان بوضوح: “إننا حبًا للوطن وإخلاصًا لترابه وصيانةً لمصالح الشعب المصري؛ لا نمانع في البحث الجاد مع كل المخلصين عن كل ما يقيل مصر من عثرتها وينقذها من الأوضاع الكارثية التي تسبب فيها الانقلاب العسكري، لكن المعني بأي اتصالات أو مفاوضات من أي نوع هو الأستاذ الدكتور محمد مرسي، الرئيس الشرعي المنتخب انتخابًا حرًا بشهادة العالم أجمع، وليست الجماعة وقياداتها”.

ورغم نفي الإخوان للأخبار التي ترددت الفترة الأخيرة، “في بعض وسائل الإعلام المحلية والعالمية، عما قيل إنها مفاوضات أو اتصالات أو صفقات بين الجماعة ومنظومة الانقلاب العسكري الفاشي” بحسب البيان، فإنها أكدت ما ذهبت إليه مصادرنا من رفض قيادات السجون للمساومات حيث قال البيان: “نطمئن الجميع أن أبناء الجماعة ومنتسبيها في الداخل والخارج، بمن فيهم الأحرار الثابتون داخل السجون، على قلب رجل واحد، وأن أي محاولات للوقيعة محكوم عليها بالفشل ولن تجدي نفعًا”.