كشف تحليل تقني لجهاز الهاتف المحمول الخاص بالمحقق المكلف من الأمم المتحدة بالبحث في جرائم الحرب في اليمن، أنه اُستهدف ببرامج تجسس صنعتها مجموعة NSO الإسرائيلية.

كمال الجندوبي، التونسي الذي شغل منصب رئيس فريق الخبراء البارزين في اليمن  (GEE)، وهو فريق مكلف من قبل الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب. وفقًا لتحليل هاتفه المحمول، بواسطة خبراء في منظمة العفو الدولية و Citizen Lab في جامعة تورنتو، فقد تم استهدافه في أغسطس ٢٠١٩.

 يُزعم أن الاستهداف حدث قبل أسابيع فقط من إصدار الجندوبي وفريق الخبراء التابع له تقريرًا دامغًا، خلص إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن قد ارتكب “انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي” يمكن أن تؤدي إلى “مسؤولية جنائية عن  جرائم الحرب”.

يظهر رقم هاتف الجندوبي المحمول أيضا في قاعدة بيانات مسربة في قلب مشروع بيغاسوس، وهو تحقيق في NSO أجرته صحيفة الجارديان ووسائل الإعلام الأخرى، بتنسيق من Forbidden Stories، المجموعة الإعلامية الفرنسية غير الربحية.

 تضمنت القائمة المسربة أعدادًا من الأفراد الذين يُعتقد أنه قد تم اختيارهم كأهداف مراقبة محتملة من قبل عملاء NSO. تشير البيانات إلى أنه تم اختيار الجندوبي كهدف محتمل للمراقبة من قبل المملكة العربية السعودية، والتي كانت عميلًا قديمًا لـ NSO، قبل أن يتم إسقاطها في وقت سابق من هذا العام، وذلك بعد مزاعم بأنها أساءت استخدام أداة المراقبة.

 في بيان ردًا على أسئلة حول قضية الجندوبي، قال متحدث باسم NSO : “بناءً على التفاصيل التي قدمتها لنا، يمكننا أن نؤكد أن كمال الجندوبي لم يكن مستهدفًا من قبل أي من عملائنا الحاليين”.

 عُين الجندوبي، المدافع عن حقوق الإنسان والمعارض لنظام الرئيس السابق بن علي في تونس، من قبل مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وذلك لقيادة مجموعة من الخبراء الدوليين للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في عام ٢٠١٧. 

 توقف تفويض الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب المحتملة بشكل مفاجئ في أكتوبر/ تشرين الأول، وذلك بعد تصويت أعضاء مجلس حقوق الإنسان على إنهاء التحقيق.

ونقلًا عن خبراء سياسيين ودبلوماسيين على دراية وثيقة بالموضوع، ذكرت صحيفة الجارديان في وقت سابق من هذا الشهر أن المملكة العربية السعودية استخدمت “الحوافز والتهديدات” كجزء من حملة الضغط، والتي تهدف إلى إغلاق تحقيق الأمم المتحدة. وقال الجندوبي لمشروع بيغاسوس إن استهداف هاتفه يمثل أفعال “دولة مارقة”.

وأضاف أنه “لا توجد كلمات أخرى، بصفتنا محققين دوليين، من المفترض أن نكون محميين على الأقل، لكنني لست متفاجئًا على الإطلاق، فلقد كنت قلقًا بشأن هذا منذ عام ٢٠١٩”.

وقال أيضًا: “علمنا أنه من المحتمل استهدافنا منذ نشر تقريرنا لعام ٢٠١٨، لقد أحدث هذا التقرير صدمة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فلم يتوقعوا مثل هذه النتائج”. وأضاف الجندوبي “لقد استخدموا كل دعاياتهم ووسائل إعلامهم لتشويه سمعتنا وتشويه عملنا، وذلك حتى تصويت ٢٠٢١ الذي أنهى مهمتنا”.

قال المحقق إنه لا يعتقد أن عمله على الهاتف المستهدف قد تعرض للخطر، لأنه استخدم جهاز آخر لإجراء تحقيقاته. وقال إن استهداف هاتفه يدل على دولة لا تهتم “بالالتزامات والحد الأدنى من القواعد الدولية”.

قالت ميليسا بارك، المحققة الخبيرة في فريق الخبراء البارزين وعضو البرلمان الأسترالي السابق، ردًا على أنباء استهداف الجندوبي: “لو أمكن فقط تطبيق هذه التكنولوجيا والطاقة غير العادية لصالح الشعب اليمني، بدلًا من حدوث العكس، ستزداد الدعوات إلى المساءلة عن الجرائم المرتكبة في اليمن في أعقاب هذه الفضائح”.

اقترب مشروع بيغاسوس من الجندوبي بعد التأكد من إدراج رقم هاتفه المحمول في قاعدة البيانات المسربة.

وجد الخبراء في مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية و Citizen Lab، الذين يبحثون عن هجمات المراقبة الرقمية المعقدة، آثار لبرنامج تجسس بيجاسوس على هاتف الجندوبي، والتي ترتبط أيضًا بطابع زمني يشير إلى وقت اختيار الرقم.

وقال الخبراء إن تحليل الطب الشرعي أظهر أن أحد عملاء NSO حاول اختراق الجهاز.

ومع ذلك، لم يكن هناك دليل واضح على أن الهاتف المحمول قد تم اختراقه بنجاح أو على سرقة البيانات، وذلك لعدم إمكانية استرداد هذه البيانات. إذا كان الهاتف مصابًا ببرنامج التجسس بيجاسوس التابع لـ NSO، فإن مشغلي برامج التجسس لديهم تحكم كامل، بما في ذلك القدرة على اعتراض المكالمات الهاتفية وقراءة الرسائل النصية والتسلل إلى التطبيقات المشفرة وتتبع الموقع الفعلي للفرد، ويمكن لبرامج التجسس أيضًا تحويل الهاتف المحمول إلى جهاز استماع من خلال التحكم عن بُعد في مسجل الهاتف.

نفت NSO بشدة أن تكون قاعدة البيانات المسربة في قلب مشروع بيجاسوس مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالشركة أو عملائها، وقالت أيضًا إن عملائها الحكوميين يهدفون فقط إلى استخدام أدوات المراقبة الخاصة بها لمحاربة الجرائم الخطيرة والإرهاب، وإنها تحقق في مزاعم موثوقة بسوء الاستخدام.

قوبل الكشف عن استهداف هاتف الجندوبي برد فاتر من مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش. وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن الجندوبي كان خبيرًا مستقلًا، وإن الأمم المتحدة ستترك الأمر له لتوضيح وضعه بشكل أكثر تحديدًا.

وقام روبرت كولفيل، المتحدث باسم ميشيل باتشيليت، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بتوضيح مفاده أن “استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والسياسيين هو مجرد مثال آخر على كيف يمكن أن ينتهي الأمر بالأدوات التي يُزعم أنها تهدف إلى معالجة المخاطر الأمنية إلى تسليحها ضد الأشخاص ذوي الآراء المعارضة”

 ووصفت أغنيس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، والتي عملت سابقًا كمقررة خاصة للأمم المتحدة، نبأ استهداف الجندوبي المزعوم بأنه “صادم وغير مقبول”.

وأضافت قائلةً “إنه تم استهدافه أثناء التحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع المسلح، وعلى يد طرف رئيسي في ذلك النزاع؟ إن هذا السلوك المزعوم يدل على ما هو أكثر بكثير من السخرية والاستخفاف الزائد بمبدأ المساءلة، على الرغم من أنه يفعل ذلك بالتأكيد”.

وقالت أيضًا “إنه يشير إلى مزيد من الأدلة على تجاهل السلطات السعودية التام للقانون الدولي، واستعدادها لفعل أي شيء لضمان إفلاتهم من العقاب، ويظهر مرة أخرى عدم الاحترام الكامل للأمم المتحدة والصكوك المتعددة الأطراف وإجراءات حقوق الإنسان”.